وقال قطب معارض إن النقاش مع الروس رسا على تصورين للتفاوض غير المشروط مع النظام السوري. ويتضمّن السيناريو الأول أن تستقبل موسكو وفوداً من المعارضة السورية والنظام في مرحلة أولى، وأن تتولى مع الوسيط الأممي العربي الأخضر الإبراهيمي إدارة«ديبلوماسية الغرف». ويقوم السيناريو على مفاوضات غير مباشرة، لتحديد جدول أعمال المفاوضات في مرحلة لاحقة، وقاعدته بيان جنيف الذي ينصّ على حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة.
أما السيناريو الثاني، فيجمع ممثلين عن المعارضة السورية، بكل فصائلها، في جنيف أو فيينا مع وفد رفيع من الحكومة السورية يضمّ على الأرجح وزير الخارجية وليد المعلم، ومستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان، ووزير المصالحة علي حيدر، ومستشارين عسكريين وأمنيين.
وفي سياق هذا السيناريو، قال مصدر ديبلوماسي عربي دولي لـ«السفير» إن الروس أقنعوا السوريين بالجلوس إلى طاولة المفاوضات في جنيف، وإن هؤلاء وافقوا على الحضور، وأبلغوا الروس أن وفدهم التفاوضي بات جاهزاً، لكنهم اشترطوا ألا تسمى الجلسات الحوارية الأولى التي قد تعقد في جنيف، بجلسات الحوار الوطني، وطلبوا الاكتفاء بتسميتها باللقاء التمهيدي أو التشاوري للحوار الوطني السوري، على أن تنعقد الجلسات اللاحقة في دمشق تحت عنوان الحوار الوطني السوري وبضمانات دولية.
وتعهد الروس للأميركيين بضمان عدم تدخل إيران في العملية السياسية، وطلبوا منهم الضغط على حلفائهم الخليجيين من أجل انتزاع تعهدات بعدم عرقلة العملية السياسية.
ويبدو، بحسب وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، فقد انتقل التقارب الأميركي ـ الروسي إلى اختيار مفاوضين من النظام، رغم أن فرنسا لم تشارك في اجتماعات الروس والأميركيين سواء في جنيف أو لندن.
وبحسب مصدر ديبلوماسي من الامم المتحدة فقد تمّ تحديد ممثلين للمفاوضات مع الروس والأميركيين في لائحة أنجزتها لممثلين محتملين الدائرة السياسية في الأمم المتحدة، منذ حزيران الماضي.
ووصف المصدر العربي الدولي الذي يواكب محاولات التقارب الأميركي الروسي بأن الأميركيين التزموا محاولة التوصل إلى حل سياسي في سوريا وفق التصور الروسي، دون أن يكونوا مقتنعين فعلاً بوجهة النظر الروسية، التي تدعو إلى الإبقاء على الأسد خلال المرحلة الانتقالية. والحال إن التمسك الروسي ببقاء الأسد لا يعود إلى مجرد تأييد تعسفي أو تعنت في مواجهة المعارضة أو الأميركيين، وإنما إلى اعتبار النظام السوري كتلة واحدة لا فكاك بين عناصرها، والتي يقف الرئيس السوري على قمة هرمها.
والأرجح أن يؤدي مجرد تغيير الرئيس السوري، بنظر الروس، وهو الذي يسيطر على المؤسسة الأمنية والعسكرية، إلى سقوط النظام برمّته. أما التداخل العضوي بين وظيفة الرئاسة السورية وبين الأجهزة العسكرية والأمنية، والتركيبة التي أنضجها خلال أربعة عقود من حكم أمني عسكري يضيّق من هامش أي محاولة لتحييد أجهزة الدولة عن عملية التغيير المطلوبة، وهو محور التقارب الأميركي الروسي، حفاظاً على الاستقرار ما بعد الأسد، وتجنيب سوريا «مصيراً عراقياً»، وفوضى ينظمها الإسلاميون والجهاديون، في سوريا ودول الجوار.
وينقل الديبلوماسي العربي الدولي عن الأميركيين رهانهم أن يتغير الموقف الروسي في مجرى العملية السياسية نفسها، عندما يحصل الروس على الضمانات التي يطالبون بها خلال المفاوضات بين أطراف المعارضة السورية والنظام، وعندما تتضح لهم صورة البديل عن النظام الحالي، ودورهم في تشكيله وقدرته على الوفاء بتلك المفاوضات.
ويقول الديبلوماسي العربي إن الأميركيين لا يفكرون بالتوصل إلى حل سياسي بقدر ما يسعون إلى التخلص من الرئيس الأسد قبل كل شيء، إنهم لا يملكون حتى الآن خريطة طريق مشتركة وذات مصداقية مع الروس. كما أن فريق الوسيط الدولي العربي الأخضر الإبراهيمي لا يزال بعيداً عن تصور خطة جديدة، والتفكير محصور حالياً بإيجاد مخارج لإبعاد الأسد عن السلطة في مستهل العملية السياسية.
وتضاءل دور الإبراهيمي وصوته في محاولات إحياء العملية السياسية منذ زيارته الأخيرة إلى دمشق، وفشل محادثاته مع الأسد، وسلسلة الانتقادات التي وجّهها إلى الرئيس السوري، وتفسيره «الأميركي» لاتفاق جنيف، كل ذلك أضعف موقعه ودوره في الوساطة، ونال من مصداقيته بنظر دمشق التي لم يعد إلى زيارتها منذ ثلاثة أشهر، مكتفياً بتقارير مدير مكتبه فيها مختار لماني.
وطلبت الخارجية الروسية عبر سفيرها في دمشق من المسؤولين السوريين وقف حملات الإعلام السوري ضدّ الإبراهيمي تمهيداً لتفعيل دوره. وقالت مصادر ان الإبراهيمي قام في الساعات الأخيرة بزيارة غير مُعلَنة لطهران، للبحث في دور إيران في حلّ الأزمة.
وعبّر تبادل الانتقادات في اليومين الماضيين، بين الخارجيتين الأميركية والروسية، عن تعثر التقارب الأميركي الروسي حول عقدة تحديد مصير الرئيس الأسد وفقاً لاتفاقية جنيف. وكانت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند قالت إن اتفاقية جنيف «تقضي بتغييرات في هرم السلطة السورية أو إبعاد الرئيس السوري بشار الأسد عن الحكم». ورد نظيرها الروسي الكسندر لوكاشيفيتش قائلاً «إنه تفسير من جانب واحد، يزيد من صعوبة البحث عن سبل إنهاء المواجهة في سوريا في أقرب وقت، وتحويل النزاع إلى مجرى حوار وطني سوري شامل».
وبحسب الديبلوماسي العربي، فإن محاولات فرض حكومة مؤقتة من قبل قطر، قبل انعقاد القمة العربية في 26 من شهر آذار الحالي، تهدف إلى نسف التقارب الروسي الأميركي حول سوريا.
وكشف قطب معارض سوري عن رأي وزير الخارجية الروسي بالدور الذي تقوم به قطر في مواجهة المساعي الديبلوماسية الروسية. وقال المصدر السوري إن لافروف بات ينظر إلى قطر كدولة مارقة، وإنها ستدفع ثمناً غالياً إذا ما استمرت في هذا الدور. ويشعر الروسي أن قطر تتصرّف كدولة غير مسؤولة، وإنها تسعى إلى دعم «الإخوان المسلمين» للإمساك بسوريا، وإنها في سياستها الحالية، تخاطر بتفجير إقليمي واسع.
ونقل المعارض السوري تقييماً متشائماً عن تضافر كل الشروط لتفجير إقليمي واسع، ينتظر الأردن ولبنان وتركيا، إذا لم تتغلب وجهة المعالجة السياسية للحرب في سوريا.
ونقل لافروف للمعارضين السوريين، مخاوف روسيا أن تكون الأزمة قد وصلت إلى لحظة حرجة، وإنها يمكن أن تعبر الحدود السورية قريباً، وأن الدول المجاورة هي دول حليفة لأميركا، وبعضها كالأردن قد يختفي عن خريطة المنطقة إذا ما اتسعت المواجهات في سوريا، وإن لبنان غني عن التعريف بحروبه الأهلية المديدة، وهو ما ينتظره إذا ما انتقلت إليه العدوى السورية. أما تركيا فتخاطر بعودة الصراع إليها وستكون عاجزة قريباً عن الاستمرار في ضبط تدفق السلفية الجهادية التركية نحو سوريا، وسترتدّ عليها عندما يفيض الصراع عن حاجات إسقاط النظام السوري لدى الجماعات الجهادية التي أصبحت الطرف الأقوى عسكرياً على الأرض.
ووفقاً للقطب السوري المعارض فإن الروس قد يلجأون إلى مبادرة جديدة قبل انعقاد مؤتمر الدوحة لا سيما أنهم يتوقعون أن تعزز قطر التوجه نحو المزيد من العسكرة والتسلح.
ويستقبل الروس، في المقابل منذ يومين، وفداً عسكرياً سورياً رفيع المستوى يحمل لائحة بمطالب تسلّح، بعدما قامت موسكو بالبدء بتسليم صفقة من 36 طائرة من طراز «ياك» التدريبية والمعدلة للقيام بمهمات قتالية.
وقال المعارض السوري إن مصير الأقليات في سوريا تحوّل إلى هاجس أوروبي، وإن الدعم غير المشروط للمعارضة السورية قد انتهى، وذلك بسبب عجزها عن احتواء الصعود الجهادي الإسلامي، وإن لوبيات أوروبية وأميركية تضغط لضمان مستقبلها وإطلاق عملية سياسية.
وفي إطار المحاولات لجمع المعارضة والنظام، كشف وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أمس أن مسؤولين فرنسيين وأميركيين يعملون مع الروس على إعداد «لائحة بمسؤولين سوريين تكون مقبولة» للتفاوض مع المعارضة السورية.
وأوضح، خلال كلمة ألقاها أمام لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية، أنه «خلال الأسابيع القليلة الماضية عملنا معاً على فكرة لم تتبلور بعد، تقضي بإعداد لائحة بمسؤولين سوريين تكون مقبولة من الائتلاف الوطني السوري» المعارض، مشدداً على أن رئيس الائتلاف أحمد معاذ الخطيب سبق أن أعرب و«بشكل جريء جداً» عن استعداده للتفاوض. وأضاف «ناقشنا هذا الأمر مع الروس والأميركيين... وهناك اتصالات تجري حالياً للتوصل إلى حل سياسي في إطار اتفاق جنيف».
وعاد فابيوس وأكد موقف بلاده، وبالقول إن فرنسا وبريطانيا تدعوان إلى «تخفيف الحظر المفروض على السلاح»، مضيفاً «ليس سراً القول إن فرنسا تفكر بالذهاب أبعد في مجال رفع الحظر... نعتقد أنه الموقف الصح. وخلال الأيام المقبلة ستكون هناك إجراءات في هذا الإطار».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق