تشهد الساحة السياسية الخارجية التركية عملية تحول كبيرة وإذا كان المشهد الشرق متوسطي لسياسة تركيا الخارجية تبدو صورته أكثر وضوحاً من خلال تطورات دبلوماسية خط أنقرة – دمشق فإن ثمة صورة أخرى ممكنة لهذا المشهد تتمثل في تطورات دبلوماسية أطراف مثلث أنقرة – باكو الأذربيجانية – يوريغان الأرمنية، وعلى الجانب الآخر من هذا المشهد تبدو صور عن أطراف مثلث أنقرة – تل أبيب – واشنطن، فإلى أين ستؤدي هذه التطورات، وهل حقاً بدأت أنقرة إعادة إدماج نفسها ضمن بيئتها الشرق أوسطية؟
* المعلومات الدبلوماسية الاستخبارية: ماذا تقول؟
التقى الرئيس الأرمني سركيسيان مع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف يوم أمس الثلاثاء 13 تشرين الأول في العاصمة الروسية موسكو، وأعلن سركيسيان تقديره لجهود روسيا في دعم دبلوماسية أرمينيا في القوقاز. وما كان لافتاً للنظر أن قمة ميدفيديف – سركيسيان جاءت بعد لقاء وزير الخارجية الأرمني إدوارد نعلبنديان بنظيره التركي احمد دافو توغلو في زيورخ في سويسرا في 10 تشرين الأول وهو اللقاء الذي وقع فيه الطرفان بروتوكول تطبيع علاقاتهما وبروتوكول فتح الحدود التركية – الأرمنية.
تقول المعلومات أن البروتوكولين أصبحا في طريقهما إلى البرلمانين التركي والأرمني للحصول على الموافقة التشريعية في البلدين وبعد ذلك تقوم الحكومتان الأرمنية والتركية بوضع بنود هذه البروتوكولات موضع التنفيذ.
أما على الجانب الآخر فقد حدثت تطورات شديدة الأهمية تمثلت في الآتي:
• تكوين لجنة عليا سورية – تركية مما جعل علاقات التعاون بين البلدين تتخطى مرحلة الترتيبات وتدخل مرحلة التنفيذ.
• تكوين لجنة عليا عراقية – تركية، ولكن تأثير العامل الأمريكي والخلافات العراقية – العراقية لم يُتح لهذه اللجنة التقدم من مرحلة الترتيبات إلى مرحلة التنفيذ لعلاقات التعاون بين العراق وتركيا.
إضافة لذلك، فإن المتابع لمجرى تطور العلاقات التركية – الإيرانية يلاحظ أن النوايا التركية لتعزيز الروابط مع إيران قد تخطت العقبات والعوائق الدولية فتركيا برغم استهداف واشنطن المحتمل لإيران بواسطة العقوبات الدولية قررت أن ترفع معدلات التبادل التجاري مع إيران من 5.5 مليار دولار إلى 20 مليار دولار، وتشير التفسيرات الاستخبارية إلى أن هذا الموقف ينطوي على الآتي:
• النوايا التركية: عدم المشاركة في فرض العقوبات الأمريكية ضد إيران.
• الهدف التركي: توسيع الغطاء القانوني التركي بما يتيح لتركيا تغطية احتياجات إيران في حال فرض العقوبات عليها.
السيناريو ذاته ينطبق على الموقف التركي من سوريا وعلى خلفية فتح الحدود بين البلدين وتكوين وتفعيل الأداء السلوكي لجدول أعمال اللجنة العليا السورية – التركية فإن الموقف التركي ينطوي على الآتي:
• النوايا التركية: عدم الالتزام بالتوجهات الأمريكية – الإسرائيلية إزاء سوريا.
• الهدف: تعزيز القدرات الاستراتيجية التركية من خلال الاستفادة من مزايا سوريا باعتبارها بوابة العالم العربي الشرق أوسطي الرئيسية.
أشار تحليل استخباري أمريكي صادر اليوم وضمن تخمين سياسي شامل إلى أن التطورات الإقليمية الجارية في القوقاز وشرق المتوسط بفعل تأثير عامل التعاون التركي – السوري والأرمني – التركي سبب فساد الحسابات الاستراتيجية الأمريكية – الإسرائيلية الخاصة بالمنطقتين للفترة القادمة، وبالتالي إذا لم تسع واشنطن لإعادة الوضع على ما كان عليه فإنه يتوجب عليها تغيير حساباتها بما يتماشى وينسجم مع واقع التحولات والحراك السوري – التركي والتركي – الأرمني والذي إذا تجاهلته واشنطن فإنه سيؤدي بلا شك ليس إلى إنشاء منظومة إقليمية تتضمن طهران وبغداد وحسب، وإنما كذلك تراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأدنى.
* المفاجأة الجديدة في الجانب القوقازي:
ظل محور تل أبيب – واشنطن يراهن على التحالف الأمريكي – الأذربيجاني كموازن للتحالف الروسي – الأرمني وبعد صعود حزب العدالة والتنمية لجأ محور واشنطن – تل أبيب إلى دعم الموقف الأرمني الخاص بالمذبحة الأرمنية على النحو الذي أتاح لأرمينيا أن تحصل على الدعم والمساندة الروسية والدعم والمساندة الأمريكية، ولكن بدخول تركيا على الخط وحل الأزمة التركية – الأرمنية فقد كان متوقعاً أن تشدد أذربيجان موقفها ضد أنقرة وبسبب نجاح أنقرة في تضمين شرط انسحاب القوات الأرمنية من الأراضي الأذربيجانية فقد سعت أذربيجان إلى مساندة تفعيل روابطها مع أنقرة والتخلي عن تهديداتها السابقة بمنع تدفقات نفط وغاز بحر قزوين إلى تركيا. وقوف أذربيجان إلى جانب التعاون التركي – الأرمني هو خطوة هامة يمكن أن تؤدي لاحقاً إلى:
• ابتعاد أذربيجان عن إسرائيل لأن موقفها الحالي لا ينسجم مع موقف محور تل أبيب – واشنطن الذي كان يستخدم أذربيجان كوسيلة ضغط على تركيا.
• تقارب أذربيجان مع دول الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص سوريا والعراق إضافة إلى ابتعاد أذربيجان عن القيام بدور في مخطط الاستهداف الأمريكي لإيران.
تشير التوقعات إلى أن هامش المناورة الدبلوماسية الأمريكية – الإسرائيلية في القوقاز بدأ يضعف أكثر فأكثر وبرغم ذلك فإن واشنطن تحاول القيام بالآتي:
• دفع البرلمان التركي إما إلى رفض البروتوكول الأرمني – التركي أو تأجيله.
• دفع البرلمان الأرمني إما إلى رفض البروتوكول الأرمني – التركي أو تأجيله.
وتحقيق هذين المطلبين سوف لن يكون سهلاً أو بالأحرى أصبح أقرب إلى المستحيل وما هو مقلق أكثر للإسرائيليين والأمريكيين هو أن الرئيس الروسي –برغم مقابلة وزيرة الخارجية الأمريكية له في توقيت لا يكون فيه رئيس وزرائه بوتين موجوداً في موسكو- سيقوم في القريب بعقد لقاءات مع رؤساء أذربيجان وأرمينيا وتركيا مع احتمالات عقد لقاءات إضافية مع بعض الأطراف الشرق أوسطية الأخرى.
يرى الخبير الأمريكي فريدمان أن تفعيل التعاون السوري – التركي والأرمني – التركي – الأذربيجاني هو الخطوة الأولى التي تفيد لجهة بداية تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة وهو تراجع سوف لن يؤدي إلى تقدم النفوذ الروسي لملء هذا الفراغ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق