ليست أهمية معركة القصير محصورة بالموقع «الاستراتيجي» للمدينة، كباب تهريب السلاح والمقاتلين من لبنان إلى حمص وحماه وريف دمشق الشمالي، وكتقاطع طرق بين دمشق وحمص والساحل السوري... رفع شأن هذه المعركة من جانب القوى الغربية الداعمة للمعارضة السورية، مرتبط بأمرين أساسيين: الأول، بدء الجولة الجديدة من المفاوضات الدولية حول سوريا تحت عنوان جنيف 2، في ظل تأكيد معظم المعنيين بهذه الجولة أنّ ما سيرسم شكل أي تسوية مستقبلة للأزمة السورية هو الميدان. أما الثاني، فالتقدم الذي يحققه الجيش السوري على عدد كبير من محاور القتال، في المناطق الوسطى والشمالية. ومعركة القصير في هذا السياق، ستمثل نقطة تحول رئيسية في هذا التقدم، لأن الفوز بها سيعطي دفعاً معنوياً كبيراً، ولا لبس فيه، للجيش السوري، فضلاً عن قطع إمدادات المسلحين عن مناطق قريبة، وتمكينه من نقل قوات من النخبة للقتال في مناطق أخرى.
ماذا بعد القصير؟
أمام الجيش السوري في المرحلة المقبلة عدد من المعارك الرئيسية. فبعد استكمال السيطرة على منطقة القصير في الفترة المقبلة (وخاصة في قريتي الضبعة والبويضة الشرقية شمالي المدينة)، ثمة أربع معارك رئيسية ستحسم إلى حد بعيد ملامح الصراع أو الحل: معركة ريف الشام في الغوطتين الشرقية والغربية، ومعركة ريف الشام الغربي وجبال القلمون (من الزبداني وصولاً إلى قارة والمنطقة الواقعة جنوبي القصير قبالة عرسال اللبنانية، مروراً بجزء من وادي بردى ويبرود)، ومعركة الأحياء المحاصرة في حمص والريف الشمالي للمدينة (مدينة الرستن خصوصاً)، والمعركة الكبرى في حلب وريفها.
وبحسب مصادر سورية رسمية، فإن المسلحين يتراجعون في الغوطة الشرقية يوماً بعد آخر، منذ بدء المعركة المفتوحة معهم انطلاقاً من بلدة العتيبة في أقصى الريف الشرقي في نيسان الماضي. ومن الممكن نقل تعزيزات للجيش إلى هذه المنطقة، لزيادة الضغط على المقاتلين المعارضين. وتوحي أجواء النقاشات الرسمية السورية بأنّ معركة قاسية ستُفتَح في الريف الشمالي لمدينة حمص، حيث يتحصن المسلحون منذ بدء عملياتهم العسكرية عام 2011. لكن الجيش السوري سيحاول الاستفادة من تجربة معركة القصير ووهجها المعنوي، فضلاً عن تقدمه في ريف مدينة حماه المتصل بريف حمص. وفي حلب، بدأت القوات المسلحة السورية تنفيذ انتشار كبير، وتحشيد للقوات، في معركة ستدور رحاها داخل المدينة، وفي محيطها. وسيتخلل هذه المعركة، في مراحلها الأولى، فكّ الحصار عن مناطق محاصرة، وتفعيل القدرات الهجومية لقوات كانت في السابق تتولى مهمات دفاعية لا غير. تبقى معركة الزبداني وجبال القلمون المتصلة بالحدود اللبنانية. لا يمكن الحديث عن دمشق آمنة في ظل سيطرة المعارضة على هذه المناطق. لكن هذه المعركة يمكنها أن تنتظر، بحسب مصادر سورية، لأن المسلحين الموجودين في هذه المناطق مشغولون بالقتال شبه اليومي الدائر في أجزاء منها. وإذا حقق الجيش تقدماً في المناطق الملاصقة لدمشق، فسيصبح من السهل عليه التقدم في المناطق الأبعد، حتى لو كانت مفتوحة على لبنان.
خلاصة القول أن ما بعد القصير معركة مفتوحة تمتد زمنياً حتى نهاية العام الحالي على الأقل، ونتائجها سترسم ملامح مستقبل سوريا السياسي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق