هذا شيء جميل إن حصل، إنما يجب ألا يحمل جواز السفر الفلسطيني أو الهوية الشخصية الرقم الإسرائيلي. تحمل كل بطاقة هوية شخصية للناس في الضفة وغزة الآن وكذلك جواز السفر المعنون بالسلطة الفلسطينية الرقم الإسرائيلي، وهو الرقم الذي حددته إسرائيل منذ احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة. أما بعد قيام السلطة الفلسطينية، فتم إعداد ترتيب إداري بحيث تبقى إسرائيل بصورة المواليد الفلسطينيين الجدد أولا بأول، وأن كل مولود يحمل رقما وفق ترتيب إداري مسبق بين السلطة وإسرائيل. أي أن الشكل، سواء في الهوية أو جواز السفر قد تغير بعض الشيء في عهد السلطة الفلسطينية، لكن جوهر التبعية للإدارة المدنية الصهيونية لم يتغير، وبإمكان أي جندي على أي حاجز أن يفتح جهازه ليتعرف على تفاصيل حياة الفلسطيني المعني.
فهل يعني السيد عباس أنه سيستقل الآن في بطاقة الهوية وجواز السفر؟ طبعا كان من المفروض أن تحرر الفلسطينيون من حمل الهوية الصهيونية منذ عشرات السنين. كان من المفروض تنفيذ عصيان مدني، وهو من أضعف درجات المقاومة، وحرق بطاقات الهوية، ووضع الصهاينة في تخبط حول التعرف على الأشخاص وتتبع نشاطاتهم. كان من المفروض اتخاذ خطوتين هامتين منذ بداية السبعينات لما فيهما من إصرار على دحر الاحتلال والتخلص منه وهما: المقاطعة الاقتصادية والعصيان المدني. وكان في عدم اتخاذهما ما دعا الاحتلال إلى الاستهتار بنا، والتلاعب بأوضاعنا المدنية والاقتصادية ومستقبلنا السياسي. فهل سيصلح عباس بتصريحه ما غفلنا عنه عبر الزمن؟
إذا قرر عباس تنفيذ تصريحه وتحرير الهوية الفلسطينية من الرقم الإسرائيلي، فإنه سيواجه إجراءات إسرائيلية وأمريكية، وربما أوروبية أيضا منها حظر السفر على كل فرد يحمل جواز سفر جديد، وسجن أو تغريم من يحمل بطاقة هوية جديدة، ومنع دخول من يحملون هذا الجواز الولايات المتحدة والدول الأوروبية أو بعضها. وعليه أن يتوقع مزيدا من التضييق المالي والاقتصادي من قبل إسرائيل ومن يؤيدونها. هل هو مستعد لذلك؟ إذا لم يكن، فالأفضل له أن يبقى على ما هو عليه، وألا يقوم بخطوات يتراجع عنها مستقبلا.
تصريح عباس لا يتوافق مع المسيرة التفاوضية القائمة حاليا، ولا مع الترتيبات الإدارية التي خطها اتفاق أوسلو، واتفاق طابا فيما بعد، وإذا شاء عباس الاستمرار في المسيرة التفاوضية، فإن كل الخطوات التي يمكن أن تتم خارجها لن تجدي نفعا، وستبقى ضمن رؤية القوي لما يجب أن تكون عليه نتائج المسيرة. وهو يعلم أن السلطة حاولت في السابق أن تروّس مراسلاتها بالسلطة الوطنية الفلسطينية، واصطدمت برفض إسرائيل وتراجعت.
أما إذا قرر عباس المضي بالأمر وتأكيد الهوية الفلسطينية فإن عليه أن يواجه الناس بما يمكن أن يلاقوه من إجراءات إسرائيلية ليكونوا مستعدين نفسيا ووطنيا للصمود. ستتخذ إسرائيل إجراءات عدة، وسنجد أنفسنا في صدام يومي معها، وأيضا في صدام مع قوى خارجية تدعمها. إذا قرر عباس المضي فإن ذلك سيكون بداية عصيان مدني، وسيشكل مرحلة نضالية جديدة في تاريخ صراعنا مع الصهاينة، وسنخرج من مرحلة أوسلو إلى مرحلة صدام من نوع جديد ضد الاحتلال.
أرى أن مسيرة التفاوض قد ألحقت بنا أضرارا هائلة على المستويات الوطنية والنفسية والاجتماعية والأخلاقية، وتكفينا سنوات التفاوض منذ عام 1988 لنتأكد بأن إسرائيل ومن معها ليسوا على استعداد للاعتراف بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني. حان الوقت لنعيد ترتيب أوضاعنا الوطنية من جديد، وأن نبني أنفسنا وفق معطيات فلسطينية تهدف إلى التحرير واستعادة حقوقنا الوطنية الثابتة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق