يمكن تخليص النقاط التي حققتها المقاومة فيما يلي:
أولاً: عمليات اختراق الحدود التي نفّذت في عمق الكيان المحتل كانت من الجرأة بمكان، وبطريقة أذهلت العالم كله، وفي كل مرة برهنت المقاومة على قدرتها على اختراق كل التحصنيات، معتمدة على كفاءة وقدرة وشجاعة المقاتلين على الأرض، وأثبتت أنه كان بإمكان المقاتلين الاجهاز على مئات "المدنيين"، لكنها كانت تصر "بعناد" في كل مرة على انتظار الجنود النظاميين والاشتباك معهم، ولا يخفى على أحد طبيعة الهدف الذي ترغب المقاومة في تحقيقه، وهو التأكيد على "أخلاقية" و"مهنية" المقاتل الفلسطيني، وهو تطور جديد من شأنه أن ينقلنا إلى رغبة المقاومة في ايصال رسالة للعالم كله أن الاستراتيجية الجديدة تعتمد فكرة عدالة المقاومة في وجه المحتل، والتأكيد على استهداف الجيش النظامي فحسب، لتسجل المقاومة (التي طالما اتهموها باستهداف المدنيين) نقطة في سجل أخلاقيات الحرب في مواجهة جيش لا ينفك يُعمل بجرائمه في حق المدنيين الأبرياء العزّل.
ثانياً: سجلت المقاومة الفلسطينية نقطة مهمة في مسألة "المصداقية"، حيث برهنت المقاومة على صحة كل أخبارها وحوادثها ومعاركها، بينما اختبأ جيش الاحتلال خلف ماكنة كذب إعلامية، ضللت البعض لأيام قبل أن يكتشف رجل الشارع في إسرائيل أن الوصول للمعلومة الدقيقة يستوجب البحث عن القنوات التي تخص المقاومة الفلسطينية بدلاً من الركون إلى إعلام توجهه على مدار الساعة الرقابة العسكرية.
ثالثاً: كان للفيديو الذي بثته المقاومة الفلسطينية بشأن عملية "ناحال عوز" أثراً بالغ الأهمية على معنويات الجيش الإسرائيلي وجنوده، كان هذا الفيديو بمثابة إهانة كبيرة للجيش الإسرائيلي، ونستطيع القول أنه مرّغ أنف قادة الاحتلال في الوحل.
رابعاً: المقاومة الفلسطينية أثببت أنها تمتلك قدرات مذهلة في مجال الحرب البرية، وإدارتها بكل جرأة وبتخطيط ينذر بأوخم العواقب لجيش الاحتلال فيما لو تقدم أكثر، ومن هنا بتنا نسمع التصريحات التضليلية لقادة الاحتلال العسكريين بأنه يتوجب على القيادة السياسية أن تقرر إما احتلال غزة بالكامل أو الانسحاب فوراً منها، والصحيح أنها لم تعد قادرة على التقدم متراً واحداً باتجاه مدن القطاع، لأن كل متر يعني قتل المزيد من الجنود وإصابتهم وربما وقوع المزيد منهم في أسر المقاومة.
خامساً: المقاومة الفلسطينية تمكنت من "شل" الحركة في مطار بن غوريون الدولي، وهو بمثابة شريان الحياة لحركة الملاحة الجوية الإسرائيلية، في تطور لم يتوقعه العدو من قبل، صحيح أن الصواريخ الفلسطينية، وبالذات محلية الصنع، لا تسبب دماراً كبيراً كالذي تصنعه صواريخ العدو، إلا أنها برهنت على قدرتها على إلحاق أكبر الأذى بالعدو على أكثر من مستوى، ولا يهم في هذا الجانب قدرتها على الفتك بالأرواح.
سادساً: المؤكد اليوم بالنسبة لكل طفل في قطاع غزة أن إسرائيل لم تحقق الغايات العسكرية التي من أجلها شنت العدوان، والمؤكد كذلك أنها تسعى باستخدام وتوظيف كل محبيها والمتعاطفين معها وحلفائها عبر العالم إلى تحقيق إنجاز سياسي أو دبلوماسي يعوضها عن خسارتها للمعركة في الميدان، وهذا ما لا ينبغي منحها إياه، فلا حالنا يشبه حال جنوب لبنان، ولا المعادلة الفلسطينية بمثل ما هي عليه الحالة اللبنانية، وإذا حلم الصهاينة ب 1701 جديد فهم واهمون في حكم المؤكد.
سجلت مقاومتنا في قطاع غزة أنها تعرف الفرق بين المقاومة والإرهاب، وأنها تجيد العزف على وتر الضمير العالمي وتعرف أخلاقيات الحروب جيداً، وانتصرت على الجيش الذي يسمي نفسه أكثر جيوش العالم أخلاقية، وقدمت نموذجاً جديداً لأحرار العالم بشأن كيفية الوصول إلى الضمير العالمي وحشد الرأي العام الدولي مناصرة للشعب المكلوم والمقهور والمحاصر في قطاع غزة، إلى جانب القدرة المذهلة على التغيير في إستراتيجيات القتال، وباتت على موعد مع النصر، ليس بسواعد المقاتلين فحسب، بل بسواعد كل من رفض ترك غزة لمصيرها واختار أن يحيا بين جنباتها، إما بجسده أو بقلبه وذلك أضعف الإيمان.
______________________________________
* إعلامي وباحث في الشؤون السياسية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق