الاثنين، 3 يونيو 2013
الشرارة والحريق! ///////>>د. محمد أبو رمان
ما تزال الأزمة في معان تتدحرج وتكبر، وتأخذ أبعاداً سياسية واجتماعية، مع غياب مفزع للحكومة عن الأحداث، فيما تركت الدرك والأمن –كالعادة- يواجهان وحيدين تداعيات أزمة سياسية قبل أن تكون قصة أمنية!
أوساط الدولة تتحدث عن إرادة سياسية حازمة –هذه المرّة- لفرض سيادة القانون والأمن، وعدم التراخي مع أحداث الشغب والتطاول على "هيبة الدولة". وهي الإرادة التي تقف وراء الحملات الأمنية الأخيرة التي تُعد، على العموم، حملات جيّدة وتوجها مطلوبا. لكن الخطورة تقع عند انعدام الرؤية العميقة الثاقبة، والاستسلام للتوصيف السطحي الساذج لما يحدث، ونضع السيف في موضع "الندى"، فتتحوّل "الشرارة" إلى حريق كبير!
معان ليست ملفاً أمنياً. صحيح أنّ هناك تهريباً وتجارة أسلحة وممنوعات، وذلك يستدعي حلاً أمنياً، لكن ذلك ليس خاصا بمعان، ولا يمثّل إلاّ جزءا بسيطا من الأزمة الحالية المتدحرجة؛ ما يحتاج إلى "إدارة سياسية" حكيمة محنّكة، وإدراك لأبعاد الموضوع، قبل أن نتورّط في "حلول خاطئة"، كما يحدث اليوم!
ثمة إجماع في أوساط المثقفين من أبناء المدينة على أنّ القضية تراكمية، وتعكس في جوهرها الأزمة التي تضرب العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتخبّط الإدارة السياسية؛ فتُركت أزمة جامعة الحسين بلا أجوبة ناجعة حقيقية، ثم تطوّرت لاحقاً إلى أن وصلنا إلى "الفيديو" (الذي تؤكّد الأوساط الأمنية أنّه مفبرك)، والشكوك والشكاوى التي ملأت الفراغ في ظل صمت الدولة وغيابها.
كان أسوأ ما في الأمر، كما يؤكّد الصديق د. باسم الطويسي، أنّ الدولة تركت الناس فريسة سهلة للإشاعات والخطاب العدمي، ما أدّى إلى اختلاط الحابل بالنابل؛ ما بين أعيان يسعون إلى إثبات الوجود، إلى سلفيين وتجار مخدّرات متضررين من الحملة، وأبناء المدينة الغيورين.
المشكلة ليست في انسحاب الدولة من دورها الاقتصادي ومسؤوليتها الاجتماعية، كما يصرّ بعض السياسيين في عمان، بل هي في تخليها حتى عن أدوارها المختلفة؛ السياسية والثقافية، التي كانت تقوم بها سابقاً، فتراجعت في كل شيء، وربما اختفت تماماً، وأصبحت أقرب إلى "الشبح" الذي "يتحزّر" الناس في تحديد ماهيته وشخصيته وأجندته، وفقدت فعلاً أدواتها الاتصالية ومفاتيحها الإدارية، وحتى الاجتماعية في المدينة. فلا تجد اليوم إلاّ رجل الأمن، وتلجأ فقط إلى الطرق التقليدية العشائرية لحل الأزمات المختلفة، بعد أن تتحول أغلب المشاجرات الاجتماعية الصغيرة إلى أزمات مع الدولة نفسها، ويدفع ثمنها رجال الأمن!
الوجه الآخر للأزمة أنّ الدولة لم تنسحب من الحياة الاقتصادية وقد وضعت خططاً حقيقية واقعية لجذب الاستثمار وتنمية القطاع الخاص في هذه المحافظات، بل تركت الناس نهباً للبطالة والفقر والعجز عن التكيف مع متطلبات الحياة الاقتصادية!
المشهد في معان، والذي وصل أمس إلى إعلان "العصيان المدني" أو الإضراب، وكان ناجحاً بنسبة كبيرة جداً، ويتدحرج إلى المطالبة باستقالة الحكومة الحالية، هو وضع يمكن وصفه بدقة أنّه خطير فعلاً، ليس فقط على الحكومة التي تواجه "نواباً مشاكسين" يطلبون رأس الرئيس، بل على الدولة نفسها عشية قرار رفع أسعار الكهرباء، في لحظة دقيقة وخطيرة، تتوافر على عوامل انفجار حالة الاحتقان المتراكم بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من جهة، وسوء إدارة الأزمة السياسية والإدارية من جهة أخرى!
على المدى القصير، الحكومة مطالبة بأن تتحرّك، فوراً، للحوار مع أهالي معان، أو عبر إرسال شخصيات سياسية مرموقة، والتوصّل إلى تهدئة وتسكين للوضع القائم، ثم الخروج من "كهف" القناعات السطحية الساذجة للأزمة والبحث عن حلول استراتيجية لمشكلة معان جزئياً، ولسؤال العلاقة بين الدولة والمجتمع عموماً!
m.aburumman@alghad.jo
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق