الجمعة، 18 أكتوبر 2013

وفاء الأحرار " وانتصاراتها الثلاث .... عبد الناصر فراونة

" وفاء الأحرار " .. اسم أطلق على صفقة التبادل الأخيرة التي تمت ما بين الفصائل الفلسطينية الآسرة للجندي الإسرائيلي" جلعاد شاليط " من جانب ، والحكومة الاسرائيلية من جانب آخر ، بوساطة ورعاية الشقيقة مصر ، وتعتبر الصفقة قبل الأخيرة و حملت الرقم ( 38 ) في سجل مجمل صفقات التبادل عربياً وفلسطينياً في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي ، منذ فبراير / شباط عام 1949 حينما بدأتها الشقيقة مصر .

لكنها الأولى في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة التي تتم وبنجاح فوق الأراضي الفلسطينية ، لتضاف لسلسلة عمليات التبادل العديدة والرائعة التي نفذتها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية منذ أن بدأتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في 23 يوليو / تموز عام 1968 .

" وفاء الأحرار " .. نفذت مرحلتها الأولى في الثامن عشر من أكتوبر من العام الماضي ، والمرحلة الثانية بعد شهرين أي في الثامن عشر من ديسمبر ، وأُجبرت " اسرائيل " بموجبها إطلاق سراح ( 1027 ) أسير وأسيرة كانوا محتجزين في سجونها ومعتقلاتها سيئة الصيت والسمعة .

وبالمقابل أطلقت فصائل المقاومة بقطاع غزة سراح الجندي الإسرائيلي الأسير " جلعاد شاليط " الذي كان في قبضتها منذ أسره في السادس والعشرين من يونيو / حزيران عام 2006 وهو على متن دبابة عسكرية ضمن قوات عسكرية مُحتلة جاءت لقطاع غزة بهدف القتل والدمار ، وذلك بمشاركة ثلاثة فصائل فلسطينية هي ( حركة حماس وجيش الإسلام ولجان المقاومة الشعبية ).

وبانجاز تلك الصفقة تستطيع فصائل المقاومة الفلسطينية أن تسجل وبفخر لشعبها ولنفسها وفي سجلها الساطع ثلاث انتصارات عظيمة ورائعة .

أولها : قدرتها على أسر " شاليط " عبر تنفيذ عملية فدائية نوعية ، على حدود قطاع غزة عُرفت بعملية " الوهم المتبدد " ، لتُثبت أن المقاوم الفلسطيني وبامكانياته المتواضعة ، وقدراته المحدودة يمتلك ما ( لا ) يمتلكه جنود الاحتلال ، لأنه يتسلح بعقيدة وإيمان بالله عز وجل وإرادة قوية آمنت بحتمية هزيمة الاحتلال .

وانتصارها الثاني : نجاحها الفائق في إخفائه لأكثر من خمس سنوات متواصلة في مساحة ضيقة وصغيرة جداً ( لا ) تتجاوز 360 كم مربع وهي عبارة عن شريط ساحلي اسمه " قطاع غزة " ، بالرغم مما تمتلكه " إسرائيل " من تكنولوجيا حديثة ، وقدرات عسكرية وأمنية متطورة .

وإفشالها لكل المراهنات الإسرائيلية باستعادته بالقوة وتعطيل كل إمكانياتهم التكنولوجية والاستخباراتية ، ليثبت رجال المقاومة الفلسطينية بأنهم يمتلكون خبرة عالية في التكتيك والإختفاء والسرية ، ومما ساعدهم في ذلك أيضاً طبيعة الوضع السياسي والأمني في قطاع غزة ، وانتهاء الوجود العسكري المباشر في قطاع غزة منذ سبتمبر 2005 .

والانتصار الثالث يتمثل في صمود الفصائل الآسرة ، وعدم رضوخها لإملاءات وضغوطات الاحتلال وأجهزته المختلفة ، ونجاحها في فرض " التبادلية " في إطار صفقة مشرفة كفلت تحرير مئات من الأسرى لم يكن بالإمكان تحريرهم إلا بهذه الطريقة ، بالرغم مما يمكن أن يُسجل هنا من ملاحظات وإخفاقات ، والتي لا تقلل من شأن " الصفقة " على الإطلاق .


فـصفقة التبادل أو كما يُطلق عليها وفاء الأحرار شملت بمرحلتيها الأولى والثانية إطلاق سراح ( 1027 ) أسير وأسيرة ، منهم ( 994 ) أسير و( 33 ) أسيرة كانوا محتجزين في سجون الاحتلال الإسرائيلي ، ومن كافة المناطق الفلسطينية بما فيها القدس وال48 ، بالإضافة إلى ثلاثة أسرى عرب ( واحد من الجولان واثنان من الأردن ) .

وكان من بين مجموع من تحرروا في إطار الصفقة ( 284 ) أسيراً صدر بحقهم أحكاماً بالسجن المؤبد لمرة واحدة أو لمرات عديدة ، و ( 95 ) اسيرا من " عمداء الأسرى " ممن مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاماً بينهم ( 27 ) أسيرا مضى على اعتقالهم ربع قرن وما يزيد ، بل وأن خمسة أسرى من هؤلاء كانوا معتقلين منذ أكثر من ثلاثين عاماً .


ثلاثة انتصارات تحققت ، فهنيئاً للمقاومة وللشعب الفلسطيني عامة بكل فئاته وأطيافه السياسية وانتماءاته الحزبية ، ولأبنائه في قطاع غزة خاصة الذين دفعوا ثمناً باهظا عقب أسر " شاليط " ، وجراء استمرار احتجازه لأكثر من خمس سنوات وقدموا تضحيات جسام من شهداء و جرحى و حصار ودمار وتدمير للبنية التحتية وحرب مجنونة .

ولطالما أننا نتحدث عن صفقة التبادل وانجازاتها بعد عام على إتمامها ، فلا بد من استحضار الدور المصري المتميز والإشادة به وبالجهود العظيمة التي بذلتها الشقيقة مصر وخاصة جهاز المخابرات العامة منذ العام 2006 وحتى إتمام الصفقة .

وعلى الرغم من أننا نشيد بالصفقة وبدور صناعها ومن أشرفوا على إتمامها ، و نفخر كفلسطينيين بالإنتصارات التي تحققت من خلالها ، إلا أنه وفي إطار تقييمنا المتواضع للصفقة بعد عام على إتمامها ، يمكن أن نُسجل عليها بعض الإخفاقات والملاحظات ذات العلاقة بالمفاوض أولا ، وضبابية النصوص وغياب الوضوح والدقة والإلزامية ثانياً ، وثالثاً غياب الضمانات الفعلية التي يمكن أن تُلزم الاحتلال بترجمة كاملة وحرفية لكل ما ورد في الاتفاقية .

ولكن هذا كله ( لا ) يقلل من تقديرنا للصفقة وانتصاراتها الثلاث ، ولم يخدش مكانتها وعظمتها ، ولن يطفئ بريقها .. على اعتبارها انجازاً وطنيا وانتصارا للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة .

أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى 

مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في السلطة الوطنية الفلسطينية

عضو اللجنة المكلفة بمتابعة شؤون الوزارة بقطاع غزة 
الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق