الثلاثاء، 4 أغسطس 2009

«فتح ــ عبّاس» تبصر النور في بيت لحم....حسام كنفاني

«فتح بعد المؤتمر لن تكون كما كانت قبله»، هكذا قال محمد دحلان قبل أيام. توصيف دقيق ليس لأن المؤتمر سيُحدث نقلة تنظيمية نوعية في الحركة المفكّكة، بل لأنه سينقلها بكاملها إلى تحت مظلة الرئيس الفلسطيني بعد إقصاء مجموعة من الكوادر فيها، ويحوّلها إلى «حزب سلطة»، أو ما يمكن تسميته «فتح ــ محمود عباس»، الذي يسعى إلى الهيمنة على الحركة
حسام كنفاني
دحلان سيخرج قويّاً، ويسعى إلى إدخال 5 أعضاء إلى اللجنة المركزية
أبو مازن سيقصي القدومي عن أمانة سر الحركة ويتّجه إلى تعيين أبو ماهر غنيم بدلاً منه
بعد عشرين عاماً من الغياب، يعود مؤتمر «فتح» إلى الانعقاد. الحركة التي تأسست عام 1963 لم تعقد إلّا خمسة مؤتمرات، ليكون التجمع الحالي في بيت لحم السادس، لكن أهميتّه قد تكون موازية للمؤتمر الأول، ولا سيما أن الكثير يراهنون على «إعادة تأسيس» بعد النكبات والنكسات التي مرّت بها طوال العشرين عاماً الماضية، وكانت آخرها خسارة صدارة المشهد الفلسطيني، خلال انتخابات عام 2006، لمصلحة حركة «حماس»، لتصبح «فتح» الفصيل الفلسطيني الثاني، بعدما تفرّدت بالقرار الفلسطيني منذ تسلّم قائدها، الزعيم الراحل ياسر عرفات (أبو عمّار)، رئاسة منظمة التحرير عام 1969.العودة إلى الصدارة الفلسطينية هي هاجس القادة «الفتحاويين» اليوم، والغاية الأساس من المؤتمر السادس. عودة تتطلّب إعادة هيكلة الوضع الداخلي التنظيمي في الحركة، وهو ما سيأخذ الجانب الأكبر من النقاشات، بغض النظر عن البرنامج السياسي، أو برنامج العمل الوطني، الذي قد لا يحظى بالاهتمام الكافي، بقدر الاهتمام بإعادة ترتيب البيت الداخلي «الفتحاوي»، والعمل على «دمج الأجيال»، ولا سيما أن أي تجديد لم يطرأ على المجلسين المركزي والثوري للحركة منذ عشرين عاماً.تحت هذا العنوان، يُعقد الموتمر «الفتحاوي» اليوم. مؤتمر من المفترض أن يكون توحيديّاً للتيارات الكثيرة المتناقضة والمتصارعة للحركة، عبر خلق هيكلية جديدة تُخرج «فتح» من تشرذمها. لكن تحقيق هذه الغاية لن يكون بالسهولة التي يريدها «الفتحاويون»، ولا سيما أن ما هو معد للهيكلة الجديدة، سيثير حفيظة ممثلي الكثير من الأقاليم، وينذر بحركات انشقاق جديدة؛ فما جرى الإعداد له، ولا سيما لجهة عقد المؤتمر في الداخل الفلسطيني واختيار الحاضرين بعناية، ينبئ بولادة جديدة لـ«فتح» تكون بكاملها تحت سلطة الرئيس محمود عبّاس، أو بمعنى آخر تأسيس حركة «فتح ـــــ عباس»، بعد التخلّص من مجموعة من القادة التاريخيين الذين عارضوا أبو مازن خلال فترة خلافته لأبو عمار على رأس السلطة وحركة «فتح».مجموعة من الخطوات قام بها أبو مازن لتسهيل عملية إعادة الهيكلة تلك، وانتخاب مجلس مركزي ومجلس ثوري، يكون له فيهما نصيب الأسد، ويضمن ولاء من فيهما، حتى وإن لم يكونوا محسوبين على تياره. الخطوة الأولى في مهمة عبّاس كانت رفع عدد المشاركين في المؤتمر من 1550، كما كان مقرراً خلال الاجتماعات الإعدادية، إلى 1700، ثم إلى 2250، بذريعة تعويض غياب «فتحاويي» غزة، الذين يقدّر عددهم بـ 400 عضو.
■ عودة دحلان
في إطار دعم مساعي عبّاس، يأتي الحلف القديم ـــــ المستجد بينه وبين الرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة، محمد دحلان، الذي تؤكّد مصادر مطلعة لـ «الأخبار» أنه يمتلك الكتلة الأكثر تنظيماً وحركة بين أعضاء المؤتمر. وتشير المصادر نفسها إلى أن عديد كتلة دحلان كان يراوح بين 350 عضواً و400 عضو قبل زيادة عديد المشاركين إلى 2250.وتؤكد مصادر فلسطينية أن أساس الأزمة بين «فتح» و«حماس» بشأن منع المشاركين في المؤتمر من مغادرة قطاع غزّة، يصبّ في خانة عدم السماح بتقوية دحلان، الخصم الأساسي للحركة الإسلامية في السلطة الفلسطينية، ولا سيما أن القوة الأساسية لدحلان تقوم أساساً في قطاع غزّة.غير أن المصادر نفسها تؤكد أن المنع «الحمساوي» قد يؤدّي إلى رد فعل معاكس بين «الفتحاويين»، على اعتبار أن دحلان بدأ يظهر في شكل «المستهدَف» من جانب الحركة الإسلامية، التي باتت ألد خصوم، إن لم يكن أعداء، «الفتحاويين».وتشير المصادر نفسها إلى أن ما راج في فترة سابقة عن خلاف بين عباس ودحلان في أعقاب الحسم العسكري «الحمساوي» في قطاع غزّة، وتحميل دحلان مسؤوليته، لم يدم طويلاً، ليعود التحالف بين الرجلين، الذي تصفه المصادر بأنه «تحالف أساسي»، ولا سيما بعد الاتهامات الأخيرة لأمين سر «فتح»، فاروق القدومي، الذي جمع أبو مازن وأبو فادي في مؤامرة اغتيال أبو عمار.وتؤكد مصادر لـ«الأخبار» أن كتلة دحلان تعدّ لدخول اللجنة المركزية لحركة «فتح» بخمسة أعضاء، من أصل الأعضاء الـ 21 الذين يكوّنون اللجنة. وتشير إلى أن هؤلاء، إضافةً إلى دحلان نفسه، هم سعدي الكرنز وعبد الرحمن حمد وصخر بسيسو وسمير مشهراوي. كذلك، فإن دحلان يسعى إلى حصّة غير قليلة من المجلس الثوري للحركة، الذي يتألف من 120 عضواً.
■ «مجموعة الخليل»
كما أن هناك مجموعة أطلق عليها اسم «مجموعة الخليل»، بدأت تعمل لتأمين مواقعها في اللجنة المركزية. ورغم عدم ارتباط أعضائها، إلا أن غايتهم تصب في الاتجاه نفسه. وتشير المصادر إلى أن أحد أبرز وجوه هذه المجموعة هو السفير الفلسطيني في القاهرة، نبيل عمرو، الذي يرتبط بعلاقة تحالف قويّة مع دحلان. ومن بين أعضاء المجموعة أيضاً جبريل الرجوب، الذي يشغل حالياً منصب رئيس اتحاد كرة القدم الفلسطيني، بعدما كان رئيساً للأمن الوقائي في الضفة الغربية. وإذا كان وصول الرجوب إلى اللجنة المركزية شبه محسوم، فإن وضع ممثل منظمة التحرير في لبنان، عباس زكي، لا يزال غير واضح، وهو إذا لم يتمكن من حسم الأصوات التي تؤهّله للهيئة الأعلى في الحركة، فقد يعزف عن الترشح.
■ عبّاس الأقوى
وفي محاولته لـ«سرقة فتح»، كما يقول بعض الحركيين المعارضين لأبو مازن، لا يكتفي عبّاس بمجموعة دحلان، إذ إن المراقبين يؤكّدون أنه «الأقوى في المؤتمر»، ولا سيما أنه يمسك بكل خيوطه من خلال الأمن الوطني، والأجهزة الأمنية الأخرى، وكتلة المتقاعدين وممثلي الاتحادات الشعبية، والسفارات، وبعض الأقاليم التي باتت تدين بالولاء من دون أي تردد لرئيس السلطة. لذلك، يقول المراقبون إن عباس يدخل المؤتمر باعتباره الأقوى والأكثر قدرة على التحكم في مساره، وبالتالي فهو متأكد من أنه سيعاد انتخابه رئيساً للحركة.لكن عباس، في الوقت نفسه، حريص على أن تأتي تشكيلة اللجنة المركزية للحركة متجانسة مع توجهاته. ولهذه الغاية، فإن عملية إقصاء واسعة النطاق ستشمل كل من يعارض الرئيس الفلسطيني.أمين سر حركة «فتح» في الضفة، الأسير مروان البرغوثي، لن تشمله مقصلة أبو مازن في المرحلة الحالية، لاعتبارات بُعده عن ميدان العمل الحركي المباشر، وبالتالي فإن مقعده في اللجنة المركزية سيبقى محفوظاً. غير أن أمين سر اللجنة المركزية، فاروق القدومي، سيكون أبرز الخارجين من اللجنة، وربما حركة «فتح» بمجملها، تمهيداً لإخراجه من رئاسة الدائرة السياسية لمنظمة التحرير. وتؤكد مصادر للـ«الأخبار» أن إخراج القدومي من المنظمة سيكون على أساس أنه لم يعد يمثّل «فتح»، من دون الحاجة إلى عقد مجلس تأديبي لأبو اللطف لمحاسبته على اتهاماته الأخيرة لعباس ودحلان.القدومي لن يكون الاسم البارز الوحيد، فالحديث يدور أيضاً عن هاني الحسن، الذي شغل في مرحلة ما منصب وزير الداخلية في السلطة الفلسطينية، غير أن خلافات طرأت على علاقته مع أبو مازن، ما دفعه إلى مغادرة رام الله والاستقرار في العاصمة الأردنيّة عمّان. كذلك، فإن حظوظ صخر حبش ومحمد جهاد ونصر يوسف تبدو معدومة في العودة إلى اللجنة المركزية.
■ أبو ماهر وأبو علاء
لا شك أن عودة محمد راتب غنيم (أبو ماهر) من منفاه التونسي إلى رام الله وانضمامه إلى فريق الرئيس الفلسطيني، قوّت موقف أبو مازن داخل حركة «فتح»، ولا سيما أن غنيم من ثلّة «الأبوات» الأوائل لـ«فتح»، وهو يشغل رئاسة دائرتها التنظيمية ورئاسة اللجنة التحضيرية للمؤتمر السادس. وتمثّل عودة أبو ماهر ضربة لفريق تونس، وفي مقدمته القدومي. غير أن عودته لن تكون مجانية، ولا سيما أنه يعدّ ورقة عباس الرابحة في المؤتمر.وتشير المعلومات المتداولة في بيت لحم ورام الله إلى أن عباس سيضمن وصول أبو ماهر إلى اللجنة المركزية للحركة لتسليمه أمانة سرها، بدلاً من القدومي، وليكون بالتالي الرجل الثاني في الحركة. غير أن مثل هذا المنصب قد يثير حساسية مفوض التعئبة والتنظيم في «فتح»، أحمد قريع (أبو العلاء)، الذي قد يسعى عبّاس إلى استرضائه بمنصب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، التابع لمنظمة التحرير، ليخلف سليم الزعنون (أبو الأديب)، الذي يتردّد أنه يعاني أزمة صحيّة ويعتزم التخلي عن منصبه في أول اجتماع للمجلس الوطني.هيكليّة «فتحاوية» جديدة ستخرج عن المؤتمر السادس، ستكون لحركة مدجّنة تحت راية أبو مازن، الذي سيحاول أداء دور عرفات في مسك كل المفاتيح بيده. لكن السؤال يبقى إذا كان يستطيع ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق