الجمعة، 31 يوليو 2009

على مرمى خمسة أيام من مؤتمر فتح السادس .....عريب الرنتاوي

تخلو الأدبيات السياسية الجادة من أي حديث عن «مرحلة ما بعد مؤتمر فتح»، ولا يبدو من تصريحات المسؤولين في المنطقة أو الدبلوماسيين من عواصم القرار الدولي، أن أحداً ينتظر تاريخ الرابع من آب القادم، أو يرجئ أياً من استحقاقات أجندته بانتظار معرفة ما سيتمخض عن مؤتمر الحركة / العمود الفقري، الذي تأخر عن موعده لدهر من الزمن، واستغرق مخاض ولادته سنوات، ولا أحد يعرف قبل أيام من موعد التئام شمله، ما إذا كان المؤتمر سيعقد أم لا؟.

ولقد جاءت قنبلة القدومي على مبعدة ثلاثة أسابيع فقط من المؤتمر السادس لـ «فتح»، لتفاقم خيبة الأمل وتضعف الرهانات على محاولات الحركة إعادة ترميم نفسها، فالمؤتمر الذي بدأ بانشقاق، يصعب أن ينتهي إلى الوحدة، وبدل أن يكون انعقاده إيذاناً بدخول العمل الوطني الفلسطيني مرحلة جديدة من الوحدة والتوحد، فإذا بالفصيل القائد للحركة الوطنية الفلسطينية، ينتهي إلى المزيد من التشققات والاتهامات وحروب الأخوة الأعداء.

الأردن راهن على مؤتمر «فتح» السادس عند بدء التحضير له قبل ثلاث سنوات تقريباً، وفتحت عمَّان أبوابها لاجتماعات اللجنتين المركزية والتحضيرية لـ «فتح» ومؤتمرها، وزار عمَّان قياديون من الحركة لم يسبق لهم أن دخلوها منذ سنوات طوال، وكان الرهان الأردني منعقداً على إمكانية ترميم الحركة وتدعيم السلطة، انطلاقاً من فرضية قالت في حينه أن «فتح» وحدها بمقدورها أن تواجه صعود الحركات الإسلامية المتشددة في فلسطين، وتوفير «البديل الفلسطيني المعتدل» المؤمن بعملية السلام وحل الدولتين، وهو أمر يرى فيه الأردن مصلحة حيوية له لسببين اثنين : الأول، أن الأردن ذاته، يواجه حركة إسلامية قوية شقيقة وداعمة بقوة لـ «حماس» تقوى بصعودها وتضعف بتراجعها إلى حد كبير...والثاني، أنه مؤمن بأن قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، هو تعبير عن المصلحة الوطنية الأردنية العليا في مواجهة مشاريع حل قضية فلسطين على حسابه وبالضد من مصالحه.

والحقيقة أن الرهانات الأردنية على إمكانية استعادة «فتح» دورها القيادي كزعيمة لمعسكر الاعتدال الفلسطيني، لم تكن في محلها، فقد مضت سنوات ثلاث على فوز «حماس» في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وتشكيلها أول حكومة فلسطينية بقيادة غير فتحاوية، من دون أن يفلح العزل والحصار - ولاحقاً الحرب - في إسقاط حكومة «حماس» في القطاع، ومن دون أن يفضي الدعم المقدم لـ «فتح» والسلطة في المقابل، إلى تعزيز نفوذهما في الضفة الغربية، حيث تشير تقارير متطابقة بأن «حماس» وليس «فتح»، هي صاحبة الشعبية الأقوى هناك.

ربما لهذا السبب بالذات، أخذت الدبلوماسية الأردنية في التراجع قليلاً للوراء في علاقاتها مع حركة «فتح»، والتقدم قليلاً للأمام وإن بحذر شديد في علاقاتها مع حركة «حماس»، وعاد الأردن للنأي بنفسه من جديد عن خلافات «فتح» و«حماس»، وعن صراعات «فتح» الداخلية التي لا تنتهي، وفتح قناة اتصال «أمنية» مع حركة «حماس».

وعندما فجّر رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير وأمين سر حركة «فتح» فاروق القدومي قنبلته المدوية، حرص الأردن على الابتعاد عن الجدل الفتحاوي الداخلي، وكل ما كان يهم الحكومة الأردنية هو أن لا ينظر لهذه التصريحات التي صدرت من عمَّان، على أنها تعبير عن تغير في الموقف الأردني أو أنها تمثل دعماً للقدومي في مواجهة عبَّاس، كما أن الحكومة الأردنية أكدت أكثر من مرة على أنها لم تطلب من القدومي مغادرة الأردن، مشددة على أنها طلبت إليه عدم الإدلاء بتصريحات من شأنها إحراج الحكومة الأردنية والمساس بصورة موقفها المؤيد للشعب الفلسطيني ككل، علماً بأن عمَّان لم تحتفظ يوماً بعلاقات طيبة مع فاروق القدومي بل أن الدبلوماسي الفلسطيني المخضرم طالما «اشتبك» سياسياً ودبلوماسياً مع وزراء خارجيته المتعاقبين في اجتماعات وزارية عربية وإقليمية.

اليوم، تنتظر عمَّان التئام مؤتمر «فتح» وما سيخرج به من نتائج، وهي وإن كانت تتمنى أن ينتهي المؤتمر إلى تعزيز وحدة «فتح» واستعادة دورها القائد لمعسكر الاعتدال الفلسطيني، بيد أنها ما عادت تضع الكثير من الآمال والرهانات على إمكانية استعادة «فتح» زمام المبادرة والقيادة، فتجربة السنوات الماضية أظهرت للأردن بما لا يدع مجالاً للشك، بان «فتح» تودع عصرها الذهبي كقائدة للحركة الوطنية الفلسطينية، وتجربة السنوات الثلاث ذاتها، أظهرت إخفاق الأردن و«حماس» في إرساء قواعد لعلاقات قائمة على الثقة والتعاون، والأرجح أن هذه العلاقات ستظل معلقة على شرط إنضاج «القرار الدولي» بشأن «حماس»، وهو أمر لم تتضح صورته النهائية بعد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق