- زيارة يتيمة قام بها جمال عبد الناصر ليس لقطاع غزة وأهله بل للخطوط الأمامية للجيش المصري بتاريخ 11/4/1955، وباستثناء لقاء في قاعة مدرسة الزهراء الثانوية مع عدد محدد من الناس لم يقم بأي فعالية تذكر، ليخسر بعدها قطاع غزة مؤقتاً عام 1956 ونهائياً عام 1967.. لم تكن زيارة رسمية أو جماهيرية.
- لقاء يتيم أيضاً للملك حسين مع عرفات عام 1996 ولم يكن زيارة رسمية أو جماهيرية.
وعليه فإن زيارة أمير قطر هي الزيارة الرسمية الأولى، ليس فقط منذ سيطرة حماس على القطاع كما يروج البعض أو منذ العام 1967، لكن بالمطلق.
كان موقف دولة قطر وأميرها -منذ البداية- دعم أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، أولاً في وجه العدوان الذي دعت قطر إلى قمة عربية يومها قاطعتها الأنظمة العربية التي تتهاوى اليوم في ثورات الربيع العربي، وقاطعتها السلطة الفلسطينية التي حرّضت على العدوان واستمراره بحسب تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي لم يجرؤ مسؤول فلسطيني واحد على نفيها حتى اللحظة.
بعد ذلك التزمت قطر بإعادة الإعمار، وناصرت الجهود الفلسطينية لكسر الحصار، وزودت القطاع بالوقود لحل أزمة الكهرباء، واستقبلت قيادات فلسطينية غادرت دمشق رفضاً لإجرام النظام هناك، ورعت اتفاق المصالحة، وأخيراً التزمت بوعدها بتنفيذ إعادة الإعمار.
معارضو الزيارة
المعارضون للزيارة فلسطينياً فئتان لا ثالثة لهما:
الأولى: هي السلطة الفلسطينية التي تعتبر نفسها -وبدون وجه حق- الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وعليه يجب أن يتم كل شيء من تحت إمرتها، ربما حتى يكون لها حصة الأسد في أموال إعادة الإعمار ليضيع منها ما يضيع ويختفي ما يختفي، وليتم تحقيق إنجازات من على شاكلة أكبر سدر كنافة وأكبر طبق مسخّن أو مفتول.
الثانية: هي فصائل اليسار التي تعتاش على الراتب الشهري الذي تتلقاه أول كل شهر من السلطة، وهنا نقصد السلطة وليس منظمة التحرير لأن ميزانية المنظمة أصبحت بنداً من ميزانية وزارة مالية فياض، وهو الراتب الذي تلتزم به تلك الفصائل بمواقف السلطة مهما كانت، وإلا قُطع الراتب عنهم، كما حدث بداية هذا الشهر عندما عاقبهم محمود عباس بوقف الراتب لموقف تلك الفصائل من احتجاجات الضفة الغربية الشهر الماضي.
ولتبرير موقفهم من عدم المشاركة في استقبال الأمير القطري، يسوق معارضو الزيارة مبررات واهية ومضحكة في آن، ويتعذرون بحجج لا تقنع أحداً.
حجج معارضة الزيارة
- المبرر الذي ساقته سلطة رام الله هو أن الزيارة تعزز الانقسام وأن للشرعية بوابة واحدة، ولا يجوز "التطبيع" مع حركة حماس، أي أن منطلقهم يعتمد على مبدأ أنهم وحدهم أصحاب القرار الفلسطيني وأنهم وحدهم من يحق لهم تلقي المساعدات، وأنهم وحدهم من يجب التنسيق معهم، وهو الأمر الذي يعني أن يبقى أبناء الشعب الفلسطيني في القطاع ضحية للمناكفات السياسية، وأن يبقى قطاع غزة رهينة لإصرار محمود عباس على إبقاء الحصار، ومن هنا نسأل: ماذا لو كانت زيارة أمير قطر لرام الله، هل كانت لتعزز الانقسام أم كان الحديث يومها عن دعم الشعب الفلسطيني؟
السلطة الفلسطينية التي تروج لزيارة القدس تحت حراب المحتل، والتي تحولت -حسب تصريحات قادة الاحتلال- إلى وكيل سياحي لزيارة القدس، دون حصول المقدسيين على أي دعم من الزيارات التطبيعية التي يطالب بها محمود عباس، تعترض اليوم على زيارة زعيم عربي لقطاع غزة، وتحتج على أمير قطر الذي هاجمته أكثر من مرة كما فعل ياسر عبد ربه بداية العام 2011 وباستهزاء فظ، أو الدعوات المستهجنة التي صدرت بالأمس عن عضو المجلس الثوري لحركة فتح بسام زكارنة!
ورغم كل ذلك حاولت قطر التنسيق مع السلطة ومحمود عباس والتواصل والتنسيق، وهو ما أكدته وكالة وفا الرسمية، لكن الطلب القطري ووجه بالرفض والتعنت.
- سبب آخر ساقه رئيس اللجنة القيادية العليا لفتح في غزة يحيى رباح الذي سبق أن صرّح بأن "حماس لم توجه لنا أي دعوة لاستقبال الوفد القطري، وفي حال وجهت لنا دعوة سندرسها ولا يمكن استباق الأمور"، ليعود ويرفض الدعوة بعد توجيهها لأن فتح في نظرهم أكبر من الجميع، ولا ترى أحداً غيرها حيث قال "إننا في فتح بحجمها ودورها في الساحة الفلسطينية لكونها صاحبة المشروع الوطني، لا تُدعى للوقوف في طابور استقبال، وإنما تدعى للمشاركة في تقرير كل تفاصيل هذه الزيارة من الألف إلى الياء، حيث لا يليق بفتح أن تتواجد فقط لاستقبال الأمير حين نزوله من سيارته. ولذلك نحن رفضنا، وكان يجب على الحكومة القطرية والحكومة في غزة أن تتصل معنا منذ البداية لمشاركتنا جنباً إلى جنب لتوصيف هذه الزيارة وتحديد أهدافها وكيف ستكون، وليس مجرد التقاط صورة عند الاستقبال".
وأضاف "ما من شك أن هذه الزيارة ربما توجه ضربة قوية جداً للمصالحة، وتثير الطموحات والأوهام من جديد"، وهو الأمر الذي يثبت عقلية الإقصاء والسيطرة بل والتفرد التي يعيشها محمود عباس وفريقه، حين يعتبرون أنه وحده دون غيره الذي يقرر مصلحة الشعب الفلسطيني، وهو ما أوضحه رباح في تصريحه السابق بقوله "كان يجب الاتفاق مع الرئيس محمود عباس منذ البداية، واستشارته أولاً، لأنه رأس الشرعية وهو من يقرر أين تقع المصالح الفلسطينية العليا.. كان يجب سؤاله كيف تتم الزيارة"!
- أما أكثر الحجج سذاجة وبلاهة سياسية فهي التي ذكرتها التقارير عن أسباب مقاطعة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وباقي فصائل اليسار من حزب الشعب وفدا وغيرها لاستقبال أمير قطر، وهي أن قطر لها علاقات مع "إسرائيل" وبأنها "خادم للمشاريع الأميركية والصهيونية" في المنطقة. ويكفي هنا أن نقول: لو كان هذا سببكم وعذركم فمن باب أولى أن تقاطعوا من يعتبر "إسرائيل" شريكا وينسق معها ليل نهار، ويعتبر أنها "وجدت لتبقى" وأنه ملتزم "بأمنها"، وعليكم الانسحاب من المنظمة التي تشاركون فيها وهي تعترف "بشرعية" الاحتلال، لا أن تبقوا شهود زور: تعارضون القرارات إعلامياً وتوقعون عليها رسمياً.
- أما اليسار العربي فموقفه من قطر ينطلق من "أسس قومية" بحسب زعمهم، وبأن قطر تدعم "العصابات" المسلحة التي تريد إسقاط محور الممانعة والمقاومة ممثلاً في النظام السوري، وبأن الطائرات الأميركية التي ضربت العراق انطلقت من السيلية والعديد في قطر.
ودون الخوض في التفاصيل التي أشبعناها تفنيداً، نتساءل: لماذا لا يتخذ القومجيون ذات الموقف من النظام السوري الذي شارك بقوات رسمية لضرب وتدمير العراق؟ ولماذا لا نسمع لهم صوتاً لإدانة إيران التي ساهمت وما زالت في تدمير العراق بالاتفاق مع القوات الأميركية الغازية، وهو ما أكدته تصريحات معمميهم؟ والأهم هو أننا نرى موقف قطر من الثورات العربية هو الموقف الأكثر شرفاً وعروبة وقومية من شعاراتهم البالية.
الموقف القطري
ليست المرة الأولى التي تمد فيها قطر يد العون والغوث إلى أشقائها العرب، ونذكر جميعاً يوم أعادت قطر إعمار الجنوب اللبناني عقب مواجهات العام 2006، يومها اعتبر حزب الله والنظام السوري الذي يعادي قطر اليوم أنها الخير والعطاء، واستقبل أمير قطر في الجنوب اللبناني استقبال الفاتحين، وامتلأت شوارع الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية في بيروت بلافتات وإعلانات "شكراً قطر" و"شكراً يا صاحب السمو"، وهي ذات الشعارات التي ترفع اليوم في غزة، ويستهجنها من رفعوها بالأمس.
لم تترك قطر احتياجاً شعبياً عربياً إلا كانت سباقة لسده.. وقفت مع الثورة الليبية بقوة وكانت سبباً رئيسياً في انتصارها، وهو ما يحفظه الليبيون لها. وقفت مع مصر ودعمتها بمليارات الدولارات حفاظاً على اقتصادها، ووقفت وما زالت مع الشعب السوري في ثورته لنيل الحرية والكرامة.
لكن قطر تتحرك بتوجيه واضح من أميرها، وهو الأمر الذي قال عنه د.عبد الستار قاسم إن قطر دولة يقودها أمير مع بعض مساعدين يختارهم هو، لكنه مختلف عن أمراء الخليج الآخرين. وبالتالي:
1- يحمل أمير قطر طموحا يصعب على الكاتب تحديده، فهو ليس مجرد شيخ عربي يحمل كيس الأموال في جيبه ويشيخ على الآخرين بماله وجاهه، وإنما يحمل تطلعات نحو شيء ما لم يفصح عنه هو حتى الآن.
2- يتحدث أمير قطر بمنطق بغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا معه، فهو لا يقف أمام الإعلام يتحدث بكلام غير مترابط أو عشوائي لا قيمة له، وإنما يحمل خطابا فيه منطق وترابط.
3- لدى أمير قطر رؤية نحو المستقبل، وهو يسير ببلاده نحو تحقيقها، لكنها رؤية لا تنفصل عنه هو شخصيا وإنما مرتبطة به، أي أنه لا يقدم فلسفة تشكل نظرية سياسية متكاملة يحملها أتباع له على اتساع الوطن العربي، وإنما لمحات تحمل في طياتها التقدم دون أن تتحرر من رؤيته لتحقيق ما يراه هو الشرف العظيم. ربما يبحث الأمير عن إنجازات كبيرة يدخل التاريخ من خلالها.
4- للعلم قيمة لدى أمير قطر، وقد عمل عبر السنوات على تشجيع التطوير العلمي في مختلف المجالات رغم قصور في تحرير العلوم الاجتماعية من التقليد العربي وبعض الفقه الإسلامي الدخيل على الإسلام.
وأخيرا لسنا ممن ينافق ويبيع المواقف، لكن قطر بمواقفها المميزة والمتقدمة تستحق منا كل الشكر، ولنا فقط أن نتخيل العدوان على غزة أو قبلها مواجهات يوليو/تموز 2006 بدون تغطية الجزيرة المباشرة، والتي ما كانت لتكون إلا بالتوجيه المباشر لقطر الرسمية.
زيارة قطاع غزة اليوم على قصرها -لساعات فقط- سيكون لها ما بعدها، فهي زيارة تتم عبر معبر مصري فلسطيني بحت، دون المرور عبر جيش الاحتلال، كما أنها زيارة تؤذن بكسر الحصار السياسي، ولا شك لدينا أن زيارات أخرى لزعماء آخرين ستتبعها، فأمير قطر فتح الأبواب لمن سيأتي من بعده.
أما أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، فنتمنى أن تكون الزيارة وبرامجها ومشاريعها فاتحة خير لهم، وبداية لنهاية معاناتهم..
مرة أخرى شكراً قطر وشكراً أمير قطر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق