غزة / الساعة كانت الثانية ظهرا. درجة الحرارة كانت مرتفعة بشكل خاص يوم الثلاثاء الماضي. الشوارع المؤدية إلى مسجد "ابن تيمية" كانت خالية تقريبا من المارة، حيث ينصرف الناس للقيلولة في مثل هذه الأوقات وتحديدا في شهر رمضان، باستثناء بعض الصبية الذين يلهون مستظلين بجدران المسجد الذي أصيب بأضرار كبيرة جراء المواجهات التي دارت حوله بين عناصر جماعة "جند أنصار الله" وعناصر الشرطة التابعة للحكومة المقالة في غزة برئاسة إسماعيل هنية.
المسجد الذي يقع على الخط الفاصل بين حي "البرازيل" وحي "السلام"، لم تعد تؤدى فيه الصلوات بسبب ما أصابه من أضرار. وقد حدا ذلك بالناس للانتقال للصلاة في مساجد أخرى تقع في عمق حيي "البرازيل" و"السلام". لكن الناس هنا، وكعادة أهل غزة بشكل عام، لديهم دائما جديد يحوز على اهتمامهم. فالناس الذين بدأوا بالخروج من منازلهم قبيل صلاة العصر، كان تشغلهم نتائج القصف الإسرائيلي الذي استهدف فجر الثلاثاء منطقة الأنفاق التي تقع جنوب المنطقة وأسفرت عن مقتل أربعة أشخاص من بينهم ثلاثة أشقاء وجرح عشرة آخرين. بعض المنازل في محيط المسجد تعرضت لأضرار واضحة جراء عملية القصف التي استخدمت فيها إسرائيل طائرات "إف 15" والتي ألقت قنابل تزن الواحدة منها طنا من المتفجرات.
معظم الناس هنا، ومنهم من كان موجودا داخل المسجد عندما وقعت المواجهات الدامية بين الشرطة والجماعة السلفية الجهادية، لا يرغبون في الحديث لوسائل الإعلام. وحتى عندما توجهت "الشرق الأوسط" لأحد الزملاء الصحافيين الذين يقطنون المنطقة رفض الإشارة إلى اسمه. إلا أن أحمد الأهدب صاحب أحد المحال التجارية في المنطقة قال لـ"الشرق الأوسط" إنه كان موجودا في المسجد أثناء خطبة الجمعة عندما أعلن الدكتور عبد اللطيف موسى زعيم جماعة "جند أنصار الله"، عن إقامة الإمارة الإسلامية.
وأشار إلى أن جميع من كان في المسجد فوجئ بإعلان الإمارة، باستثناء العناصر الذين ينتمون للجماعة ذاتها. وقال أحمد إن أكثر ما أثار استهجان الناس قبيل الصلاة وأثناء الخطبة، هو وصول موسى في موكب من المسلحين المدججين بالسلاح واتخاذهم مواقع داخل المسجد قبيل الخطبة، وكأنهم كانوا يتوقعون ردا على ما كان موسى سيقوله في خطبته. الصحافي الذي تحدثت إليه "الشرق الأوسط" وكان موجودا في المكان، قال إنه بعد أن ألقى موسى خطبته أحاطت عناصر الشرطة بالمنطقة التي يوجد فيها المسجد من دون الاقتراب من المسجد نفسه، حيث زاد التوتر في المكان، وأخذ الناس يتركون المسجد.
وأشار إلى أن ذوي عدد من الشباب الذين كانوا يتحصنون داخل المسجد، حضروا لإجبار أبنائهم على المغادرة، لكنهم خافوا أن يتعرضوا لمكروه، فتدخلت وساطات بين عناصر الشرطة الذين اقتربوا من المسجد وبين جماعة "أنصار جند الله" للسماح بإخلاء المسجد وتطويق الأزمة. وأضاف أن أحد الذين تدخلوا للتوسط بين الشرطة وجماعة "جند أنصار الله"، كان محمد الشمالي الذي يعتبر قائد "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس" في مدينة رفح. وقال إنه بينما كان الشمالي يقف عند بوابة المسجد وينظم خروج بعض الذين كانوا في الداخل، أطلقت عليه النار فقتل على الفور، الأمر الذي شكل نقطة تحول فارقة في الأحداث، إذ قامت الشرطة بإنذار المتحصنين في المسجد بتسليم أنفسهم، مشيرا إلى أنه لم يكد يمضي وقت قليل حتى اندلعت مواجهات كثيفة في محيط المسجد بين عناصر الشرطة وعناصر الجماعة امتدت حتى ساعات الصباح.
ويروي خليل الذي رفض الكشف عن اسم عائلته لـ"الشرق الأوسط" أنه كان هناك توازن في القوة في بداية المواجهات، حيث إن كلا من الطرفين استخدم الأسلحة نفسها التي شملت الأسلحة الرشاشة وقذائف الـ"آر بي جي"، حيث تبادل الطرفان القصف. وقال خليل إنه على مدار سبع ساعات تواصلت الاشتباكات من دون أن يكون أحد قادرا على تمييز ما حدث، حيث كانت الشرطة تحظر على الصحافيين ووسائل الإعلام والمدنيين التحرك في المنطقة بحجة الخوف على سلامتهم، حيث تمت في هذه المرحلة محاصرة منزل الدكتور موسى، حيث دمر.
وحتى بعد أكثر من أسبوعين على المواجهات الدامية فإن من الناس هنا من يتبنى رواية الشرطة التي تقول إن عبوات ناسفة كانت مخبأة بداخله انفجرت فأدت إلى تدميره، وهناك من يتبنى رواية الجماعة التي تقول إن الشرطة قامت بتفخيخ المنزل وتفجيره. وفي المحصلة، قتل موسى و28 آخرون، من بينهم 12 من عناصر الشرطة وطفلان. عائلة موسى لم تعد تقيم بالمكان بعد تدمير المنزل، لكن أهل الحي ينقلون عنها أن الشرطة قامت بتصفية اثنين من الجرحى بعد استسلامهم، وهذا ما نفته الشرطة بكل قوة.
وإن كان معظم الذين تحدثت إليهم "الشرق الأوسط" في المنطقة ينكرون على موسى إعلانه الإمارة، إلا أنهم يشهدون له بـ"الصلاح والتقوى"، ويشيرون بشكل خاص إلى حقيقة أنه كان حافظا لكتاب الله وأنه كان يداوي المصابين بالمس بالقرآن، فضلا عن دوره الكبير في "الدعوة إلى الله". لكن ما لم يختلف عليه اثنان في المنطقة التي يقطن فيها موسى هو حقيقة بروزه في الأشهر الأربعة الأخيرة التي سبقت مقتله فقط باعتباره منتميا لجماعة السلفية الجهادية، حيث إنه كان معروفا بانتمائه للسلفية غير الجهادية، مع العلم أن هناك حالة من العداء بين السلفية الجهادية والسلفية غير الجهادية في فلسطين، وفي غيرها من المناطق.
ويؤكد كثيرون في المنطقة أن كلا من حكومة هنية وحركة "حماس" قامت بإرسال عدد من الوسطاء لموسى لحثه على قطع ارتباطه بهذه الجماعة، لا سيما بعدما اتهمتها وزارة الداخلية بالمسؤولية عن عدد كبير من عمليات التفجير التي استهدفت مقاهي الإنترنت وصالات الأفراح وصالونات التجميل ودور العبادة التابعة للمسيحيين، إلا أن موسى رفض كل العروض. ويقول الذين يعرفون موسى إنه مشهود له بالشدة والثبات وعدم إبداء مرونة إزاء ما هو مقتنع به.
وفي أعقاب ما حدث هددت مجموعة سلفية غير معروفة باستهداف قيادة "حماس". وفي بيان صادر عنها، قالت جماعة "سيوف الحق" إنها ستستهدف قادة "حماس" ومراكز الأمن التابعة لحكومة إسماعيل هنية، محذرة الناس من الاقتراب من هذه المراكز أو المساجد التي يؤدي فيها قادة "حماس" صلواتهم. لكن بعد ساعات على هذا التهديد، غيرت جماعات السلفية الجهادية من لهجتها، فأصدرت بيانا موقعا بـ"الجماعات السلفية الجهادية بفلسطين" نفت فيه بشدة تكفير أي جماعة أو تنظيم آخر. وجاء في البيان: "نحن أبناء شعب واحد وقضيتنا واحدة ولا يجوز إراقة الدم تحت أي ظرف من الظروف"، نافية أن تكون في حرب مع "حماس"، مؤكدة أنها ليست في حرب ضد "حماس" أو أي فصيل فلسطيني "بغض النظر عن الاختلافات والرؤى". وعبرت عن رفضها لتكفير من يقول "لا إله إلا الله". ونفت "الجماعات السلفية" أن يكون "خطاب إعلان الإمارة الإسلامية" قد دعا إلى تكفير "أبناء شعبنا" أو أي حكومات، مشيرة إلى أن "إعلان الإمارة" جاء بعد اتفاق قيادات جماعة "جند أنصار الله" وطرحها فيما بعد على الجماعات الأخرى للبيعة تحت اتفاق واضح يحرم التعدي على حرمات المواطنين. ووصفت الجماعات قيام حكومة "حماس" بتصفية عبد اللطيف موسى أحد أقطاب السلفية وجماعته في قطاع غزة بـ"رد الفعل المتسرع".
وأضافت: "لدى حماس فهم خاطئ لما دعا إليه الشيخ عبد اللطيف موسى"، مستنكرة "تهويل" خطابه ووصف الناطقين باسم الداخلية المقالة موسى وأتباعه بأنهم جماعات تكفيرية. وقالت الجماعة إن أجهزة أمن "حماس" تقوم بملاحقة عناصرها، مشيرة الى أن حكومة "حماس" حملت الجماعات السلفية مسؤولية تفجير حفل زفاف يعود لعائلة دحلان في خان يونس، حيث قامت الحكومة بحملة مطاردة لنشطاء هذه الجماعات.
وأشارت "الجماعات" إلى أن الملاحقات توقفت بعد تدخل شخصيات إسلامية، مشيرة إلى أن "حماس" خاضت حربا إعلامية ضد الجماعات عبر كتابها في الداخل وكتاب ينتسبون للإخوان المسلمين في الخارج. وأشارت إلى أن الأجهزة الأمنية طبقت تعليمات حكومة هنية التي استغلت إعلان عبد اللطيف موسى "الإمارة الإسلامية"، في حسم الأمور عسكريا من دون المحاورة واتخاذ الطرق السليمة لوقف أي عمليات قد تؤجج حالة الصراع.
حكومة هنية التي حملت المسؤولية حتى من كثير من الأوساط داخل حركة "حماس" نفسها لعدم اتباعها أسلوبا حاسما في مواجهة هذه الجماعات وحصر التعامل معها في مجال المواجهة الفكرية، باتت أكثر تصميما على وضع حد لأنشطة هذه الجماعات، اذ قامت باعتقال كل من ينتمي إليها، حيث أكدت أنها ضبطت كميات كبيرة من العبوات الناسفة والسلاح، الذي قالت إن هذه الجماعات كانت تخطط لاستخدامه في العودة بالقطاع لحالة الفلتان الأمني.
وفي الوقت نفسه حافظت حكومة هنية وحركة "حماس" على خطاب دعائي واضح، حيث إنها باتت تقدم هذه الجماعات على أنها جماعات تكفيرية ضلالية متهورة. ويكثر الناطقون باسم الحكومة من تشبيه المنتمين لهذه الجماعات بالخوارج . ليس هذا فحسب، بل إن حركة "حماس" استعانت بفتاوى صدرت خصيصا من عدد من كبار علماء التيار السلفي في دول الخليج واليمن ومصر تعتبر أن "حماس" "تمثل جماعة المسلمين في فلسطين وأنه لا يجوز الخروج عليها". قناة "الأقصى" الفضائية التابعة للحركة لا تنفك عن إجراء المقابلات مع هؤلاء العلماء. وتدلل المؤشرات على أن الحملة الدعائية لحركة "حماس" نجحت في إثارة رعب الغزيين من هذه الجماعات وتأثيرها.
وبخلاف ما هو سائد حاليا، فإن أول ظهور لنشطاء يتبنون فكر السلفية الجهادية كان في عام 2002، عندما كانت السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس الراحل ياسر عرفات وأجهزتها الأمنية تسيطر على القطاع. فقد عقد مدير جهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة في ذلك الوقت رشيد أبو شباك مؤتمرا صحافيا في ديسمبر (كانون الأول) 2002 أكد فيه أن ضباط الاستخبارات الإسرائيلية قدموا أنفسهم لشبان فلسطينيين على أنهم نشطاء في تنظيم "القاعدة" في الخارج، وطلبوا منهم تشكيل نواة للتنظيم داخل القطاع. وقال أبو شباك في المؤتمر: "حققنا في عدة حالات قام خلالها عملاء إسرائيليون بتجنيد فلسطينيين في قطاع غزة بحجة العمل مع تنظيم القاعدة".
وأشار أبو شباك إلى ثماني حالات لفلسطينيين كان ضباط استخبارات إسرائيليون يتصلون بهم ويوهمونهم بأنهم ينتمون لتنظيم "القاعدة". وأوضح أبو شباك في المؤتمر الصحافي أن إسرائيل من خلال هذه الممارسات تحاول تلطيخ سمعة السلطة الفلسطينية. وأكد أن بعض الأشخاص توجهوا لجهاز الأمن الوقائي ليدلوا بمعلومات حول الاتصالات التي أجريت معهم باسم تنظيم "القاعدة"، بعدما انتاب هؤلاء الأشخاص الشكوك وشعروا بأن المخابرات الإسرائيلية قد تكون وراءها، وهو ما ثبتت صحته بعد المتابعة.
وفي الشهر نفسه، ادعى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون أن تنظيم "القاعدة" جند فلسطينيين وشكل خلايا في غزة لضرب أهداف إسرائيلية. وقد اعتبرت السلطة الفلسطينية في ذلك الوقت تصريحات شارون "محاولة إسرائيلية مكشوفة لتشويه صورة الشعب الفلسطيني". واعتبر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تصريحات شارون "كذبة كبيرة جدا للتغطية على جرائمه ضد الشعب الفلسطيني". كما رد ياسر عبد ربه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على تصريحات شارون قائلا إن "هناك عناصر من عملاء إسرائيل صدرت لها تعليمات من جانب موساد بتشكيل خلية تحت اسم القاعدة في قطاع غزة من أجل تبرير الهجوم على مناطق السلطة ولتسويغ الحملات العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة".
في حين اعتبر مدير دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات أن شارون يحاول الربط بين المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال وتنظيم "القاعدة"، تمهيدا لاجتياح غزة وإعادة احتلالها كليا، متهما شارون بالبحث عن "ذريعة ليقنع العالم بشن حملة دولية على الفلسطينيين".
أما وزير الشؤون الخارجية في السلطة نبيل شعث فقال إنه أطلع الدبلوماسيين والقناصل الأجانب على محاولة الاستخبارات الإسرائيلية تجنيد مواطنين فلسطينيين باسم تنظيم "القاعدة"، منوها بأنه تمت مطالبة الدبلوماسيين "بالتحرك العاجل لوقف أي اعتداء إسرائيلي محتمل على القطاع أو الضفة الغربية تحت ذريعة تلك الادعاءات الزائفة". وفي عام 2005 وقبل عام من إجراء الانتخابات التشريعية وفوز "حماس"، قام مجهولون باستهداف فنادق ومقاهي الإنترنت وصالونات حلاقة، لكن أحدا حينها لم يربط هذه التفجيرات بالسلفية الجهادية، إذ إن هذه الفترة قد شهدت أوسع مظاهر الفلتان الأمني في القطاع.
وبعد إجراء الانتخابات التشريعية عام 2006، وفوز حركة "حماس" وتشكيلها أول حكومة برئاسة إسماعيل هنية زادت التفجيرات، وظهرت جماعة تتعاطف مع أفكار تنظيم "القاعدة" وكان يطلق عليها "جيش الإسلام" التي يقودها ممتاز دغمش الذي ينتمي لإحدى العائلات الغزية الكبيرة. وعلى الرغم من أن العلاقة بين "حماس" و"جيش الإسلام" كانت جيدة، إلا أنها سرعان من توترت بشكل كبير بعدما قامت الجماعة باختطاف عدد كبير من الأجانب، حين كانت أشهر عمليات الاختطاف هذه اختطاف الصحافي البريطاني ألان جونستون.
من جهتها، كانت "حماس" تؤكد أن لديها دلائل قوية على أن محمد دحلان مستشار الأمن القومي في السلطة الفلسطينية هو الذي يحرك هذه الجماعة ويدفعها للقيام بهذه الأعمال رغبة منه في التدليل على عدم أهلية حركة "حماس" لحكم قطاع غزة. وأكدت "حماس" أن دحلان نجح في توظيف هذه الجماعات لصالحه ضد حركة "حماس" في الفترة الممتدة بين الانتخابات التشريعية في يناير (كانون الثاني) 2006 وسيطرة "حماس" على القطاع بعد حسمها المواجهة مع حركة "فتح" وأجهزتها الأمنية عسكريا في منتصف يونيو (حزيران) عام 2007.
وتؤكد حكومة "حماس" أن دحلان كان يمد هذه الجماعة بالمال والسلاح. وعندما سيطرت "حماس" على قطاع غزة عسكريا وجهت ضربة قاصمة لـ"جيش الإسلام" وأطلقت سراح جونستون. لكن تبين في ما بعد أن الحديث يدور عن ظاهرة، لا سيما بعدما بدا للكثيرين أن "حماس" تغادر مربع المقاومة إلى الحكم. فخرجت بعض جماعات السلفية الجهادية بعدة مسميات، فتارة يطلقون على أنفسهم "جيش الأمة"، وأخرى "كتائب التوحيد والجهاد"، وأحيانا "سيوف الحق" و"جند أنصار الله".
وبحسب المصادر الأمنية الفلسطينية، فإن معظم الذين ينتمون إلى هذه التنظيمات هم في الأساس عناصر في تنظيمات إسلامية وغير إسلامية تعمل في القطاع مثل حركة "حماس" والجهاد الإسلامي، ولجان المقاومة الشعبية وغيرها من التنظيمات. وما يجمع هؤلاء الشباب هو الحماس لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، مع العلم أن أعمار هؤلاء الشباب تتراوح بين العشرين والثلاثين عاما.
ومنذ البداية أبدت حركة "حماس" حساسية شديدة تجاه هذه التنظيمات، فالتباين الفكري بين "حماس" وهذه الجماعات كبير وصارخ. ف"حماس" التي تتبنى العمل المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي داخل حدود فلسطين تبدي معارضة شديدة قوية لأفكار "الجهاد العالمي" التي تتبناها هذه التنظيمات والتي تبيح مهاجمة الأهداف الغربية والمسيحية. علاوة على ذلك، فإن حركة "حماس" تعي أن اعتماد هذه التنظيمات خطابا إسلاميا قد يفضي إلى نجاحها في استمالة أعداد أكبر من الشباب الفلسطيني لصالحها، مع كل ما يفرضه هذا من تحديات على كاهل "حماس" وحكومتها، حيث إن انتشار مثل هذه الجماعات لن يشكل عبئا أمنيا واجتماعيا على الحركة، بل عبئا سياسيا، إذ إنه سيضفي مصداقية على اتهامات خصوم "حماس" في السلطة الفلسطينية وإسرائيل الذين يقولون إن "حماس" عمليا حولت قطاع غزة إلى "إمارة إسلامية"، على غرار الإمارات التي يعلن عنها قادة تنظيم "القاعدة" في مناطق وجودهم.
وهناك غموض شديد حول مصادر تمويل وتسليح هذه الجماعات، إذ إنه بالإضافة إلى ميل قادة هذه الجماعات للاختفاء عن الأنظار، وفي ظل الحملة الأمنية التي يتعرضون لها، فإنه من خلال المقابلات القليلة التي أجراها الناطقون باسم هذه الجماعات مع وسائل الإعلام، فإنهم يحرصون على التأكيد أنهم يتلقون المساعدات من "أهل السنة والجماعة". لكن "حماس" وحكومتها تؤكد أنهم يتلقون الدعم والتسليح من حركة "فتح".
وقد أكد أكثر من ناطق باسم "حماس" أن نشطاء "فتح" قاموا بتزويد هذه الجماعات بالسلاح الذي خلفته الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة بعد هزيمتها في المواجهة التي خاضتها مع الحركة في حزيران (يونيو)2007.
وقد مثل ما حدث مصلحة إسرائيلية بشكل واضح. فقد أبدت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ارتياحا كبيرا للأحداث التي جرت في رفح. ونقلت الإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية عن مصدر في الجيش الإسرائيلي قوله إن هناك ارتياحا شديدا في أوساط الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لقيام المجموعة السلفية بتصفية محمد الشمالي، منوها بأن الشمالي لعب دورا أساسيا في عملية اقتحام الموقع الأمني الإسرائيلي في معبر "كرم أبو سالم" أقصى جنوب شرقي القطاع في أيار (مايو) من عام 2006، وهي العملية التي اختطف فيها الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليت، فضلا عن مسؤوليته عن عدد كبير من العمليات التي أسفرت عن مقتل وجرح جنود ومستوطنين يهود في القطاع.