رؤيا جلبوع وقدورة ان يجتذبا الى المنطقة متنزهين من العالم كله يشترون رزما سياحية مشتركة ويقضون بضعة ايام عن جانبي جدار الفصل الذي يشق مرج ابن عامر. سيضطر الاسرائيليون، في المستقبل القريب على الاقل، الى الاكتفاء بالجانب الاسرائيلي من الخط الاخضر. بافتتاح المشروع الذي تم أمس اختيرت جماعة سياح من منطقة فرانكفورت في المانيا، انهوا رحلة "ملكة الجلبوع" وهي مستعدة الان لسياحة خارجية من نوع آخر.
لا يستطيع الصحفيون الاسرائيليون الذين يصعدون الحافلة الفلسطينية التي تأتي لنقل المشاركين في الجولة من حاجز الجلمة فيصعدون معهم الا يطلقوا عدة نكت ذات صبغة قاتمة عن غاية الرحلة. تنقبض وجوه أناس المجلس الاقليمي الجلبوع وكأنهم لا يفهمون. يفضلون الحديث عن الفلافل في سوق جنين "انه الالذ في العالم"، يعدون، ويعطون المتشككين منا تعزيزا للزعم المتبجح: "الان فقط افتتحوا فرعا في رام الله ايضا".
قبل أن ننطلق لننتقل الى الجانب الثاني من الخط الاخضر يصعد عتار الى الحافلة. "السلام الاقتصادي الذي يتحدثون عنه كثيرا يجب ان يبدأ من مشروعات كهذه"، يقول "تم فعل كل شيء لدفع هذه المشروعات قدما لان هذا هو تصورنا. توجد ها هنا فرصة عظيمة وأؤمل ان أراكم راضين في المساء". قال ولم يفصل أيؤمل ان يرانا عائدين أم يؤمل ان نكون راضين.
في الطريق الى نقطة بدء الجولة، الى مكاتب حاكم جنين، تمتد أمامنا الحقول الزراعية للمنطقة التي تشتمل على عشرات الدفيئات. يبين عبدالله بركات، المدير العام للمنطقة الفلسطينية والمرشد السياحي مدة الجولة، بلغة انجليزية ضعيفة ان المنطقة هي "سلة ثمار" الضفة الغربية. بعد بضع دقائق ينضم الينا صحبة شرطية كبيرة لا تتركنا لحظة حتى نهاية الجولة. يصحبنا افراد الشرطة الفلسطينيون في سيارة فوكس فاكن غولف، وهو شيء يجعلنا نتذكر بسخرية سيارات سكودا عند شرطة اسرائيل. سفوا التراب.
في المكان الذي سار فيه المسيح
بعد سفر غير طويل وصلنا مكاتب الحاكم. وقف الحركة رجال شرطة فلسطينيون يرتدون دروعا واقية ويحملون بنادق كلاشنيكوف مع أمشاط عند المدخل. يعملون هنا ساعات اضافية لمنح الضيوف احساسا بالأمن. يبدو ان هذا هو السبب الذي جعل شرطيين بملابس زرقاء ينضمون الينا يذكرون بشرطة اسرائيل، مع تعريف مكتوب بالعربية وبالانجليزية "شرطة السياحة".
تستقبلنا في غرفة الحاكم صور ياسر عرفات التي تملأ كل فراغ في الحائط. علقت بينها بخجل ايضا صورة لابي مازن. يبدأ حاكم جنين قدورة خطبة عن الاقتصاد، والامن، والتربية والصحة في جنين ويطيل بحكايات عن زيارة قام بها الى المانيا قبل عدة سنين. بعد دقائق طويلة جدا – يبدو ان سنوات الاحتلال تركت مع كل ذلك ميراثا عند الساسة الفلسطينيين – ينهي قدورة وتعطى اشارة بدء الجولة التاريخية اخر الامر.
اول محطة في الجولة هي الكنيسة في قرية بورقين بجوار جنين. نمر في الطريق بمقاطعة المدينة التي دمرها الجيش الاسرائيلي في عملية السور الواقي وتبنى الان من جديد. تمر الحافلة بظاهر مخيم اللاجئين في جنين، "مخيم اللاجئين الوحيد في جنين"، يجهل بركات في التأكيد. الجدران مزينة ها هنا بصورة كثيرة لشبان مسلحين بما يبدو اسلحة معيارية للجيش الاسرائيلي.
من الواضح للاسرائيليين في الحافلة ان الحديث عن شهداء او عن اولئك الذين يحلمون بأن يصبحوا كذلك في يوم ما. يصعب على السائحات الالمانيات، في مقابلة ذلك ان يفهمن الدراما المصغرة التي تحدثها الصور عند الجانب الاسرائيلي من الحافلة. عندما نبين لهن، يحاول مرشد الجماعة الالمانية ان يضائل الحرج ويتنبأ بأن تحل في القريب دعايات كوكا كولا محل صور المسلحين. فبعد كل شيء الرأسمالية تنتصر دائما.
ونقطة اخرى تمر الجولة قربها هي مسرح جوليانو مار. "انه ممثل اسرائيلي أقام المكان ويساعد الناس في أن ينسوا ما حدث هنا"، يقول بركات. "انه يعاني من الجنود الاسرائيليين الذين لا يريدون ان يعمل ها هنا". الاحياء الغربية من المدينة متطورة بالقياس بمعسكر اللاجئين. فالبناء اقل اكتظاظا والطريق يتلوى في واد تنمو في منحدراته أزهار بيضاء. البيوت مبنية من صخر مقدسي، اي تلك البيوت التي تم الانتهاء منها. ما يزال جزء كبير منها يعرض نحو الخارج اسمنتا مكشوفا.
كانت قرية بورقين في الماضي ما اعتيد ان يسمى "قرية معادية"، لكنها اليوم توحي بالمنظر الطبيعي في الاساس. أزقتها ضيقة تتسع لمركب خاص. يستقبلنا نايف ابو رياض في كنيسة القرية ويتحدث بفخر عن انها الرابعة التي بنيت في العالم. يؤمل الفلسطينيون في جنين ان تصبح محطة لازمة للحجاج المسيحيين الذين يأتون الارض المقدسة. ذكر المكان، كما يقول ابو رياض في العهد الجديد. مر المسيح من هنا في طريقه من الناصرة الى القدس وشفى برص القرية الذين ادخلوا بئر ماء وجدت في المكان الذي اقيمت فيه الكنيسة بعد ذلك. بل انه توجد ساحة جميلة وحانوت اشياء تذكارية بأسلوب شرقي القدس مع عدم وجود قمصان تحمل شعار الجيش الاسرائيلي.
الشوارع في بورقين هادئة واكثرها خال. يقف الباعة في الحوانيت القليلة عند المدخل وينتظرون مشترين لا يأتون. تنظر من نوافذ البيوت رؤوس تحاول ان تفهم من هم الغرباء الذين يخلون بالسكينة. عند مدخل احدى الحوانيت يجلس عادل صباح، ينظر في نقطة عارضة في الزقاق، وفي خلفية المشهد انغام أغان شرقية بالعبرية. ليس واضحا ما الذي يبيعه، فالحانون مليئة بخليط من المنتوجات الكهربائية، وعشرات أقراص افلام اسرائيلية غير معروفة وساعة واحدة كبيرة معلقة فوق رأسه. "توجد عليها صورة لصدام حسين"، يقول مفتخرا "انا وضعت الصورة على الساعة".
ينهض صباح ويدخل الحانوت، ويخرج منها وفي يده صور مطوية تحمل صورة الطاغية الميت. "عندي كثير من صوره، أحببته، انه شخص جيد يجب احترامه"، يبين حبه لصدام حسين الذي لم يضعف مع السنين. "اذا أتاني اشخاص وطلبوا مني صوره فانني اعطيهم، يمكن وضع ذلك على الساعات وعلى الحيطان، انني اشتاق اليه".
عند مدخل الحانون المجاورة يقف المالك ويختار دجاجتين من القفص. يتقدم بهما الى مكان ويذبحهما ويشويهما على الجمر. كل ذلك في مكان واحد – القفص، والذبح والشواء والبيع. يقول "الحمد لله، انا راض ما وجد عمل، يأتي الناس ويشترون كل شيء، لدينا حياة هادئة حسنة".
قد تكون المحطة الاتية في الجولة متنزها جديا ذات يوم. الحديث عن حوض قديم استعمل لنقل الماء الى المدينة قبل 2500 سنة. اكثره اليوم مسدود لكن ذلك لا يضر بحماسة المرشدين الفلسطينيين. من هناك نمضي الى معصرة عصرية يعتاش منها 700 عائلة زراعية. تبدي السائحات الالمانيات اهتماما خاصا بحانون منتوجات المكان التي تعرض زيت زيتون، وصابونا وزعترا، وبندورة مجففة وغير ذلك. الاسعار الباهظة لا تصدهن ولا بيان الاسرائيليين انه يمكن حتى في تل ابيب شراء زيت زيتون ارخص اذا عرف اين يبحث. لكن هذا هو الجميل في الشرق الاوسط: فقبل ان يوجد السياح توجد اشراك السياح.
موسيقى عربية للتسخين
نعود الى الحافلة. يشغل السائق موسيقى عربية كي ندخل في الجو. المحطة المقبلة فندق حداد. وهذه ضيعة ضخمة بناها رجل الاعمال ابراهيم حداد على قمة جبل بجوار مستوطنة كديم التي اخليت بالانفصال. نمر في الطريق الى الفندق بغابات صنوبر غرسها كما يبين فلسطينيون الكيرن كيميت الاسرائيلية. يقوم على قمة جبل حداد – عدا دارته الضخمة وبيوت ابنائه الثلاثة – فندق مذهل يفترض ان يفتتح في السبت القادم. انه نظيف ومجهز (بل توجد مكيفات هواء، ومعدات نادرة جدا في السلطة الفلسطينية)، وان أعوز شيء من الانتباه الى التفصيلات الصغيرة. للتمثيل على ذلك يكفي ان نذكر انبوب البلاستيك الاسود الذي يظهر من النافورة في مركز اللوبي. يشتمل الفندق ايضا على بركة ومتنزه تسلية مع معدات يشتهي المرء معها ان يدور معها.
جمع حداد ثروته من اعمال التعدين. وهو يفخر فخرا خاصا بمنصة مساحتها دونمان ونصف بناها من اجل جبري ليفي في العاب هبوعيل في سنة 96. "يوجد لونا بارك ايضا في طولكرم ورام الله" يقول، "لكن لا يوجد شيء كهذا. انفقت الكثير ها هنا، منذ سبع سنين وانا ابني المكان، وانا اضيف رويدا رويدا اشياء اخرى".
حداد لا يبني حقا المشروع المشترك لقدورة وجلبوع. "انا أؤمن بالسياحة الداخلية"، يقول. "ذات مرة كان الناس يخرجون من الضفة الى اسرائيل، لانه لم يوجد في الضفة شيء ووجد في اسرائيل كل شيء، لكنه من الواضح لي الان ان الوضع لن يعود الى ما كان عليه في الثمانينيات. لن يفتحوا المعابر الى اسرائيل كما كانت ويصعب الخروج الى الخارج، فليأتوا اذن الى جنين. اريد ان يعلموا ان الامر ليس فوضى ومخيم لاجئين فقط. ففي العيد الاخير أتى أناس الى هنا من الضفة كلها. كانت المنطقة كلها مزدحمة".
س. هل الاسرائيليون مدعوون؟
ج. "اهلا وسهلا من جهتي، لكن كل اسرائيلي يدخل منطقة جنين يحتاج الى اذن خاص".
يتم الحديث مع حداد حول مائدة مليئة بكل لذيذ مع باذنجان ممتاز وكنافة تبلغ حد الكمال. "كنت ذا علاقة جيدة بالناس من المستوطنات في المنطقة"، يقول "لكنه ساعدني جدا أن اجلوهم لان من لم يعرفني شخصيا لم يجرأ على الاتيان الى هنا. جنين الان هي اكثر الامكنة حرية في الضفة. لا يوجد مستوطنون، وفي مثلث جنين، طولكرم، نابلس لا يوجد حاجز واحد".
عند النزول، في طريق العودة من فندق حداد، ينكشف منظر رائع يمتد من جنين المنبسطة في أسفل حتى مرج بن عامر في اقصى الافق. يحاول بركات ان يصرف انتباه المسافرين ايضا الى حاجز الجلمة والى جدار الفصل الذي اقتطع كما زعم اراضي قريته في الجانب الفلسطيني من جبال الجلبوع.
المحطة الاتية والاخيرة في رحلتنا السياحية الخاطفة هي سوق جنين. فهنا بخلاف المعصرة المخصصة كل بضاعتها للسياح، الاسعار مضحكة والبضاعة فاخرة. لكن الالمانيات خاصة لا يؤثر فيهن ذلك ويبقين المحافظ في جيوبهن.
برغم ذلك، الجماعة تشكل جهة جذب منعشة في روتين اليوم الشاحب شيئا ما للباعة في هذا المكان. "ليست الحياة ها هنا سهلة"، يقول البائع الجوال علي الذي يقف قرب عربة الجوافة، "ليت السياح يأتون، حتى الاسرائيليين، سيكون عندنا مصدر رزق آخر". لكن مارتينا بيبر احدى السائحات الالمانيات في الجولة متشككة شيئا ما. لقد استمتعت حقا شخصيا، لكنها ليست على ثقة من ان جنين تستطيع ان تصبح هدفا مثيرا للسياح من اوروبا. "كل شيء ها هنا جديد بالنسبة الي وكثيف جدا"، تقول. "هذا لطيف لجولة، لكنني لست على ثقة من انه يوجد ما يفعل ها هنا اكثر من يوم واحد. قد يكون هذا مجالا يتطور اكثر بعد ذلك".
"هذا في الاساس جديد جدا بالنسبة الي"، تنضم الى الحديث هايكه تسيمرمان، "يصعب علي ان اقول هل استطيع ان اوصي السياح بجنين ليأتوا الى هنا على نحو خاص، لكنني على اية حال استمتعت كثيرا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق