في بيروت، سوف يشهد اللبنانيون المعركة بأدوات جديدة. البديهي، نكتة سمجة، اسمها انتظار الموقف النهائي للنائب وليد جنبلاط لمعرفة مكان تموضعه. على اعتبار أنه في حال قرر تسمية مرشح لرئاسة الحكومة بالتعاون مع 14 آذار، نكون أمام مواجهة تتجاوز ما عرفه اللبنانيون بين حزيران 2006 وحزيران 2008. وإذا قرر جنبلاط البقاء في موقعه الحالي، فهو يعرف أن البلاد سوف تكون أمام مرحلة جديدة من الحصار الأميركي ـــ الأوروبي ـــ الخليجي على لبنان. وبالتالي، سوف نكون أيضاً أمام جولة جديدة من العنف الأهلي المتنقل الذي تتدرب عليه قوى 14 آذار منذ إخراجها من الحكم قبل نحو عامين. أما الخيار الثالث، فهو محاولة من جانب جنبلاط لأن يضع أصواته مع نجيب ميقاتي بعهدة رئيس الجمهورية، الذي سيحاول التفاهم مع الرئيس نبيه بري على صيغة من اثنتين: إما حكومة وحدة وطنية تتسلّم الحكم ولا تحكم، لكنها تؤجل الانفجار. أو صيغة حكومة بلا هوية سياسية ويقتصر برنامجها على إمرار الوقت، حتى تتمظهر الصورة الجديدة للأزمة السورية. لكن مشكلة الخيار الأخير، أي الذهاب نحو الوسطية، في أن ما هو مطلوب الآن، أميركياً وأوروبياً وخليجياً من لبنان، سوف يلزم الجميع بمواقف من شأنها تفجير أي تركيبة حكومية جديدة.
ولهذه الأسباب، من المفيد أن يتعود اللبنانيون على مرحلة تصريف الأعمال، وهي تعني احتمال البقاء من دون حكومة، وتمديداً للمجلس النيابي وترك المؤسسات الناشطة أمنياً وعسكرياً ومالياً في وضعها الراهن. لكن الذي سيتعرف عليه اللبنانيون هو المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، والمزيد من التوترات السياسية والأهلية ذات الخلفية السياسية والمذهبية والاقتصادية. وسوف يكون اللبنانيون أمام سؤال كبير عندما يقترب رقم النازحين السوريين الى لبنان من مليوني إنسان.
سوف يحصل ذلك، في ظل انطلاقة المرحلة الجديدة من الحرب العالمية ضد سوريا. والتي ستكون القمة العربية في قطر عنوانها الافتتاحي. حيث نجح المحور الأميركي ـــ الأوروبي ـــ التركي ـــ الخليجي، في التقدم خطوة الى الأمام على صعيد جر العالم الى جولة جديدة من العنف والفوضى، تحت عنوان انتزاع سوريا من حكم بشار الأسد قطعة قطعة. ولهذا، فإن من يقف خلف هذا القرار لم يعد يهتم بأي شكليات تخص واقع المعارضة السورية المرتهنة بقسم كبير منها لهذا المحور. فليزعل معاذ الخطيب وليستقل، فليحرد ضباط ومقاتلون من الجيش الحر، وليصرخ المعارضون المحتجون أينما يريدون في الصحف أو على الشاشات. لكن المهم، كما أظهرت الأيام القليلة الماضية أن القرار الجديد يتطلب الآتي:
ـــ إعلان الاستنفار العام سياسياً وأمنياً في كل الجوار السوري، من الأردن الى لبنان الى العراق الذي تعدّ له جولة جديدة من «الحراك الشعبي» الهادف الى إرباك الحكم هناك.
ـــ الانتقال في عملية رعاية المسلحين من تركيا الى مستوى جديد يقوم على فرض قيادة أمنية وعسكرية ونوعية جديدة من التسليح مع قدر أعلى من التدخل في عمل المجموعات المسلحة من قبل هذه العواصم التي تضع الآن هدفاً مركزياً اسمه احتلال كامل مدينة حلب وريفها، والسيطرة على مدينة إدلب تمهيداً لإعلان الدولة السورية الجديدة في هذه المنطقة الشمالية.
ـــ فرض أمر واقع على العالم من خلال واجهة اسمها الحكومة الانتقالية، وفي ظل استسلام غير مسبوق من قبل القوى الإسلامية السورية بشقيها الإخواني والسلفية للقيادة الخليجية، وتواطؤ القيادات المدنية في المعارضة التي باتت أشبه بفرقة موسيقى تديرها جهات استخبارية. والانتقال تدريجاً نحو جعل هذه السلطة قادرة على طلب العون بكل أشكاله، وصولاً الى تجربة شبيهة بليبيا لناحية استقدام قوات وخبرات غير سورية تعمل في السر، لكن تحت اسم المجموعات السورية.
ـــ تهديد حلفاء النظام السوري، سواء في العراق أو في إيران أو في لبنان، بتمويل أكبر الحروب الأهلية العبثية لأجل إشغال هذه القوى، ما يحول برأي «عواصم التقسيم» دون توافر عناصر دعم إضافية لحكم الأسد.
ما يعدّ له المتآمرون على بلاد الشام في قمة الدوحة، هو في الحقيقة «المقامرة الكبرى»، حيث ينظم شيوخ الخليج ومعهم دول وعواصم عربية وغربية جريمة العصر، من خلال إطلاق عملية التقسيم ضمن استراتيجية القضم.
الجديد، هو أنه على الجميع، ألا يفاجأ هذه المرة، بتشكل جبهة تحاصر محور المقاومة، وتتحالف فيها علناً، إسرائيل مع المحور التركي ـــ الخليجي وبرعاية أميركية وأوروبية، وذلك تمهيداً لاستعادة الاستعمار حلمه التاريخي، بإعادة عقارب الساعة مئة سنة الى الخلف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق