"حماس" في الضفة... أرض محروقة تنظيمياً فقط
ويشير المطّلعون إلى عدم وجود بنية تنظيمة لحركة "حماس" في الضفة الغربية، بعدما تولّت الأجهزة الأمنية الفلسطينية تفكيك الجناح العسكري والدعوي للحركة بعناية، لا سيّما خلال سنوات الانقسام منذ 2007، ودأبت السلطة على تجفيف الموارد المالية للحركة بحرص بالغ، وتجريم حيازتها للسلاح، عبر إصدار مراسيم رئاسية لها فعّل القانون بعقوبات مشددة.
لكن هناك فريقاً آخر يعترف أنّ السلطة دمّرت البنية التنظيمية لـ"حماس"، إلا أّنه يستدرك أنّ الاحتلال حالياً يسعى لتدمير البنية غير المنظمة للحركة، تلك التي ضربت جذورها عميقاً في المجتمع من دون تنظيم هرمي، وتؤمن بمقاومة الاحتلال كجزءٍ من عقيدتها الدينية والوطنية.
ويسوق الفريق الأول العديد من المعطيات على الأرض، التي تأتي في سيّاق نجاح السلطة الفلسطينية في تفكيك البنية التحتية لـ"حماس"، أبرزها إغلاق السلطة لجميع الجمعيات الخيرية التابعة للحركة، سواء العامة منها أو الخاصة، وما استعصى عليها بسبب حجمه وتأثيره المجتمعي الكبير مثل "لجان الزكاة" في المحافظات، قامت باستبدال هيئاته الإدارية بالكامل بكوادر "فتحاوية"، وأقصت "الحمساويين" منها ولا تزال.
ويقول النائب عن "حماس"، فتحي القرعاوي لـ"العربي الجديد"، إنّه لا توجد مؤسسات أو بنية تحتية خاصة بحركة "حماس" كما تتناقله الأخبار في الضفة الغربية المحتلة.
ويتابع النائب الذي اقتحمت قوات الاحتلال بيته مرّتين في اليومين الماضيين، واعتقلت ابنه البكر، أنّ "القبضة الأمنية نجحت في ضرب كل ما له علاقة بالمطاردين من حركة حماس، حتى الذراع النقابي والطلابي باتا في حالة إرهاق شديدة من كثرة الملاحقة من استدعاءات واعتقالات دائمة".
ويوضح أنّه "حتى النواب الذين ليس لهم علاقة تنظيمة بحركة حماس، وهم عبارة عن شخصيات أكاديمية ووطنية، لاحقتهم السلطة، رغم أنّ عملهم مكرّس للتواصل مع الناس وتقديم الخدمات لهم". ويخلص القرعاوي إلى أنّ "الاحتلال سيأتي على أرض محروقة، قامت السلطة وأجهزتها بحرقها جيداً خلال السنوات السبع الماضية".
لقد حرصت السلطة على تجفيف الموارد المالية لـ"حماس"، ولم تكتف بالأجهزة الأمنية التي كانت تراقب عن كثب كل حركة مصرفية في البنوك أو أيّ حوالات صادرة أو واردة، ومراقبة أعضاء الحركة ومناصريها ومصادرة المبالغ المالية لأفرادها خلال مداهمة بيوتهم، بل إنّ الرئيس محمود عباس سنّ في أكتوبر/تشرين الأول 2007، قانوناً – بسبب تعطل المجلس التشريعي – لمكافحة تبييض الأموال الذي جعل حصول الحركة على أيّ أموالٍ من الخارج، مهمة شبه مستحيلة وجريمة يعاقب عليها القانون.
وشكل هذا القانون منفذاً للأجهزة الأمنية لمصادرة أي مبالغ مالية تخص الحركة لدى مداهمتها للبيوت والمحال التجارية لأنصار"حماس" ومؤيديها.
وغالباً ما يسرد بعض المسؤولين سواء في جلسات رسمية أو نخبوية مئات القصص حول كيف صادرت الأجهزة الأمنية أموال الحركة، سواء عبر مداهمة محال صرافة العملات، أو في بيوت أشخاص متعاطفين مع الحركة ولا ينتمون لها، أو من خلال التجار في معاملاتهم عبر البحار.
وتصل الأمور بأحد نشطاء "حماس" في الضفة، طلب عدم ذكر اسمه، إلى الكشف أنّه سبق واعتُقل لدى الأمن الوقائي، "بسبب أنّ أحدهم عرض عليّ شراء قطعة سلاح، وعندما أمضيت فترة تسعة شهور في سجنهم، وأطلق سراحي، أمضيت نحو ثلاثة أسابيع حراً قبل أن تعتقلني قوات الاحتلال، وتوجه لي التهم ذاتها، وتحكمني بالسجن مجدداً"، وهذه تسمى سياسة "الباب الدوار"، أي من سجن السلطة للاحتلال، والعكس صحيح، على حد ما يرويه لـ"العربي الجديد".
لكن مسؤولاً فلسطينياً يرفض ما سبق، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أنّه "ليس من الصعب على الاحتلال معرفة النشاط العسكري لعناصر حماس، واعتقالهم على خلفيته، وليس للسلطة علاقة بذلك".
ويشير مسؤول لجنة الحريات في الضفة الغربية بحركة "فتح"، خليل عساف، إلى أنّه "مرّ على اللجنة الآلاف من المعتقلين السياسيين من حركة حماس في السنوات الثلاث الماضية وحدها".
الذراع الطلابي والنقابي
ويؤكد ممثلون عن الكتل الطلابية في جامعات النجاح الوطنية في نابلس، وبيرزيت في رام الله، و"أبو ديس" في القدس المحتلة، لـ"العربي الجديد"، أنّ نشاطات الكتلة الإسلامية بقيت طوال السنوات الماضية موضع ملاحقة من قبل الأجهزة الأمنية، وتمت ملاحقة نشطاء الكتلة الإسلامية بالاستدعاءات المتكررة والاعتقالات.
ويلفت أحد أعضاء الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح، منتصر الشنار، إلى أنّه "بعد أحداث الانقسام عام 2007، تمت ملاحقة نشطاء الكتلة الإسلامية وإغلاق مقرّها في الجامعة، وكانت هناك فترات تمر ويعتقل فيها العشرات من نشطاء الكتلة، وبالكاد استطعنا المشاركة في انتخابات 2012 و2013".
ورغم كل المعيقات وعدم مشاركة الكتلة الإسلامية، الذراع الطلابي لحركة حماس، في الانتخابات الجامعية بشكل منتظم في السنوات السبع الماضية، إلا أنها تنافس حركة "فتح" عند أيّ انتخاباتٍ، رغم انقطاعها عن المشهد الانتخابي، إذ عادة ما يكون الفارق بين "حماس" و"فتح" في الانتخابات الطلابية مقاعد قليلة جداً لصالح "فتح" التي لم تستطع أنّ تكتسح الأصوات إلا في ظل غياب "حماس" عن الانتخابات.
أما الذراع النقابي للحركة، فقد تمت ملاحقته أيضاً من قبل الأجهزة الأمن، وهو ما جرى مع "الكتلة الإسلامية" في اتحاد المعلمين، حيث تم تفكيكها عام 2007، فيما بقي ترشيح الحركة لأعضائها في نقابات الصيادلة، الأطباء، المحامين، المهن الطبية وغيرها، لا يأتي بشكل مباشر ورسمي، بل في سيّاق قائمة أو تجمع شخصيات. لكنّ كل ذلك لا يعفي هذه الشخصيات من المضايقات الأمنية، أو الاعتقالات كما هو الأمر مع المعلمين، سواء من قبل السلطة أو الاحتلال، ناهيك عن فصل بعض المعلمين والموظفين من عملهم في السلطة لأنّهم محسوبون على حركة "حماس".
وتقول النائبة عن حركة "حماس" في الخليل، سميرة الحلايقة، إنّه في السنوات السبع الماضية، "تم فصل 800 معلم ومعلمة من عملهم، وقدمنا قائمة بأسمائهم إلى لجنة الحريات، وبعد التوجه لمحكمة العدل العليا الفلسطينية ضد قرار الفصل التعسفي، حكمت المحكمة بعودة نحو 450 منهم للعمل".
وأقرّت السلطة الفلسطينية داخلياً بإجراء "مسح أمني" لكل من يتقدم لوظيفة حكومية، فيحصل المرشح للوظيفة على كتاب موافقة من الأجهزة الأمنية، "الوقائي والمخابرات"، كشرط للتوظيف. ورغم أنّ السلطة أكدّت قبل 3 سنوات أنّها ألغت هذا الإجراء، إلا أنّ العديد من الجهات تجزم بأن الإلغاء شكلي فقط، وإنّه جاء لتجنّب انتقادات المؤسسات الحقوقية فقط.
حماس... بنية غير منظمة عميقة الجذور
ولعل ما سبق يفسّر ما يذهب إليه الكاتب علاء الريماوي الذي يؤكد أنّ تفكيك البنية التنظيمية المنظمة للحركة، لا يعني تفكيك البنية غير المنظمة، وهي الأعمق والتي لم تستطع السلطة والاحتلال السيطرة عليها.
ويقول الريماوي إنّ العمل الفدائي المقاوم تحوّل من ظاهرة التتنظيم بشكل هرمي، إلى مجموعات تعمل كل منها على عاتقها، "حتى إنّ حركة حماس بذاتها تجهل مدى عمق هذه المجموعات".
ويسوق الريماوي المثال التالي عندما صرح جهاز "الشاباك" الإسرائيلي أنّه تم رصد 110 محاولات اختطاف في السنوات الثلاث الماضية، منها 23 محاولة وصلت لمرحلة متقدمة.
ويوضح الريماوي، المختص بالشأن الإسرائيلي، أنّ "الشاباك" يدعي أنّ 80 في المئة من العمليات، خططت لها حركة "حماس"، وإنّ 13 منها تم التخطيط لها داخل المعتقلات الإسرائيلية، فيما وجهت أصابع الاتهام في 65 في المئة من هذه العمليات، لأسرى محررين.
القضية الأخرى التي تعكس عمق البنية غير المنظمة، وهي البنية المجتمعية المساندة والمتعاطفة، والتي من الصعب الإمساك بها أو تحديدها بشكل حسّي واضح، وهذه انعكست بالالتفاف الشعبي حول رموز الحركة في المسيرات التي نظموها لنصرة الأسرى الإداريين المضرببين عن الطعام أخيراً.
وعن هذا الموضوع، يرى الريماوي أنّه "في الشهرين الماضيين، كانت هناك حالة من التفاعل الذهني اللافت مع قضية الأسرى، قادتها رموز حركة حماس". ويتابع أنّه "في حين من الواضح أنّ هناك قراراً من حركة فتح بألا تشارك كتنظيم في القضايا التي تخلق حالة من المواجهة مع الاحتلال، قامت حماس بإعادة الاعتبار لوجودها من خلال تبنيها لهذه القضايا التي تحظى بتعاطف شعبي كبير سيّما قضية الأسرى".
بالنتيجة، يمكن القول إنّ حركة "حماس" هي التنظيم الفلسطيني الوحيد الذي استطاع إخراج الآلاف في مسيرات مساندة للأسرى، وإنّ اقتصر حضور هذه الآلاف على مركز ثقل الحركة في محافظة الخليل، بينما هبطت هذه المسيرات للمئات في محافظات أخرى بالضفة، الأمر الذي لم تستطع جميع فصائل منظمة التحرير فعله مجتمعة، بما فيها الحركة الأكبر، "فتح".
ويخلص أحد قادة "حماس" إلى طرح التساؤل التالي: ماذا تستطيع إسرائيل أنّ تفعل أكثر مما فعلت سابقاً؟ لقد جربنا الطرد إلى مرج الزهور وعدنا، وجربنا الاعتقالات وأفرج عنا، وشيعنا مئات الشهداء من الصف الأوّل من القادة، ولم يفلح كل ما مضى في اجتثاث الحركة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق