الجمعة، 20 يونيو 2014

العقل الطائفي وتابعه الديماغوجي في أحداث سوريا والعراق! ...سري عرابي

لا يذهلك ذلك اليساري الشيعي وهو يتهم مخالفيه بخصوص أحداث سوريا والعراق بأنهم نخب مشرقية تابعة لحكومات الخليج، فهذا اتهام أساسي يشكل ثيمة هادية في أي نص يساري/شيعي؛ تكاد تكون كافية لمعرفة كل ما يقع أسفلها وحولها من قول، وهي ضرورة لخلطة (سمك، لبن، تمر هندي) التي يحتج بها أذيال إيران بصورة رثّة أو مغلّفة بديباجة من الرصانة الشكلية تغطي على تلك الرثاثة، إلا أن الأمر لا يخلو من طرافة و(التابع) يتحدث عن نخب تابعة!

ولكن هل هذا هو التناقض الوحيد لدى أتباع إيران وأذيالها في موقفهم من أحداث المنطقة العربية؟! هل هذا هو التناقض الوحيد الذي يظهر هشاشة ادعائهم المبدئي والرسالي والأخلاقي؟! بالتأكيد لا، ولكننا إزاء ديماغوجيا متضخمة تنبثق من عقل مغلق على ذاته، متمركز حولها، ويجعلها مناط الحق، أو الدليل عليه، فالحق لا يعرف في نفسه، وإنما هو ما أشارت إليه هذه الذات، وهذا العقل انتقائي وقصير الذاكرة في إدراك التاريخ والاحتجاج به، وهذا فيه بعض ما يفسّر تحول جزء من اليسار العربي إلى باطنية طائفية تتلمس سببًا لوجودها في ظل مقولة "المقاومة والممانعة الشيعية"، حيث تسقط من التاريخ فجأة صورة المالكي وهو عائد على الدبابة الأمريكية، ولا يعلق بتلك الذاكرة إلا عملاء من خارج الحلف الإيراني في سوريا، وبالضرورة سيكون كل من هو خارج الحلف الإيراني في سوريا عميلاً لأمريكا، أو سمسارًا لحكام الخليج!

تمامًا ينغلق المشهد على صورتين متضادتين متوهمتين، فالعلق الباطني الطائفي منغلق وأسير أوهامه، التي يهيمن عليها الوعي الكامن بحلول الحق فيه، والذي سبق وأن كتبت عن مثاله لدى السلفيات المختلفة بما في ذلك "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، ولكنه في العقل الشيعي الذي تمثله اليوم إيران وملحقاتها ثم ذيلوها، وإن من خارج الطائفة، أكثر قوة وهيمنة.

وباختصار، بحسب أتباع إيران، فإن ما يغطّي مساحات المعارضة للمالكي وبشار الأسد هي "داعش" والوهابيات الجهادية التي خلقتها دول الخليج، تلك الدول التي تستهين بحياة الشعوب الأخرى، وتقودها إلى حروب لا تنتهي، وقد يتمدد الموقف لدى بعضهم ليشمل بأثر رجعي كل الحركات الإسلامية السنية في بلاد الثورات العربية، ولسبب بسيط، أن هذه الحركات أيدت الثورة السورية حين انطلاقها، وبهذا تغير الموقف من تلك الحركات بأثر رجعي، فالحق لا يعرف في نفسه، بل يعرف بإيران وسياساتها ومعاركها ومصالحها، وبهذا يتبدد العجب من احتفاء الإعلام الممول إيرانيًا بالثورة المضادة في مصر!

فالمشهد في العراق منغلق على صورتين: صورة المالكي ضمانة استقرار العراق ووحدته، وصورة "داعش" سمسار الحرب الوهابي المتوحش، والأمر نفسه في سوريا، وبهذا فكل من خالف الموقف الإيراني في العراق وسوريا "داعشي" وسمسار خليجي بشكل أو بآخر، حتى لو كان مستهدفًا من دول الخليج و"داعش" في آن واحد. ثمة إذن هنا؛ عقل اختزالي، يعجز عن إدراك الظاهرة في كثرتها وتركيبها، في سمة أكيدة للعقل الطائفي.

لا يتحدث صاحب العقل الطائفي عن قتال إيران بالآخرين والتضحية بمصائرهم وإلقائهم في أتون حروب لا تنتهي، وإلا فلماذا تمول إيران الحوثيين وتسلحهم في اليمن؟ وماذا تفعل هي وملحقاتها في العراق وسوريا؟ الإجابة ببساطة شديدة؛ أنه يحق لإيران ما لا يحق لغيرها، لأن الحق يعرف بها، حتى وهي تعلن عن إمكان التعاون مع الأمريكان في العراق، رغم أن حسن نصر الله قال ذات مرة أنه لا يمكنه أن يقف في ذات المكان الذي تقف فيه أمريكا، متكئًا على الذاكرة الانتقائية القصيرة، فلم يكن التعاون الأمريكي الإيراني الحاصل أو المتوقع الآن في العراق هو الأول، فإن فاتحي العراق الذين سبق لحزب الله واحتفى بهم قد عادوا على الدبابات الأمريكية. نصر الله حينها رأى فرس الحسين ولم ير الدبابة الأمريكية!

لا تناقض؛ فالعقل الطائفي والديماغوجي التابع، لا يرى أي تناقض، لأن العبرة في وعيه الكامن؛ في الفاعل لا في الفعل نفسه، فما تفعله إيران صواب، وقد يكون خطأ إن فعله غيرها، لكنه يصرّ على إقناع غيره باعتقاداته، وهذه هي المشكلة، وهو يتصور أن مخالفيه لا يرون ما يرى مكابرة أو عمالة أو سذاجة، لكنه لا يعي أنهم لا يفكرون بذات العقل الطائفي المغلق الذي أحلّ الحق فيه، ولا بذات العقل المهووس المنأسر إلى أوهامه كما في حال بعض أتباع إيران الذين تلمسوا سببًا لوجودهم في ظل مالها ودعايتها!

ألم يؤيد بعض أتباع إيران، بما فيهم حزب الله، الثورة الليبية؟ لا تناقض، فالنيتو تمكن رؤيته في سوريا فقط، بينما ليبيا لا مجال لرؤية أمريكا والنيتو فيها، تمامًا كما لا يمكن رؤية الموقف الأمريكي الداعم للمالكي في العراق الآن. ماذا يعني ذلك؟ لا بأس في أن يدخل الشعب الليبي في حرب لا تنتهي، قد تكون بيئة لوهّابيات جهادية كثيرة يحترق بها الشعب، في مقابل معرفة مصير رجل مختفي هو على الأغلب ميت! نعم؛ شعب مقابل شخص واحد ميت في تعبير مريع عن طائفية افتراقية شقاقية فتاكة تنهش في جسد هذه الأمة، وإلا فلماذا لا تكون الحروب وآثار الثورات القاسية ومعاناة الشعوب بما في ذلك ظهور ضرورات الأزمة مثل الفوضى وجماعات تشبه "داعش" وأخواتها مفهومة في العراق وسوريا كما تفهمها حزب الله سابقًا في ليبيا؟! ولماذا يحضر النيتو وأميركا في الدعاية الإيرانية فقط في سوريا، ويختفي اليوم في العراق، كما اختفى من عيني حزب الله في ليبيا ذات وقت؟! ولو أن حزب الله ومواليه ادعوا أنه كان يمكنهم التمييز بين الشعب الثائر والنيتو في ليبيا، وأنه كان يمكنهم التمييز بين عناصر الكثرة في الحدث، فلماذا تتوقف القدرة على التمييز في سوريا والعراق اليوم؟!

هل هناك تناقض في أن يخرج كل هذا الغثاء من أساتذة التنظير للثورة، من أتباع (الثورة الإيرانية) وبقايا أتباع الثورة البلشفية؟! لا تناقض، فالثورة تعرف بالفاعل لا بالفعل، ولا ثورة اليوم إلا تلك التي ترضى عنها إيران!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق