اللافت في تطورات هذا المشهد، النتائج التي تمخض عنها اجتماع «المصالحة» الذي انعقد في القاهرة بين قيادتي فتح وحماس منتصف الشهر الماضي، الذي حدد تاريخ الرابع عشر من آب/ أغسطس موعداً لتشكيل حكومة الوفاق الوطني، أي بعد ثلاثة أشهر من توقيع الاتفاق الأخير. هذا الوضع ترك الباب مفتوحاً على عدة خيارات من أجل ملء الفراغ الذي سيمتد من الثاني من حزيران وحتى منتصف شهر آب، الذي يبقى تاريخاً مندرجاً على لوائح الوعود غير القابلة للتنفيذ، كما عودتنا لقاءات وحوارات واتفاقيات «المصالحة الثنائية»! يراهن البعض داخل دوائر السلطة على إمكانية أن يعود رئيس السلطة إلى تكليف سلام فياض بتشكيل الحكومة الجديدة، انطلاقاً من أن المرحلة القادمة التي يعتقد الكثيرون أنها ستشهد انفراجات سياسية على ضوء الجولات المكوكية لوزير الخارجية الأميركية جون كيري الذي غادر الأراضي الفلسطينية بصفته «داعية سلام اقتصادي»، بعيداً عما أظهرته زيارته لسلطنة عُمان قبل وصوله إلى الأراضي المحتلة، من أنه «بائع سلاح». لكنه، في كل جولاته وزياراته للمنطقة، لا يعدو كونه المندوب والممثل الرسمي للسياسات الإمبريالية، القائمة على العدوان والتوسع والهيمنة. وانطلاقاً من أهمية الاقتصاد في فتح بوابات «السلام» على مصاريعها، كما يجهد في ذلك تجار/ سماسرة الانفتاح الاقتصادي من الفلسطينيين، الوكلاء المحليون لشركات الهيمنة الإمبريالية/ الصهيونية. يبرز سلام فياض على أنه الشخص الأكثر تأهيلاً وحرصاً كما تعتقد المؤسسات المالية، ومراكز صناعة القرار الغربية على تنفيذ سياسات الشراكة الاقتصادية، المؤسِّسة _ كما كرر مراراً _ لـ«السلام الدائم» الذي يتوهم دعاته بأنه قابل للتحقيق، لكن الوقائع على الأرض تؤكد عبر عقود الصراع المديدة لكل صاحب رؤية وطنية، على كونه سراباً. رئيس الوزراء المستقيل، كما ينقل عنه زواره والمقربون منه، لن يعود عن الاستقالة، وعن مغادرته للموقع الرسمي، الذي تحول على يد الرئيس وحزبه، إلى «موظف تابع» و«أمين صندوق».
كما يبدو، ستكون الاستقالة نهائية إذا لم تبرز عوامل مقنعة، أو رغبات «ضغوط» دولية لدفع فياض إلى العدول عنها، وخاصة أن رئيس السلطة قد أظهر رغبته أخيراً في استمرار فياض بالفترة القادمة إلى حين إجراء الانتخابات، في إشارة واضحة إلى إمكانية إعادة تكليفه مرة أخرى تشكيل الحكومة. لكن الإصرار على الاستقالة سيدفع رئيس السلطة إلى شخصية توافقية، تتداول أوساط متابعة لما يدور في غرف المقاطعة، أسماء رامي الحمد الله ومحمد مصطفى كأبرز المرشحين للتكليف الجديد. كذلك تبرز اجتهادات أخرى تطرح احتمال أن يقود عباس الوزارة في إشارة إلى حالة مشابهة تضمنها اتفاق الدوحة، في خرق واضح للقانون الأساسي. هذا الخرق الواضح في تجاوزات مباشرة للقانون تحت دعاوى «المصلحة الوطنية العليا!»، وهو ماثل للعيان من خلال انتهاء الفترة القانونية لكل من رئيس السلطة واللجنة التنفيذية والمجلس الوطني وعدد آخر من المؤسسات.
أما داخل الإطار القيادي للمنظمة (اللجنة التنفيذية)، فقد عكست تصريحات تيسير خالد حالة الإرباك والتخبط التي تعانيها تلك الهيئة القيادية في معالجتها لتشكيل الحكومة. لكن رئيس السلطة كان واضحاً عندما تحدث (السبت 25/5) خلال لقاء منتدى دافوس الاقتصادي العالمي بالبحر الميت في الأردن، عن السياق الذي يجب أن تتشكل من خلاله الحكومة المقبلة التي يعتقد بعض المتفائلين أنها ستعلن، في منتصف آب/ أغسطس، «المصالحة الفلسطينية تحتاج إلى أمرين. الأول: تشكيل حكومة انتقالية من المستقلين. الثاني: إجراء الانتخابات»، مضيفاً: «عندما يتم ذلك، فإننا مستعدون فوراً لإجراء المصالحة الفلسطينية». أما حكومة المرحلة الممتدة ما بين 2 حزيران و14 آب، فما زالت تنتظر المزيد من التطورات على أكثر من صعيد، والمشاورات مع أكثر من طرف. وللتذكير: الحكومة القادمة ستحمل الرقم 15 في سلسلة الحكومات التي تشكلت منذ عام 1994 ليصبح، كما صرح الدكتور حسن خريشة، النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، في حديثه المنشور قبل أسبوع: «عندنا جيش من الوزراء، ندفع رواتبهم لمدى الحياة، من الأموال التي ينبغي أن تذهب لأسر الشهداء والجرحى والفقراء»، مشيراً إلى «أنه بات لكل 10 آلاف فلسطيني... وزير!». هذه الوزارات هي «لزوم ما لا يلزم» لأنها تلعب في وقت بائس من تاريخ مأساتنا التي أعاد إنتاجها اتفاق إعلان المبادىء في أوسلو.
* كاتب فلسطيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق