ناصر شرارة
طوت أحداث الأسبوع الماضي، نهائياً، ملف إسقاط الحكومة الميقاتية الذي طرحه فريق 14 آذار مخرجاً من تداعيات اغتيال اللواء وسام الحسن. وعكفت مكوّنات فريق 14 آذار، إفرادياً، على مراجعة أحداث الأيام الماضية. والفكرة الأساس التي استنتجتها هي أن ما حصل كان تورطاً في اشتباك سياسي وأمني في غير وقته. في حزب القوات اللبنانية تبدو ملامح الدهشة على وجه رئيسه سمير جعجع أكثر من واضحة.
وينقل مقربون منه أنه عاش لحظات صدمة سياسية لساعات بعد الزيارة التي خصّته بها السفيرة الاميركية مورا كونيللي، في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، للتباحث معه في التصعيد المستجد فوق الساحة اللبنانية. كان لدى كونيللي سؤال استيضاحي عن معلومة لديها أن رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان اتصل بجعجع بعد ساعات من إدلائه بمؤتمره الصحافي الذي أعقب اغتيال الحسن. هزّ «الحكيم» رأسه مؤكداً حصول الاتصال، وقال لها بمرارة: كان عاتباً عليّ، لأنه كان يتوقع مني اتخاذ مواقف أكثر تصعيداً في موضوع المطالبة بإسقاط الحكومة.
علّقت كونيللي: «القطريون أكثر واقعية في سياساتهم من السعوديين. ولأنهم كذلك، بات يمكنهم أن يلعبوا دوراً في لبنان، وحتى في فلسطين. يجب علينا جميعاً إدراك أنه محظور إسقاط حكومة ميقاتي في ظروف عدم توافر بديل لها». وزادت: «كما أنه ممنوع هزّ الاستقرار في لبنان، وضرب الستاتيكو الراهن فيه، في الظروف التي تمر بها المنطقة، خصوصاً في سوريا». وحذّرت من «أن أي طرف لا يستطيع تحمّل مسؤولية نشوء واقع من هذا القبيل».
وتابعت كونيللي: «لا يوجد طرف في الطائفة السنيّة قادر على جمعها بالكامل. وما من طرف قادر على تحمّل نتائج إسقاط الحكومة، ولقد تمنيت على النائب وليد جنبلاط ألا يراهن بكل شيء (يلعب solde) في مقاربة الواقع الحالي». وتوجهت إلى جعجع: «أنت تستطيع الحفاظ على مستوى ظاهري في علاقاتك مع السعودية، ولكن تحت سقف واقعي في السياسة». وختمت كونيللي: «عليك وعلى جنبلاط مقاطعة تهوّر سعد الحريري».
خطة تضليل
عشية زيارة كونيللي لجعجع (يوم الاثنين)، كانت خلية تيار المستقبل السياسية، بقيادة الرئيس فؤاد السنيورة، تعمل لشد معنويات حلفائها السياسيين. وركّز هذا التوجه على دحض تأثيرات الموقف الذي أعلنه سفراء الدول الخمس الكبرى في لبنان، والمؤيد لاستدامة الاستقرار من خلال رفض إسقاط الحكومة، منعاً لحصول فراغ سياسي. وزّع المستقبل على حلفائه تأويلاً مستجداً للموقف الدولي الآنف، تواطأ في تسريبه، داخلياً، دبلوماسيون لبنانيون من 14 آذار في الخارج، وركز على نقطتين: لفت النظر الى تصريح وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، المطالب «بحكومة فاعلة تتخذ إجراءات مناسبة»، بوصفه تصحيحاً واستدراكاً للكلام الدولي المؤيد لبقاء ميقاتي. الثاني رأى أن ممثلة الاتحاد الأوروبي كاترين آشتون لم تقل إنها مع بقاء حكومة ميقاتي، بل إنها مع الاستقرار مع أي حكومة.
بعد ساعات أحبط هذا التأويل، عندما ورد الى المحافل السياسية في بيروت تفسير لكلام كلينتون من مصادر محايدة في واشنطن. يفيد التفسير بأن تصريح كلينتون تقني وليس سياسياً، وأن الشرح الذي زوّدت به كونيللي لتبلغه إلى المسؤولين اللبنانيين، وضمنهم كل من جنبلاط وجعجع، يمثل حقيقة الموقف الأميركي السياسي ممّا يجري في لبنان وارتباطه بالحدث السوري.
خط سليمان ـــ السنيورة
بين زيارة كونيللي لجعجع وورود تأكيدات من واشنطن لموقفها الرافض لإسقاط ميقاتي، حاول الحريري استقطاع وقت سياسي لمصلحة مناورته. ونقطة الارتكاز فيها مطالبة السنيورة رئيس الجمهورية ميشال سليمان بتنفيذ «روحية التفاهم مع الحريري» الذي تمّ خلال زيارته السعودية. ومضمونه أن يدعم سليمان تأليف حكومة محايدة تشرف على الانتخابات في حال برز ظرف سياسي مناسب. وترك السنيورة قصر بعبدا على وعد من سليمان بجس النبض بشأن هذه الفكرة. ولكن حصيلة اتصالاته كشفت عن وجود رفض عارم لها، ليس داخل داخل 8 آذار فحسب، بل أيضاً بين قوى في 14 آذار اتصلت بها كونيللي لحثّها على عدم مسايرة تهوّر الحريري، وفي الأساس جنبلاط.
وبيّنت الاتصالات، على مستوى 8 آذار، وجود موقفين حيال تغيير الحكومة. الأول يشترط، في حال أضيف هذا الموضوع إلى جدول طاولة الحوار، بتّ الاتفاق على قانون الانتخاب في الجلسة نفسها. والثاني، يرى أن ملف تغيير الحكومة غير وارد الآن، ووقته سيكون حصراً بعد إجراء الانتخابات النيابية. وبنظر أصحاب هذا الرأي، فإنه مهما كانت نتيجة انتخابات عام 2013، فإنه سيكون مطلوباً إنتاج حكومة وحدة وطنية برئاسة شخصية توافقية. هذا الطرح يعني أن فريق 8 آذار لم يعد بوارد قبول الحريري رئيساً للحكومة، إلا إذا استتبع ذلك توازن في معادلة الحكم من قبيل أن تقبل 14 آذار بوصول ميشال عون أو سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية.
موسكو تدخل على الخط
وبالعودة إلى كلام لكونيللي أعلنته في إطار تعليقها على الأزمة اللبنانية، فقد أكدت أن المؤشرات ترجّح نجاح باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية، وتوقعت أن تطول الأزمة السورية، لأن مقارباتها أميركياً لن يطرأ عليها تغيير جوهري. وهذا يحتّم الحفاظ على الستاتيكو اللبناني الحالي، وأن على لبنان التعايش معه وعدم هزّه.
من جانب آخر، كشفت مصادر مطّلعة أن كونيللي لم تكن الوحيدة التي أبلغت 14 آذار خطورة الرهان على حدوث متغيرات في الأزمة السورية. فحتى قصر بعبدا وصلته رسالة رسمية من موسكو، خلال الأسبوع الماضي، تشدد على أن موسكو باتت اليوم أكثر تشدداً في ثوابتها تجاه الأزمة السورية. وتوقيت هذه الرسالة له ترجمة عملية واحدة، وهي أن الكرملن لا يوافق على تغيير سياسي في لبنان يستبدل سياسة النأي بالنفس بأخرى معادية لسوريا.
عن الاخبار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق