يمكن الحديث عن استغلال تدخّل حزب الله في القصير، قبل التحدّث عن حزب الله في القصير. «نيويورك تايمز» تتحدّث عن الخبر على صدر صفحتها الأولى يوماً بعد يوم، كما تفعل صحف غربية وبنمط الاستفظاع والاستهجان نفسه. إعلام آل سعود وآل ثاني (وهذا إعلام من أسوأ ما صدر عن الإعلام العربي، وخصوصاً أن النفَس الطائفي _ المذهبي لم يبلغ هذا الدرك من قبل) يدقّ النفير ويكاد يعلن الجهاد على كل الطوائف السياسية والدينية التي تحيد عن صراط... التحالف الأميركي _ الصهيوني. أما إعلام المعارضة السورية المسلّحة وإعلام حركة 14 آذار السورية، فقد بدأ بحربه ضد حزب الله قبل أن يصدر الحزب موقفاً من الأحداث في سوريا. المواقف والتصريحات كانت جاهزة ومعلّبة.
ياسين الحاج صالح (وهو يُعتبر «مُفكّر الثورة») في صفحة على «فيسبوك» يصف حسن نصر الله بـ«الجعاري»، وموقع له يضخ كراهية للعلويّين _ كعلويّين. لو أن مقدار الكراهية ضد العلويّين والشيعة كان قد صدر ضد اليهود لكان مثقّفو الليبرالية الراسخون في مضارب النفط والغاز قد تنادوا لحمل الشموع في الساحات العامّة ولكانوا قد طالبوا بتدخّل مجلس الأمن. إن إقحام حزب الله في الصراع السوري بدأ من قبل المعارضة المسلّحة والعصابات التي كانت تأتمر بأمر الحكم السعودي والقطري والأميركي منذ بداية الانتفاضة المسلّحة. لم يعد التزييف يسري: لقد أصدرتُ أنا ورفاق لي بياناً ضد النظام السوري عند بدء الأزمة، وسخرنا في البيان من نظريّة العصابات المسلّحة التي تجول في سوريا وتمعن قتلاً وحرقاً وتفجيراً. أعترف أمامكم وأمامكنّ بأنني أخطأت، لا في نقد النظام الذي لا أتراجع عنه، لكن أنا اليوم على اقتناع بأنّ العصابات السعودية والقطرية والإسرائيلية وفريقاً كاملاً في المعارضة السوريّة المُسلّحة يأتمر بأمر العدوّ وينفّذ بالنيابة عنه تفجيرات واغتيالات بالجملة، حتى تلك التي لا علاقة لها بمقارعة النظام. كذلك إن تنسيقاً واضحاً ظهر من قبل الجيش السوري الحرّ _ وهو مثل عصابات القبائل في العراق وأفغانستان يعمل بالأجرة _ مع العدوان الإسرائيلي: في الساعات التي تلت الغارات الإسرائيليّة الأخيرة، ظهرت أبواق للجيش السوري الحرّ وللائتلاف الوطني على شاشات آل سعود وآل ثاني وبثّت حرباً نفسية وما يُسمّى المعلومات المُغرضة من أجل إحداث تغطية لعدوان العدوّ. واحد من أبواق الجيش السوري الحر كرّر على شاشة صهر الملك فهد، «العربية»، أن وحدات بحالها انشقّت عن جيش النظام لمجرّد حصول العدوان. كان هذا هو المُبتغى وبتنسيق مع العدوّ بالتأكيد. الذين عاشوا وعشن حقبة الحرب الأهلية اللبنانية خبِروا طريقة التناغم بين العدوّ وبين أعوانه وعملائه في بلد ما.وقد أفاض عضو في قيادة 14 آذار (وكان قد اعتقل قبل سنوات بتهمة التخابر مع العدوّ الإسرائيلي) في الحديث عن إشراف إسرائيل على أجهزة الإعلام الكتائبيّة أثناء الحرب. والذين كانوا بإمرة إسرائيل في السبعينيات ضخّوا الدعاية عن أن إسرائيل لا تقصف لبنان إلا ردّاً على عدوان «الفلسطيني الغريب»، هم اليوم (أو ورثتهم) يضخّون الدعاية عن أن إسرائيل لا تقصف لبنان وتحرقه إلا ردّاً على عدوان «الشيعي الغريب» (عبد الرحمن الراشد، الذي تعلّم الإعلام في مدرسة حاشية أمراء آل سعود، كتب أخيراً في جريدة الأمير سلمان، «الشرق الأوسط»، أن غزوات إسرائيل للبنان واجتياحاتها لم تكن إلا «عمليّات تأديبية» لحزب الله). من المفيد أن أبواق آل سعود تجاهر بصهيونيتها هذه الأيّام، كما تجاهر أبواق آل ثاني.
وهناك ما هو مُريب. لماذا بدأ الهجوم على دور حزب الله في سوريا بعد أيّام فقط من اندلاع الانتفاضة الشعبيّة عندما كان إعلام آل الحريري يلتزم الصمت إزاء الأحداث هناك (لأن أوامر آل سعود لم تكن قد وصلت بعد)؟ من باشر حرق صور حسن نصر الله بمجرّد أن بدأت الانتفاضة الشعبية وقبل أن يصدر أي موقف رسمي عن الحزب آنذاك؟ ولماذا كان التركيز على «انحياز» إعلام حزب الله _ لأن إعلام آل ثاني وآل الحريري وآل سعود هو، مثل شعار «فوكس نيوز»، «مُنصف ومُتوازن _ دون غيره»؟ إن إعلام حركة أمل كان منذ البداية أكثر التصاقاً بالنظام السوري من حزب الله. ولماذا حرق صور حسن نصر الله، مثلاً، وليس حرق صور نبيه برّي أو حتى رفيق الحريري أو طلال أرسلان أو سليمان فرنجية، وهم كانوا أقرب إلى النظام السوري عبر السنوات من حسن نصر الله؟ لماذا لا يصدر نقد واحد في الإعلام ضد انحياز محطة «إن.بي.إن» إلى النظام السوري؟ هنا تتيقّن أن وراء الأكمة... إسرائيل نفسها. هناك من ينفّذ مشيئة إسرائيل في سوريا. إن قصف المواقع في داخل سوريا كان بناءً على معلومات شبكة تجسّس (قد تكون لبنانية _ سورية) لمصلحة العدوّ. هذا لا يعني أن الانتفاضة الشعبية اندلعت بأمر إسرائيلي، أو أن الانتفاضات العربيّة كانت من تخطيط «جين شارب» أو كيسينجر العجوز نفسه، كما يرد في إعلام الممانعة الشديد الغباء (حيث لا يزال إعلام حزب الله يعتمد على تحليلات «فرنكلين لامب»). لا أبداً. على العكس، كانت هناك انتفاضة شعبية حقيقية في سوريا، على غرار الانتفاضات الشعبية الأخرى في العالم العربي، لكنها تزامنت مع حركات عصابات مُسلّحة (قطرية وسعودية وإسرائيلية) كانت نائمة واستفاقت بمجرّد قدوم الأوامر بالتنفيذ. هذا لا يعفي النظام من مسؤولية القمع المُبكّر، ولا يدحض مشروعية الانتفاضة الشعبية التي بدأت. لكن العصابات المُسلّحة نجحت في سرقة الانتفاضة الشعبية وتحويلها إلى حركة مُسلحة ذات أهداف وسقوف أدنى بكثير من الحركة الشعبية. إن دكاكين المعارضة التي أنشأتها أميركا والسعودية وقطر باتت تحصر مطالبها بشخص بشّار الأسد فقط. لا تبغي أي تغيير جذري في العلاقات الاجتماعية _ الاقتصادية أو في إهمال الجولان المُحتلّ، أو حتى في بنية النظام السياسي. على العكس، حركات المعارضة الخارجيّة تحاكي النظام على أكثر من صعيد، وخصوصاً في التخوين وإن زادت عليه تكفيراً. إن استضافة الجيش السوري الحرّ للسيناتور الأميركي جون ماكين ليس أمراً عابراً. الرجل من أعتى حلفاء الليكود في أميركا، وهو في سيرة سياسية طويلة لم يتخذ أي موقف مُتعاطف مع العرب أو المسلمين (شعوباً)، ولم يحد مرّة عن مصلحة عدوان إسرائيل واحتلالها. جون ماكين كان ضيفاً مُكرّماً ومُعزّزاً لدى الجيش السوري الحرّ، وهذا معناه الكثير، ومن أهم دلالاته أنّ الصمت رافق جولة ماكين هذا. هل زيارة ماكين تدخل في خانة التدخّل المحمود، يا ترى؟
لكن ماذا عن التدخّل من قبل الحزب في سوريا؟ إن التدخّل بحدّ ذاته، من منظار الفكر الأممي أو الفكر القومي، ليس شراً في ذاته. بالعكس. التدخّل في شؤون الدول واجب وطني أحياناً. هل كان تدخّل المقاومة الفلسطينية إلى جانب الحركة الوطنية خطأً؟ قطعاً لا، كما أن تدخّل النظام الناصري ضد حكم شمعون كان تدخّلاً محموداً. ولقد كان تدخّل النظام الناصري لدعم حركات التحرّر العربية والأفريقية من إنجازات ذلك النظام، حتى تدخّله في اليمن ضد حكم من مخلّفات القرون الوسطى وحظي بدعم من إسرائيل نفسها كان حسناً. ومتى كان اليسار يعارض التدخّل في شؤون الدول وهو (مثله مثل الفكر القومي العربي الحقيقي) لا يؤمن بحدود تلك الدول التي كانت من وضع المُستعمر وبناءً على اعتبارات تدخل في خدمة مصالحه؟ عدم التدخّل؟ من يقول هذا غير حزب الكتائب الذي يدعو إلى الحياد، وهو الذي ناقض شعار الحياد في تاريخه الطويل والدموي؟ لماذا لا نتدخّل في شؤون الدول لمناصرة العدل مثلاً؟ الصمت وعدم التدخّل يصبّ في مصلحة الطغيان، ومثلما يصبّ بعض التدخّل في مصلحة الطغيان. لكن هناك تدخّلاً ثورياً وتقدّمياً وقومياً لا مناص منه عندما يتعرّض شعب أو حركة لقمع. ولا يرفع شعار عدم التدخّل أكثر من الدول التي تتدخّل في كل شؤون الدول في العالم.
من يعترض على تدخّل حزب الله اليوم؟ فرنسا التي اجتاحت مالي عندما خشيت من تعرّض مصالحها الاستعمارية للخطر؟ تيّار المستقبل والحكم السعودي والقطري الذين تدخّلوا في الشأن السوري (وليس لمصلحة شعب سوريا) حتى قبل اندلاع الانتفاضة؟ أم أميركا التي تنشر قوّاتها في أكثر من 150 دولة في العالم؟ أم أن شعار عدم التدخّل يأتي من عصابات السلفية التي تلتزم أممية المعركة أكثر مما التزمها الشيوعيّون يا للأسف؟ ليس تدخّل حزب الله، أو أي طرف في سوريا، هو الخطأ. الخطأ يكون في وجهة التدخّل وهدفه وتأثيره وفي طريقة تنفيذه. لكن الإعلام العربي والعالمي لم يلحظ تدخّل قطر والسعودية والأردن ودولة الإمارات والبحرين وفرنسا وألمانيا وأميركا وإسرائيل وتيّار المستقبل وتيّارات السلفية العالمية في سوريا. لحظ فقط تدخّل حزب الله. أكثر من ذلك، يمكن النظر إلى الصراع الجاري في سوريا اليوم، في صيف 2013، على أنه صراع محض خارجي. يمكن النظر اليوم إلى دور الفرق المسلّحة في سوريا على أنّها تمثّل أطرافاً خارجية... فقط. إن مطالعة ما يُكتب في الصحافة الغربية عن درجة سيطرة أميركا على الائتلاف الوطني وعلى هيئة الأركان العرمرميّة للجيش السوري الحرّ لا تترك مجالاً للشك أن تلك الفرق لم تعدّ فرقاً وطنيّة. هي تمثّل إرادات خارجية. ويمكن النظر إلى طرف النظام اليوم على أنه يمثّل إرادات خارجية أيضاً. قد يكون هذا ما عناه وئام وهّاب قبل أسابيع عندما قال: «لن نسمح لبشّار الأسد بالتّنحي»، وأضاف أن المعركة باتت أكبر منه. بكلام آخر، خرج الأمر منذ زمن ليس بقريب من يد الشعب السوري المغلوب على أمره والذي ينظر إلى الشاشات ليرى ممثّلي مختلف الدول يتحدّثون باسمه، وبحماسة شديدة. كيف تكون حرباً داخلية أهلية وإسرائيل وأميركا _ العدوان التاريخيان للشعب السوري _ تنتقيان «أصدقاء سوريا» في المحافل الدولية؟
لكن لماذا تدخّل حزب الله؟ إن أكثر ما يضرّ حزب الله في علاقاته العربية والإسلامية ليس فقط الحملة الطائفية المذهبية التي شنّها آل سعود والأنظمة المتعاونة معه منذ 2003، بل طريقة تعاطيه هو مع تلك الحملة. هو ليس حزباً علمانياً بالتأكيد، لكن أسباب تحالفه مع النظام السوري _ بصرف النظر عن خطأها أو صوابها _ ليست بالضرورة، أو ليست أبداً، طائفيّة. إن الحزب خاض صراعاً مريراً مع النظام السوري منذ إنشائه حتى أواخر التسعينيات. وكان النظام السوري يفضّل دوماً نبيه برّي وحركة أمل على حزب الله بقياداته المختلفة. وحتى في مرحلة بشّار الأسد، كانت الاستخبارات السوريّة في لبنان تضغط على الحزب لتحسين تمثيل حركة أمل. ثم هل تحالف الحزب السوري القومي الاجتماعي مع النظام السوري هو تحالف طائفي؟ ونظريّة عزو تحالف الحزب مع النظام السوري إلى عامل طائفي تنفي الخلاف العقائدي بين الشيعة الاثني عشرية والعلويّين. تحوّلت كل فرق الشيعة، بغلاتها ووسطيّيها، إلى فرقة واحدة متراصّة في خطاب السلفيّة الحاقد لأهداف واضحة. طبعاً، بقدر ما يمكن نفي الأساس الطائفي عن تحالف الحزب مع النظام السوري، لا يمكن نفي هذا الأساس في موقف الحزب من مجريات الساحة العراقيّة منذ 2003. كذلك إن جمهور حزب الله وحركة أمل في لبنان قد ينظر بعين العطف إلى النظام السوري بدافع طائفي؛ لأن الحسابات الطائفية الصغيرة تطغى على حسابات جماهير الطائفيّة من كل الأديان في لبنان.
حاول حسن نصر الله شرح دوافع تدخّل الحزب في سوريا في خطابه الأخير. وجمهور الحزب كان مستعدّاً لسماع أي تسويغ للتدخّل؛ لأن الحملة الإعلامية المضادة والمغرضة من قبل أبواق الليبرالية (وبعض اليسارية) العربية، الذين رأوا في التدخّل السعودي العسكري في البحرين زبدة العلمانية ونشراً للتنوير، استفزّت جمهور الحزب وكل معارضي الحركتيْن التوأمين في 14 آذار اللبنانية والسورية (كيف لا تكونان توأميْن والناشر واحد والمموّل واحد؟) لكن شرح نصر الله لم يفِ بالغرض من زاوية تحديد آفاق التدخّل العسكري. لم ترد كلمة القصير إلا مرّة واحدة وعرضاً في خطاب نصر الله. لكن لماذا القصيْر؟ لماذا لم يتدخّل الحزب في حلب أو حمص أو ريف دمشق؟ ولماذا مقام السيّدة زينب دون غيره؟ وهل تؤدّي حماية الحزب لمقام السيّدة زينب إلاّ إلى جذب عصابات السلفيّة إليه كي تعتدي عليه إمعاناً في الاستفزاز وإيغالاً في إغراق المنطقة في أتون الفتنة؟ وإذا كان نصر الله قد ميّز _ خلافاً لخطاب بشّار _ بين معارضة وطنية وأخرى مرتهنة للخارج، فكيف يمكن وضع هذا التمييز موضع التنفيذ في ميادين المعركة؟ هل الرصاص والقذائف تميّز؟ ثم ألم يذهب بعيداً حسن نصر الله في مقولته إن «سقوط سوريا» (هل عنى النظام هنا؟) سيؤدّي إلى ضياع فلسطين؟ لا، لن تضيع فلسطين وهي ليست محفظة كي تضيع وهي أكبر من كل الأنظمة. وهناك الكلام على النصر في خطاب نصر الله الأخير: ما هو تعريف النصر؟ وهل النصر ممكن على الركام والأشلاء؟ وهل بقاء النظام هو نصر، ولمن؟
ثمّ، يبقى السؤال: هل يكون ضرب «المخطط التكفيري» في القصير أقوى وأفعل وأجدى من ضرب المصالح السعودية في المنطقة العربية؟
لكن نصر الله أعلن حرباً على التكفيريّين. وهو على حق في وصفه للخطر التكفيري (وكلام حزب الله ضد التكفيريّين ليس طائفيّاً بالضرورة، وخصوصاً أن حزب الله في مرحلة قيادة صبحي الطفيلي كان تكفيريّاً هو الآخر) على كل العرب والمسلمين. وصعود التكفيريّين مشبوه أيضاً؛ لأنه يحيّد بصورة لافتة العدوّ الإسرائيلي (وكان مستشار محمد مرسي السلفي قد صرّح لصحيفة إسرائيلية بأن السلفية المصرية لا تعارض اتفاق كامب ديفيد). لكن ما هي حدود مواجهة حزب الله للحركات التكفيرية؟ هل هي محصورة بمكان أو زمان، أم هي خارج المكان والزمان؟ وهل يعلم الحزب أن التكفيريّين وإسرائيل ينشدون مواجهة حزب الله من أجل استنزاف قوى الحزب وطاقته، وإنهاك قواه إلى الآخر _ برأيهم؟ يريدون تدمير سلاح الحزب لحماية إسرائيل. ما عاد الكلام المداور ينفع: فريق كامل في الجيش السوري الحرّ يعمل خليفةً لجيش لحد في لبنان. حتى إنهم يستعملون خطاب بيار الجميّل في الحديث عن ضرورة «الاستعانة بالشيطان».
يسارع الليبراليّون وبعض اليساريّين في إدانة التدخّل العسكري لحزب الله. والكلام على أنّنا «كنا نؤيّد حزب الله إلى أن تدخّل في القصير» هو كلام منافق ومداور. هو مثل الكلام على أنّنا «كنا نؤيّد حزب الله حتى عام 2000» أو حتى يوم 7 أيّار. كل هؤلاء كانوا أعداءً لحزب الله وهم يتصيّدون الفرص للانقضاض عليه إما تنفيذاً لأوامر إسرائيلية أو سعودية _ لا فرق هنا _ أو تعبيراً عن نسق من الليبرالية _ اليسارية التي تريد عقد مصالحة تاريخية بين عقيدتها وبين الرأسمالية اللبنانية والسلام الإقليمي الذي تنظر إلى حزب الله _ لا إلى إسرائيل _ على أنه العقبة الوحيدة أمامه. كل من يقول إنه كان يدعم المقاومة حتى 2000 أو حتى القصير مُخادع؛ لأنه كان ضدّ المقاومة باستمرار. هؤلاء أعداء مستديمون للمقاومة. هؤلاء الذين يأخذون على الحزب أنه لا يقاتل إسرائيل اليوم، هتفوا ضدّه في حرب تمّوز وهجوه عندما كشف نظام مبارك عن عمليّة كبيرة للحزب في دعم المقاومة في غزة. كل أصوات هؤلاء ارتفعت ضد سامي شهاب، فيما يصرّحون بملء الرياء اليوم بأنهم مع الحزب في مقاومته إسرائيل. هم ضد الحزب في المطلق، لكنهم ضدّه أكثر في صراعه مع إسرائيل.
لا يمكن أن يتسع تدخّل الحزب في سوريا؛ لأن قوّته ليست جيشاً ولم تُعد كجيش. وأميركا وإسرائيل لا تعدّان المعارضة العسكرية للنصر. هما يفعلان ما فعلته أميركا في الحرب الإيرانية _ العراقية: سيناريو دعم الطرفين ضد الطرفيْن، لإنهاكهما وتحوير أنظار فريق واحد (أي حزب الله) عن العدوّ الإسرائيلي، أو إشغاله عنه. صحيح أن المؤامرة في سوريا كبيرة، وصحيح أيضاً أن المؤامرة تستهدف حزب الله، لأن العدوّ يخشى الحزب أكثر مما يخشى النظام السوري. إن راعي المعارضة المسلحة أدخل المنطقة في أتون حرب إقليمية عالمية، والنظام السوري يعتمد هو أيضاً على رعاة له في الإقليم وفي العالم (لكن حجم الدعم الروسي والصيني أقلّ بكثير مما يصوّر إعلام الممانعة الذي لا يزال يعوّل على إنزال جوّي لقوات دول الـ«بريكس»).
إن عملية تدخّل حزب الله في القصير أسهل بكثير من عملية خروجه من القصير. وبين التدخّل والخروج حرب لا تريد أميركا وإسرائيل لها أن تقصر أو أن تتوقّف. هل تكون حرب القصير فصلاً في حرب قد تتعدّى في سنواتها الحرب الأهلية في لبنان؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق