الثلاثاء، 22 يناير 2013

مصادر الطاقة "الوهّابيَّة" ومنابع الإرهاب


نصري الصايغ
بين السيئ وبين الأسوأ، عليك أن تختار. حظ الخيار بين الحسن والجيد، أو بين الجيد والسيئ، نادر جداً. تونس ومصر كانتا استثناءين. بين الحرية والاستبداد، تختار الحرية، ولقد فازت الحرية. استثناء آخر، لم يصل بعد إلى خواتيمه في البحرين، الحرية هناك تعاني صلف السلطة وطغيان «الاشقاء»، غير أن الأمل لم يغمض عينيه. هنا الأمل يتفوق على الألم.
باستثناء ذلك، يصعب عليك الاختيار، وقد يستحيل. بين تخلف «الطالبان» وانتمائهم للعصر الحجري في أفغانستان، واحتلال الأميركان المتوحش، ماذا تفعل؟ لا خلف «الطالبان» تصلي ولا إلى الأميركان تحج. فالإثنان حرام... ماذا تفعل عندما تقف في مواجهة صدام حسين في العراق وغزو الأميركان لبلاد الرافدين؟ الأول طغيان مؤبد والثاني تدمير مؤكد... كيف يستقيم خيارك بين نظام مستبد في سوريا ـ كان على ممانعة ـ وبين معارضة مسلحة ـ كانت على ديموقراطية وحرية وعدالة ومساواة؟ لا مع النظام تقف، لأنك ضد القتل المنظم، ولا مع المعارضة تهتف، لأنك ضد القتل العشوائي. فبين مقتلة ومقتلة، تختار الضحايا. إما إذا كان عليك ان تختار بين معمر القذافي وبين حلف الأطلسي، فلن تكون لا هنا، قاتلاً أبدياً، ولا هناك، سفاحاً تسفك دم أكثر من 80 ألف ليبي.
لا خيار لك بين السيئ والأسوأ، بين مقتلة ومجزرة، بين دكتاتور ودكتاتور، بين استبداد داخلي واحتلال خارجي... وأحيانا، يمتنع الاعتزال.
لائحة الخيارات المعدومة طويلة، تصل إلى مالي، الجمهورية فاشلة. هل أنت مع «القاعدة» و«أكمي» و«أنصار الدين»، أم مع فرنسوا هولاند، بطائراته التي تقصف شمال مالي، مستندة إلى سياسة خارجية مراهقة، لا ترى أبعد من اصبع على زناد وكف على أخمص.
ينعدم الخيار. ولأن المأزق راهن، فالهرب إلى الماضي القريب، قد يجدي فهماً. فلنعد إلى البدايات، وهي ليست ببعيدة.
لا يفيد كثيراً أن نلعن المصبات، إذا كنا مَن يلوث الينابيع. ولا يفيد أن نتهم الإسلام والمسلمين، ثقافة وحضارة وآية، إذا كنا لا نقف ضد من يجعل من الإسلام مطية ومن حضارته خصيَّا. الإسلام نبع، لم يسهر العرب على حراسته من... والغرب أهمل الينابيع، وسُرَّ بهذه المصبات والنهايات، التي يعالجها، بالعنف. تعامى عن الأصول السياسية، وشرع يقاتل الفروع الشريرة.
هنا مكمن الدار. نظام دولي شره ومتوحش، لا يؤمن بغير دين الربح، بأي وسيلة ولو كانت اجرامية (سرقة، احتلال، فتن، اتفاقات ظالمة، شراء ذمم أنظمة وحكومات، سيطرة على الموارد). نظام دولي يقيم سلطته الكونية من دون اعتبارات لقيم الحياة، في مستوياتها العادية (خبزاً، حكاماً، دواءً، ماءً، استشفاءً، تعليماً، كرامة). نظام دولي يهدف أربابه القلة إلى تكديس أرباح بموازاة تكديس القتلى والجائعين والمعدمين والمنبوذين والعاطلين عن العمل والممنوعين عن الأمل.
نتكلم على مالي...
إنما، وقبل ذلك، لنعد إلى أفغانستان. «الطالبان» هناك، مولود وهابي ورعاية أميركية. «القاعدة» في بدايتها، مولود وهابي، ورعاية أميركية. منتجان سعوديان وأميركيان... لنعد إلى العراق: صدام حسين، دكتاتور متفوق، صديق صدوق للغرب برمته، في مواجهته لإيران الإسلامية.
دعم الغرب صدام حتى ارتكب خطيئة قاتلة، إذ احتل احدى الغرف الداخلية في البيت الأبيض الأميركي، حيث يبيض النفط ذهباً.
الشعوب العربية والشعوب الإسلامية، ليست وهابية ولا أميركية. وهي تتعرض، منذ اندلاع الثورة النفطية، لهجوم وهابي كاسح، ولتمويل سعودي سخي، عمّم التكفير وضيق الأفق والتعصب، حيثما وصلت «مكرماته» الوهابية، وفتاويه النفطية.
الشعوب في الغرب، ليست ضحية «الارهاب» إلا نادراً. وعلى الرغم من ضخامة وحجم كارثة 11 أيلول، وأنفاق المترو في اسبانيا ولندن وفرنسا، فإن قياسها بما يحصل في العراق، ما بعد «التحرير الأميركي»، وفي سوريا، ما بعد اندلاع الثورة، وفي شمال افريقيا، منذ ما بعد برجَي نيويورك، لا يوازي عدداً وضخامة واستمراراً.
الرئيس الفرنسي هولاند، أعلن أنه ذاهب لمحاربة الارهابيين. من هم هؤلاء؟ أولاد من هؤلاء؟ على من تربى هؤلاء؟ من يدعمهم؟ من يحميهم؟ من ومن... ليست الشعوب العربية ولا الشعوب الاسلامية في افريقيا. هذه شعوب تتعرض لغزوات أميركية وغربية، إما عسكرية وإما احتكارية وإما أخلاقية. ليس بعيداً أن تكون أحداث مالي، قد وجدت في فيلم عبد الرحمن سيساكو بعنوان «باماكو» أحد أسباب التمرد. الفيلم، محاكمة لارتكاب المؤسسات الدولية، (صندوق النقد والبنك الدوليان) عبر «الاصلاحات» الإجرامية التي فرضتها على مالي. إصلاحات دمرت المجتمع الزراعي والحرفي، وأهملت الأرياف لصالح قوى كومبرادورية منفذة لرغبات الشركات العملاقة التي لا تشبع.
مالي، لا مال لها. علماً أن شمالها يعوم على بحيرة من الغاز، تثير غريزة فرنسا وسواها، لإرسال قواتها العسكرية، لحراسة الثروات الغربية، وحراسة البؤس المالي.
الغاز اليوم، هو محرك الحروب، كما كان النفط. اسألوا قطر.
سكان مالي المتمردون ليسوا «قاعدة» بالضرورة. بعض التمرد سلفي، جهادي، وبعضه علماني. الغلبة للمتطرفين المدعومين، كما لأهل «النصرة» في سوريا. «الأزواد» علمانيون. «أكمي»، شقيقة «القاعدة» وأشدها فتكاً. أنصار الدين سلفيون. هؤلاء، ينتمون إلى بيئة اسلامية، رعتها السعودية، مذ بدأت ببناء مساجد مقيدة حصراً بسلاسل الوهابية. وهي مساجد انتشرت في بلاد العرب، وفي دول افريقية كذلك... وهذا ليس ابن السنوات الأخيرة. فالجزائر كانت على علاقات متوترة مع السعودية، بسبب دعم الأخيرة للإسلاميين فيها، والذين أورثوا البلاد صداماً مسلماً ذهب ضحيته مئات الآلاف.
إن تجفيف منابع «القاعدة» وأخواتها بيد الغرب الذي يحس «بالقاعدة» عندما تطرق أبوابه وعتباته بعنف، فيما هو مقيم في عقر دارنا بكامل جهوزيته القتالية، ومنظومته الفكرية، وسلفياته المتنوعة، والدول الخليجية الراعية له والمرضعة الدائمة والمحرِّضة التي لا تهدأ.
الإسلام براء. الأزهر براء. المسلمون براء... لا حاجة إلى برهان بالبراءة، كما لا حاجة إلى دليل إدانة لأنظمة إنتاج السلفيات المدربة والمجهزة والمعقدنة والممولة من دول خليجية، مدعومة ومحتضنة ومباركة من قبل دول الغرب.
مسؤوليتنا ثقافية. مسؤولية الغرب، لأن بيده الإمرة والقوة، ان يلزم هذه الدول والممالك والإمارات، بأن تمتنع عن إنتاج سلع تغذي التكفير والإرهاب والعنف.
بالأمس أفغانستان والعراق، راهنا سوريا ومالي و... فهل ينجو لبنان، والسلفيات فيه مدعومة ومموَّلة من...
"السفير"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق