الاثنين، 17 أغسطس 2009

أسئلة «أحداث رفح الدموية».....د. محمد أبو رمان

تتجاوز الأسئلة التي تطرحها أحداث رفح الدموية، خلال الساعات الماضية، المستوى المحلي إلى الخارجي، وتعكس ارتفاع وتيرة الصراع بين تيارات «الإسلام السياسي» في السنوات الأخيرة.

مع هذه الأحداث تتكشّف مدى المفارقات التي تقع فيها حركة «حماس»، في مقدمة ذلك استحضارها الخطاب الرسمي العربي في اتهام هذه الجماعات، بنسبتها تارة إلى «فتح» وعمالتها لدحلان، وتارةً أخرى لجهات أجنبية، وتارةً ثالثة بالمجموعات المخرّبة خارج القانون، وبالتكفيريين.

في المقابل، تتهم هذه المجموعات حركة «حماس» بممارسة التعذيب البشع في سجونها لأبناء هذه الجماعات، وتعرض مواقع الكترونية صوراً للمعذبين في معتقلات «حماس»، ومنهم قائد جيش الأمة أبو حفص المقدسي، الذي ما يزال معتقلاً لدى «حماس»، منذ شهرين تقريباً.

وتتهم هذه المجموعات، كذلك، «حماس» بأنّ ما تقوم به من هجمة استئصال لها، يأتي استجابة لتوصية إيرانية، تحذر من تنامي هذه المجموعات في القطاع.

مأزق «حماس» البنيوي مع هذه الجماعات أنّها تقف على الأرضية نفسها، فكلاهما ينطلقان من الشعارات والأفكار الإسلامية (بعيداً عن مسألة الوسطية والتشدد)، ويرفعان خيار المقاومة، بل وقامت هذه المجموعات بعمليات ضد إسرائيل، (بعضها شاركت فيها «حماس» كاعتقال شاليط، مع جيش الإسلام)، وآخرها كان قبل مدة قريبة في «غزوة البلاغ».

الآن، «حماس السلطة» تقوم بما قامت به «فتح» سابقاً، ولها شعراء ومطبّلون، فهي تتهم هذه الجماعات بأنّها تملك سلاحاً غير شرعي وخارجة على القانون، وقامت «حماس» باعتقال ومحاسبة من قام بانتهاك «الهدنة» مع إسرائيل، ما يعيد المشهد نفسه عندما كانت «حماس» في المعارضة و«فتح» في السلطة، ويطرح الاتهامات نفسها على «حماس»! من المفارقات، أيضاً، أنّ «حماس» لم تتردد في «شيطنة» هذه الجماعات، وتقديمها بأبشع صورة من خلال آلتها الإعلامية والدعائية، وقد شاركت فضائية الجزيرة بذلك، من دون أن تحاول تقديم رواية الطرف الآخر، مهما اختلفنا مع أفكاره وطروحاته.

عموماً، هذه المجموعات تعكس تنامي خطاب السلفية الجهادية وخلاياها في المخيمات الفلسطينية وفي تجمعاتهم، خلال السنوات الأخيرة، ليس فقط في غزة (حيث يوجد جيش الأمة، جند أنصار الله، جيش الإسلام، فتح الإسلام)، وإنّما في المخيمات اللبنانية (فتح الإسلام، عصبة الأنصار وغيرهما)، وحتى في الأردن وسورية حيث تنتشر الأفكار والمتأثرين.

وبالعودة إلى الصورة الإعلامية في خطبة قائد جند الله القتيل عبد اللطيف موسى، يمكن بسهولة ملاحظة أنّ زي المسلحين هو ذاته الذي ارتداه أبو مصعب الزرقاوي (في الشريط الذي ظهر فيه قبيل مقتله)، وقد بات أقرب إلى «الزي الموحد» لهذا التيار في كثير من الدول، بما فيها الأردن.

حجم التعاطف (من أنصار القاعدة) مع هذه المجموعات في غزة يتجلى من خلال شبكة الانترنت، والمعارك الالكترونية بين أنصار الإخوان والسلفية الجهادية، والاتهامات المتبادلة بالتكفير والتضليل، في مناطق مختلفة (غزة، العراق، لبنان، الأردن..).

«حماس» قفزت في مواجهتها لهذه المجموعات عن الشروط الموضوعية الخصبة التي أدت إلى صعودها وانتشارها، وهي مرشحة بالازدهار والصدام مع «حماس».

فهنالك قطاع محاصر، وخطاب إسلامي تعبوي، وانهيار في مسار «النضالات الوطنية» الفلسطينية، مع فقر وبطالة وعجز سلطوي عربي، كل ذلك يحفّز على صعود «يمين اليمين» في غزة، الذي تمثله هذه المجموعات وخطابها القاعدي.

من المعروف أنّ هنالك أعداداً من «الجهاديين» المتطوعين بدأت تتسرب إلى غزة، خلال الفترة الأخيرة، ما يجعل الوضع هنالك أشبه بـ «برميل بارود»، ويدفع «حماس» بعد هذه التحولات المحيطة والذاتية إلى إعادة تعريف الحركة ومآلات مشروعها الفكري والسياسي والآفاق المستقبلية، بخاصة مع تورطها في استحقاق حكم غزة!

انتخابات إيران وأحداث رفح وتجارب الإسلام السياسي في العراق والسودان وغيرها تؤكد أنّ على الحركات الإسلامية أن تحدث قفزة نوعية كبرى في أفكارها وتصوراتها نحو الاقتراب من تجربة حزب «العدالة والتنمية» التركي ونموذجه في الحكم.


كاتب وباحث أردني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق