الاثنين، 3 يونيو 2013

شرق الأردن: كيان وظيفي

زياد منى


لعل إحدى أكبر الأغلاط المرافقة للحديث عن الأوضاع في بلادنا، بلادنا العرب، الكلام على «النظام العربي». فهذا النظام القائم، أي كل مجموعة الدول العربية على نحو عام، ودول بلاد الشام تحديداً، لم يصنعه العرب ولا هم صاغوه ولا كان لهم كلمة في ذلك. النظام القائم هو نظام سايكس ــ بيكو الذي أقامه الغرب الاستعماري بقيادة كل من بريطانية والولايات المتحدة وفرنسا في أعقاب الحرب الأولى.
ومن الأمور المعروفة لكل من درس تاريخ بلاد الشام الحديث، بعيداً من التزويرات السائدة، أن كيان العدو الصهيوني يمثّل الحجر الأساس في هذا النظام. ومن هذا المنطلق يمكن تسميته «النظام الشرق الأوسطي»؛ لأن هذا التعريف استعماري، وهو يناسب التقسيم الحالي.
ولأن كيان العدو الصهيوني العنصري يشكل الحجر الأساس في «النظام الشرق أوسطي» الذي لا يزال قائماً، فقد عمل الاستعمار البريطاني على تأمين حمايته ما استطاع، ليس فقط عبر التواطؤ معه في اغتصاب فلسطين وطرد شعبها منها، بل أيضاً عبر إقامة منطقة عازلة حوله. وقد كان ذلك السبب الرئيسي في اختلاق ما يسمى شرق الأردن. فهذا الكيان، أقيم، وفق الوثائق البريطانية، من أجل القضاء على الحركة الوطنية المعادية للصهيونية في فلسطين، ولمنع الأعمال العسكرية المعادية للاحتلال الفرنسي في سوريا. ومن المعروف أن ونستن تشرتشل قال وقتها: إنه أفضل وأرخص حل يمكن الوصول إليه.
وقد أثبت التاريخ صحة الأمر، حيث قام النظام الشرق أردني، نظام عمّان، بواجبه في المحافظة على أمن كيان العدو، ما تمكن، كما عمل لفترة طويلة على محاولة طمس اسم فلسطين، وكلنا يعرف مقولة «ممنوع التفريق بين أبناء الأسرة الأردنية الواحدة، الكل أردني!».
ليس هدفنا هنا العودة إلى التاريخ، بل فهم الدور المناط بهذا النظام، حيث تعلو بعض الأصوات المدعية توافر إمكانية ممارسته دوراً إيجابياً في محاربة قوى التطرف الذي تشهده المنطقة العربية، والإسهام في تهدئة الأمور فيها.
بل إن البعض ذهب في ادعاءاته أبعد من ذلك، وطرح إمكانية قيامه بإلغاء اتفاقية وادي عربة [كذا!]!.
في ظننا أن طرح الأمور على هذا النحو ضارّ؛ لأنه يروج لاحتمال غير وارد، هو تبنّيه سياسة مغايرة لتلك التي أسس أجلها، وحوفظ عليه. ففي اللحظة التي يفكر فيها نظام عمّان، بتبني سياسة غير تلك التي تصبّ في مصلحة الغرب الاستعماري، وبالتالي، كيان العدو، يفقد مسوغات وجوده، والتناقضات الداخلية فيه كفيلة بتفجيره من الداخل من دون الحاجة إلى أي تدخل خارجي، كما حدث عام 1970 عندما هدد العدو الصهيوني بأنه سيتدخل لحمايته من المقاومة الفلسطينية آنذاك. ما نقصده، من واجبنا تعميم وضوح الرؤية تجاه هذا النظام وسياساته، المتصهينة بامتياز، والتعبئة على أساسها، وليس الترويج لتحليلات يعرف مطلقوها أنها غير صحيحة ومنافية للواقع والحقائق المثبتة منذ نشوئه.
فالحقيقة هي أن نظام عمّان، عمل منذ تأسيسه في وزارة المستعمرات البريطانية، على تأدية دور حامي مصالح الاستعمار الغربي والصهيونية، ولم يمارس أي سياسة تخدم، ولو لطرفة عين، مصالح شعوب أمتنا العربية. وعلى هذا الأساس وجب على قوى التحرر العربية رسم سياساتها، إن وجدت أصلاً! فتمكن «النظام الشرق أوسطي»، وفي القلب منه نظام عمان، إلى جانب كيان العدو الصهيوني العنصري، ورغم انتفاء وجود أي مرجعية تاريخية له، من الحفاظ على نفسه لفترة تقارب القرن، بل وحتى التوسع، أمر وجب بحثه والتأمل فيه بعمق وبكل صدق نفس، بدلاً من الاكتفاء بإلقاء المسؤولية على الاستعمار ومؤامراته التي لا ننفي أبداً وجودها، وتجاهل حقيقة أن قدراته أكبر بكثير من قدراتنا، وأن رؤيته ثبت أنها أقدر على التنفيذ من رؤيتنا.
من منطلق معرفتنا للدور التآمري لنظام عمان، الذي لم يتوقف لحظة واحدة، على شعوب أمتنا وأمانيها في التحرر والتقدم، والهدف الذي أقيم من أجله، علينا تجنب التذاكي وتصور إمكانية كسبه في المعارك المندلعة حالياً في بلادنا، لمصلحة برنامج وطني علماني تحرري معادٍ للاستعمار. ومن يظن توافر إمكانية كهذه فإنما يخدع نفسه إن كان حقاً مقتنعاً به، ويثبت أنه غير قادر على قراءة التاريخ على نحو صحيح، وأنه ينتمي إلى القوى إياها، أي «غير القابلة للتعلم»، وما أكثرها في المعسكر القومي!
ثمة أمور كثيرة ذات علاقة بموضوع الطبيعية الوظيفية لنظام عمان وجبت مناقشتها بروح المسؤولية الوطنية القصوى، بل وحتى التصدي لها، ومنها الهذيان عن الوطن البديل ودور الفلسطينيين وممارسة كل حقوقهم القانونية الطبيعية فيه، بصفتهم مواطنين، وما إلى ذلك من مواضيع تُطرَح في بازار المزايدات السياسية. يضاف إلى ذلك الحملة الظالمة على الشعب الفلسطيني وتحميله مسؤولية الكوارث في بلادنا، والعودة إلى استئجار التهم الجاهزة من صناديق التضليل الصهيونية، الناطقة منها بالعبرية أو بالعربية أو بغيرهما، وفي مقدمة ذلك تهمة أنه باع وطنه. ففضلاً عن أنها باطلة من الأساس، فإنها لا تخدم تطلعات شعوب أمتنا، أياً كانت ومهما تواضعت، ولا يمكن أن تؤدي إلا إلى تمكن الاستعمار والصهيونية من فرض سيطرتهما المطلقة على بلادنا. عندها فإنهما لن يقسما العرب إلى خراف وماعز، بل سيعملون على تطبيق ادعاءاتهم التوراتية وهذيانهم العنصري بأن العرب دخلاء على المنطقة ووجبت إعادتهم إلى صحراء الربع الخالي التي أتوا منها. لكننا كلنا تعرف أن العرب موجودون، في تاريخ بلادنا، منذ القرن العاشر قبل الميلاد، أي عشرات القرون قبل أن يسمع العالم بلندن وباريس وواشنطن، ودوله وقواه العنصرية الظالمة.
* كاتب فلسطيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق