الأربعاء، 30 يناير 2013

يا شرفاء مصر ارحموا الفلسطينيين ..عبد الباري عطوان


عندما تتأزم اوضاع داخلية في بعض الدول العربية تلجأ اطراف مشبوهة الى البحث عن كبش فداء ضعيف دون سند، وغالبا ما تنطبق هذه الحالة على الفلسطينيين المقيمين فيها، فيتم تلفيق الاتهامات، ونشر الشائعات المفبركة، لتأتي النتائج حملات من التحريض والكراهية، تتطور الى مجازر في معظم الأحيان.
حدث هذا في الكويت، بعد احتلالها من قبل صدام حسين، ودفع الفلسطينيون ثمنا باهظا، رغم ان الغالبية الساحقة منهم (400 الف) كانوا ضد الاحتلال ومع الانسحاب الكامل، وفي العراق تعرضوا لمجازر نفذتها ميليشيات طائفية حاقدة بسبب التهمة نفسها، وتكررت المأساة في مخيم اليرموك السوري، وقبل هذا وذاك في مخيم نهر البارد شمالي لبنان. ولا ننسى طرد العقيد معمر القذافي لهم لمجرد اختلافه مع القيادة الفلسطينية.
وسائل اعلام مصرية، وتلفزيونية على وجه الخصوص، تبث هذه الايام انباء عن تسلل سبعة آلاف من قوات حركة حماس عبر انفاق الحدود المصرية مع قطاع غزة، للقيام بأعمال تخريب في مصر احيانا، وحماية قصر الاتحادية الرئاسي احيانا اخرى، وفتح السجون واطلاق المجرمين في احيان ثالثة.
هذه الاعداد تتناسل وتتضاعف،حسب ادعاءاتهم، بصورة مرعبة وفي اليوم الواحد، وكذلك الدور 'الارهابي' الذي يمارسه هؤلاء الغزاة الحمساويون في ارض الكنانة، لترجيح كفة الرئيس مرسي، وحركة الاخوان عموما، في مواجهة اعدائهم من الليبراليين والعلمانيين الذين ينضوون تحت مظلة جبهة الانقاذ المعارضة بزعامة الدكتور محمد البرادعي.
اختيار حركة حماس، والشعب الفلسطيني من خلالها، اختيار محسوب بعناية، فالحركة اسلامية اخوانية، ومقربة جدا من الحركة الأم في مصر، وتشكل امتدادا لها، وتمثل ذراعها العسكرية في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، ولذلك فإن عملية شيطنتها التي تتم حاليا تلقى بعض التجاوب في اوساط بعض الجهات المصرية الساخطة على الاخوان، وتريد اسقاط الدكتور مرسي الذي يعتبر رأس حربتها.
حركة 'حماس' لا تملك سبعة آلاف مقاتل حتى ترسلهم عبر الانفاق الى ميدان التحرير او قصر الاتحادية، واذا كانت تملك فائضا بهذا العدد الضخم فإن السؤال هو كيف قطع هؤلاء مسافة 400 كيلو متر في صحراء سيناء، وبعد ذلك عبروا القناة الى القاهرة دون ان ينتبه اليهم الأمن المصري؟ واذا كان هؤلاء نجحوا فعلا في خداع هذا الأمن العريق المدرب، ونحن لا نعتقد ذلك، فهذه اهانة لمصر وامنها.
حركة الاخوان المسلمين التي تملك عشرات الملايين من الانصار داخل مصر لا تحتاج الى بضعة اشخاص من حركة 'حماس' المحاصرة في قطاع غزة لحماية القصر الذي يقيم فيه رئيس مصر، كما ان الحركة التي لم ترسل ايا من انصارها لتخريب منشآت مصرية في زمن الرئيس حسني مبارك الذي كان يكن لها عداء وكراهية غير مسبوقة، لا يمكن ان تقدم على اي اساءة لمصر وشعبها في زمن رئيس يودها ويعطف عليها، ويخفف قيود الحصار المفروضة عليها.
' ' '
قبل هذه الحملة المغرضة التي ترمي الى بذر المزيد من بذور الفتنة بين الشعبين الفلسطيني والمصري، افقنا قبل اشهر على اخرى اكثر شراسة تقول ان هناك خطة لتوطين ابناء قطاع غزة في صحراء سيناء، وان حكم الاخوان المسلمين في مصر متورط فيها، وذهب من يقفون خلف هذه الحملة الى حد الحديث عن مليارات تمّ رصدها لتمويل هذه الخطة.
الذين يروّجون لمثل هذه الفتن، ويلعبون على ورقة التوطين، لمعرفتهم بحساسيتها لدى الشعب المصري الذي يقدس تراب ارضه، ويرفض رفضا قاطعا التفريط بذرة منه لاي كان، وهذا امر نكبّره ونجلّه، لا يعرفون ان ابناء قطاع غزة رفضوا رفضا مطلقا الانتقال الى صحراء سيناء، وان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومن منطلق قومي عروبي اسلامي شجعهم على ذلك، عندما اقام مشاريع إعمار فيها لتنميتها اولا، واستيعاب العمالة العاطلة عن العمل من المصريين والفلسطينيين.
الأكثر من ذلك انه رغم الحصار التجويعي الخانق على قطاع غزة الذي استمر حوالى ثماني سنوات، لم يترك فلسطيني واحد القطاع للإقامة في سيناء رغم وجود اكثر من الف نفق تحت حدود الجانبين.
ونذّكر الجميع ان الاسرائيليين عند احتلالهم للقطاع وسيناء بعد حرب عام 1967 (كانت غزة خاضعة للإدارة المصرية) اقاموا معسكرا للاجئين الفلسطينيين على الحدود، نصفه في سيناء والنصف الآخر في قطاع غزة، سمي مخيم كندا، لانه اقيم فوق معسكر للوحدة الكندية في قوات الامم المتحدة التي كانت موجودة في القطاع بمقتضى اتفاقية الهدنة عام 1948، وعندما سحبت قواتها بعد توقيع اتفاقات كامب ديفيد من سيناء كان المطلب الاول لاهالي المخيم في النصف الواقع في الجانب الآخر للحدود مع مصر هو العودة الى القطاع، وهكذا كان بفضل اتفاقات اوسلو، اي لم يفضلوا مطلقا الاقامة على ارض غير فلسطينية تمسكا بأرضهم وقضيتهم، مع تأكيدهم في الوقت نفسه على حبهم لمصر وشعبها وشكرها من اعماق قلوبهم لاستضافتهم طوال تلك المدة.
مسلسل التكريه بالفلسطينيين مستمر وبشراسة منذ توقيع اتفاقات كامب ديفيد، وهو مسلسل لا يفرق بين انصار فتح او انصار حركة حماس، بل انه بدأ قبل ظهور الاخيرة، اي حماس، بعشرين عاما على الاقل.
بعد ذهاب الرئيس الراحل محمد انور السادات الى القدس وتوقيع اتفاقات كامب ديفيد، التي اذلت، وما زالت تذل الشعب المصري، انطلقت اقلام مصرية في شن حملة تحريض مرعبة ضد الفلسطينيين، تركز على انهم ينعمون بالفيلات الفاخرة جدا في الاردن ودول الخليج، بينما المصريون يتضورون جوعا. وفي ذروة حرب الكويت وما بعدها، باشرت الاقلام نفسها او من توارث المؤسسات الصحافية والتلفزيونية بعدها، بتكرار حملة الكراهية هذه بالقول ان الفلسطينيين يغلقون ابواب الرزق في وجه اشقائهم المصريين في منطقة الخليج.
انصار نظام الفساد السابق الذي اطاح به الشعب المصري في ثورته المجيدة هم الذين يقفون خلف جميع هذه الحملات، وعادوا لبث سموم فتنتهم هذه مرة اخرى في ظل حالة الانقسام الحالية التي تمزق مصر وتهدد وحدتها الوطنية، بل وانهيارها كدولة، اذا لم يتم تطويقها بسرعة. ألم يقل هؤلاء ان من فجّر كنيسة القديسين في الاسكندرية وقبل سقوط النظام بأشهر معدودة، جاءوا عبر الانفاق من قطاع غزة، لنتبين بعد ذلك ان الحبيب العادلي وزير داخلية مبارك هو الذي يقف ورجاله خلف تلك المجزرة لتفجير حرب اهلية طائفية في مصر؟
' ' '
ما كنت لأكتب هذه المقالة حول هذا الموضوع لاعتقادي الراسخ ان الشعب المصري اكبر واعرق واكثر وعيا من ان تنطلي عليه هذه الاكاذيب المسمومة، لولا ان زميلة صحافية من صحيفة 'الاهرام' اتصلت بي غاضبة، ومعاتبة، وقالت لي بصوت متهدج انها لم تتصور يوما ان يقدم فلسطينيون على مثل هذه الافعال المنكرة في حق مصر.
فإذا كانت صحافية مخضرمة مثل زميلتي هذه، احبت فلسطين من قلبها مثل كل ابناء مصر، وتظاهرت لكسر الحصار عن قطاع غزة، وحملت المساعدات لأهله المحاصرين، وتعرّضت للاعتداء بالضرب من شرطة الحبيب العادلي، تصدّق مثل هذه الاكاذيب والافتراءات، فكيف هو حال ملايين البسطاء في ارض الكنانة محدودي الثقافة والتعليم الذين تستهدفهم فضائيات واقلام مغرضة ما زالت تحنّ لعودة النظام السابق؟
نحن نحب مصر ونراها القاطرة التي يمكن ان تقود الأمة الى برّ الامان وتخرجها من حال التيه والتبعية التي تعيشها منذ اكثر من قرن، نحب مصر ايا كان حاكمها، لأننا نفرق دائما بين مصر الشعب ومصر الحاكم، فإذا كان جيدا مخلصا محبا لشعبه، فهذا 'نور على نور'، اما اذا كان فاسدا وسيئا فنحن مع الشعب المصري وفي خندقه، ولو بالقلب، للتخلص منه ومن طغيانه وفساده.
الشعب الفلسطيني مع مصر، ويتمنى لها الاستقرار والرخاء، والخروج من هذه الازمة بأقل الخسائر، وكل ما نتمناه ان يرحمنا 'سحرة فرعون' ويرحموا شعبهم قبلنا من فتنتهم وسحرهم الاسود، ونؤكد ان هؤلاء لا يمثلون مصر ولا شعبها الطيب الكريم المعطاء.
Twitter:@abdelbariatwan

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق