تقول مصادر الأخبار أنّ مجموعة من العوامل الجيوسياسية، في مقدّمتها المخاوف من تطوّر خطير محتمل للأوضاع وللأحداث في إيران، قد تحدّ من انسياب شحنات النفط إلى أسواق العالم عبر مضيق هرمز، علماً أنّ 40 في المائة من ناقلات النفط العالمية تعبر هذا المضيق يومياً! لقد أعلنت مثل هذه التوقعات والمخاوف المتعلّقة بالخطر الإيراني على شحن النفط، والتي أولتها صحيفة "الحياة" اللندنية اهتمامها (28/6/2009)، في وقت يتحدّث فيه الخبراء عن زيادة قادمة في سعر برميل النفط سوف تصل إلى مبلغ يتراوح ما بين 200-250 دولاراً، وأنّ السبب المباشر لهذا الارتفاع هو احتمال تفاقم الأوضاع في إيران، كما يقول الخبير الاقتصادي غيلف روبين في تقريره الذي وزّعته النشرة الاقتصادية "إم إس إن"، حيث إيران، وهي ثاني أكبر دولة منتجة للنفط في منظمة أوبك، والثالثة في العالم بعد روسيا والسعودية، تمتلك موقعاً يجعلها تشكّل تهديدا للملاحة النفطية في مضيق هرمز!
إنّ الحديث الأميركي/الأطلسي عن التهديد الإيراني للملاحة الدولية النفطية ليس بالجديد، فهو يتكرّر منذ انتصار الثورة الإسلامية قبل ثلاثين عاماً، كما أنّ طهران تطلق بالفعل مثل هذه التهديدات من حين لآخر، وهذا حقّها طبعاً في مواجهة التهديدات الأميركية/الإسرائيلية المفتوحة ضدّها، لكنّ المثير إلى أبعد الحدود هو انتهازيّة الاحتكارات الدولية الربوية، بخاصة الاحتكارات النفطية الأميركية، التي لا تتردّد في توظيف مثل هذه المسألة لصالح اتجاه آخر يمكن أن يفتح لها أبواباً جديدة خرافية لجني الأموال، بالاستيلاء أكثر وأكثر على عائدات نفط الخليج التي سوف ترتفع ارتفاعاً هائلاً بعد أن يبلغ سعر البرميل الواحد 200 – 250 دولاراً، وذلك بإقناع الحكّام الخليجيين حول ضرورة شقّ قناة بديلة لمضيق هرمز، محاذية تماماً للسواحل الغربية العربية، تكون في منأى عن الخطر الإيراني!
غير أنّ الذي سوف يبادر ويقترح رسميّاً وعلنياً شٌقّ قناة جديدة بديلة لهرمز لن يكون ديك تشيني وشركة هاليبرتون وأمثالهما من أصحاب المال الحرام والأعمال الشائنة، بل حكّام الخليج أنفسهم، الذين سيدفعون معظم التكاليف الخرافية للمشروع إن لم يكن كلّها، أمّا الشركات الاحتكارية فسوف تتنازل مشكورة وتأخذ على عاتقها تنفيذ المشروع المذهل، الذي لا لزوم له في الواقع، اللهم إلاّ إذا كان الانتقال للسكن في المرّيخ هو الحلّ للخلاص من شرور الأرض! وهكذا، في العام 2007، عقدت في دبيّ ندوة نظّمتها صحيفة "الاقتصادية" شارك فيها عدد من المسؤولين الحكوميين والخبراء السياسيين والاقتصاديين الخليجيين العرب، تحت عنوان: "الأمن الاقتصادي في الخليج"، وقد حذّر أحد الحضور قائلاً: "سوف تتوقّف حركة التجارة وتتعطّل موانئ الخليج في حال أقدمت إيران على إغلاق مضيق هرمز، ولذلك أدعو إلى إحياء مشروع حاكم دبي الأسبق الشيخ راشد بن سعيد، القاضي بشقّ قناة بديلة تمتدّ من إمارة رأس الخيمة في الشمال إلى بحر العرب في سلطنة عمان، لتفادي تعرّض ناقلات النفط للضربات الإيرانية"! (هذا الكلام قاله الفريق ضاحي خلفان تميم القائد العام لشرطة دبي – الصحف – تشرين الأوّل/أكتوبر/2007). كانت التهديدات العسكرية الأميركية /الإسرائيلية ضدّ إيران قد بلغت ذروتها في ذلك العام 2007، بحيث بدا للكثيرين أنّ الحرب قد تنشب في أيّة لحظة، وكانت دول مجلس التعاون الخليجي، وبخاصة دولة الإمارات المتحدة، تعارض بشدّة شنّ الحرب ضدّ إيران، بل تعارض فرض العقوبات الاقتصادية ضدّها بقرار من مجلس الأمن، وهو ما كانت واشنطن تعدّ له حينئذ، ولكن، على الرغم من تذكّر المشاركين في ندوة دبيّ أنّ الزوارق الحربية الإيرانية هاجمت ناقلات النفط العابرة لمضيق هرمز في منتصف الثمانينيات أثناء الحرب العراقية/الإيرانية، وعلى الرغم من أنّ دول مجلس التعاون وضعت ثقلها بكامله إلى جانب العراق ضدّ إيران، ثمّ وضعته لاحقاً بكامله أيضاً إلى جانب الولايات المتحدة ضدّ العراق، فإنّ دوافع المتحدّثين في الندوة عن قناة بديلة لم تكن عدائية ضدّ إيران: "الجارة المسلمة التي ليس بينها وبين دول مجلس التعاون كراهية، والتي ينبغي على دول التعاون قبولها في عضوية المجلس" كما شرح واقترح مسؤول الأمن الإماراتي! فكيف نفسّر هذا التناقض في المواقف من حرب لأخرى؟
لقد كان الهاجس الأوّل للمشاركين في تلك الندوة الخليجية العربية هو كيفية تأمين وصول النفط الخليجي إلى الأسواق الدولية في حال اندلاع الحرب، فهذه "مهمّة إنسانية جليلة" لا تتقدّم عليها أية مهمّة أخرى، حيث أمن ورفاه العالم الأول، عالم المليار الذهبي، أمانة في أعناقنا نحن عرب النفط! كذلك هناك قضية استمرار انسياب التحويلات النقدية الإيرانية إلى الإمارات، وتفادي الانعكاسات السلبية المدمّرة للعقوبات الاقتصادية ضدّ إيران على الطفرة الاقتصادية التي شهدتها دول الخليج حتى ذلك العام 2007، فإيران تعتبر الشريك التجاري الأوّل لعدد من دول مجلس التعاون وأوّلها الإمارات، كما أوضح المسؤولون والخبراء الخليجيون العرب في تلك الندوة، والعلاقات الاقتصادية بين الطرفين الجارين متشابكة جدّاً! غير أنّ العلاقات الخليجية مع واشنطن وحليفاتها أعظم حميميّة وتشابكاً بما لا يقاس ممّا هي عليه مع إيران بل حتى مع الدول العربية، بحيث إذا أرادت احتكارات واشنطن لعب لعبة القناة البديلة كمشروع خرافيّ العائدات، ووفّرت للعبتها المبرّرات الحربية الميدانية سواء أكانت ضرورية أم غير ضرورية، جدّية أم نصف جدّية أم غير جدّية، فإنّ بعض الحكّام الخليجيين لن يتردّد في رصد معظم عائداته وعلى مدى عشرات السنين القادمة لصالح هذه اللعبة، أمّا فلسطين التي يمكن أن تساهم في استردادها مبالغ أقلّ بكثير، والأمة العربية التي يمكن أن تساهم في إنهاضها مبالغ أقلّ بكثير، فقد ينضب النفط العربي دون أن تستفيدا من عائداته، ويبقى لهما الله الذي لا يحمد على مكروه سواه، والذي هو حسبهما ونعم الوكيل! ns_shamali@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق