قبل الظهر، التقى ميقاتي الرئيس نبيه بري، متحدثاً عن الاستقالة. سأله رئيس المجلس: هل لديك سيناريو كامل لحل ما بعد الاستقالة؟ فرد ميقاتي بالنفي. تحدّث عن عدم قبوله عدم التمديد لريفي. وجد فيه بري إصراراً على ترك السرايا، فلم يناقشه كثيراً.
استقال ميقاتي. لا أحد من السياسيين مقتنع بأن استقالته أتت بسبب عدم التمديد لريفي. القصة، بحسب مصادر سياسية متقاطعة بدأت بزيارة الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني لبنان. حمل الاخير معه رسالة واضحة: على حزب الله أن يختار بين الحكومة وسوريا.
لاحقاً، توالت الرسائل الأميركية. السفيرة مورا كونيلي كانت تجول على المسؤولين اللبنانيين، وخاصة بعد اتهام بلغاريا لحزب الله بالضلوع في تفجير بورغاس، قائلة إن على الحزب الخروج من الحكومة. وكانت الرسالة اكثر وضوحاً في زيارة نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية لورانس سيلفرمان إلى بيروت: الانتخابات في موعدها، وحزب الله خارج الحكومة.
على هذه الخلفية، بادر الرئيسان ميشال سليمان ونجيب ميقاتي إلى الهجوم، من باب تطبيق قانون الستين. هدد سليمان بتعطيل الحكومة إذا لم تُؤلَّف هيئة الإشراف على الانتخابات. وفيما كان البحث جارياً لتمرير التمديد لقائد الجيش ومدراء الأجهزة الأمنية عبر مجلس النواب، فاجأ ميقاتي الجميع بنقل هذه المعركة إلى مجلس الوزراء، مع التهديد بالاستقالة إذا لم يكن له ما يريد. وبحسب مصادر سياسية في فريق الثامن من آذار، فإن فريق 14 آذار وميقاتي والنائب وليد جنبلاط يريدون الحصول على التمديد لريفي، من دون دفع أي ثمن. فالرئيس نبيه بري عرض عقد جلسة نيابية يُقر فيها قانون للانتخابات والتمديد لقادة الأجهزة، لكن طالبي التمديد رفضوا. وترى المصادر أن هذا الرفض هو نتيجة قرار أميركي وسعودي بعدم منح حزب الله وحلفائه أي قانون انتخابي يتيح لهم العودة إلى السلطة بعد استقالة الحكومة. وفي رأي المصادر ذاتها، فإن «الأمر أخطر من قانون انتخابات وتمديد، بل هو قرار باستعمال لبنان في ساحة الصراع السورية، ربطاً بالمعركة الكبرى التي يجري الإعداد لها في الشام».
لا يبدو من كلام مسؤولي قوى 8 آذار أمس أن لديهم خطة للمستقبل. والنقاش لم يبدأ بعد. يستغرب الوزير علي حسن خليل ما جرى. يقول: «لو أننا عرضنا إقالة ريفي من منصبه، لكنا قد تفهمنا موقف ميقاتي. ولو أن الاخير عرض تعيين ضابط جديد في الامن الداخلي وفرضنا اسماً آخر، لكنا قد تفهمنا موقفه، لكن لا يجوز ان يكون عمل الحكومة بهذه الطريقة، ما «في شي بيحرز» استقالة الحكومة، وعدم ترك أي مجال للنقاش».
احد زملاء الوزير خليل من الفريق السياسي ذاته يبدو مرتاحاً. يقول: «ارتحنا من هذا القرف. تحمّلنا إلى الحد الأقصى، ولن نقبل الابتزاز بعد اليوم». العبارة الأخيرة تلخص حال حزب الله. يرى الوزير أن قرار ميقاتي «مبنيّ على التزام لبندر بن سلطان بإبقاء ريفي في موقعه». يؤكد أن «الأزمة لا تزال في أولها، وفي كل يوم ستخلق لنا أزمة جديدة: الاستشارات. الوضع الأمني الفالت أصلاً. ملف النازحين السوريين الذين بلغ عددهم نحو مليون و150 ألف نازح. نحن الآن على الأقل نتواصل بعضنا مع بعض. ابتداءً من اليوم، سنترك الملف للجمعيات السلفية وتلك التي لا نعلم عنها شيئاً».
تكتل التغيير والاصلاح لم يفاجأ باستقالة ميقاتي. ولفتت مصادر في التكتل الى انه لم يكن وارداً مطلقاً ان يوافق التكتل على اي من البندين، وعلى الخضوع للابتزاز ولو ادى ذلك الى استقالة الحكومة. وذكرت ان التكتل وحلفاءه في قوى الاكثرية أعدوا خططاً بديلة ولديهم ما يمكن التعامل معه من الآن فصاعداً، لكن حلفاء التكتل لا يعترفون بوجود خطة: الامر بيد وليد جنبلاط، يقول سياسي رفيع المستوى في فريق 8 آذار، متوقعاً ان تكون إجابة جنبلاط هذه المرة: «أدّيت قسطي للعلى في حكومة ميقاتي الماضية. اليوم، انا في حل من تعهدي لكم».
بدورها، ترفض مصادر جنبلاط الإجابة عن موقفه في الاستشارات النيابية المقبلة: «بعد بكّير». تنفي وجود أي خلفيات إقليمية ودولية لاستقالة ميقاتي: «الرجل لم يعد يحتمل. صار كل هدفه تأمين عودته إلى منزله في طرابلس. إلى هذا الحد تواضعت طموحاته. لا يجوز ألا يكون مسموحاً له بالقيام بأمر بسيط كالتمديد لريفي، وهذا ما قصم ظهر البعير».
في الأوساط السياسية امس، جرى الحديث عن إمكان لجوء قوى 8 آذار إلى الهجوم، من باب عقد جلسة تشريعية تقر اقتراح اللقاء الأرثوذكسي. وتؤكد مصادر في هذا الفريق وجود فتاوى قانونية تجيز لمجلس النواب التشريع في ظل حكومة مستقيلة، لكن مصادر بري تنفي أن يكون هذا الأمر محسوماً، لافتة إلى كونه لا يزال قيد الدرس. وعن البحث في أسماء المرشحين لرئاسة الحكومة المقبلة، تجزم مصادر 8 آذار بان البحث لم يبدأ بعد، لافتة إلى ان ميقاتي يطرح اسمه كمرشح، «لكن من الصعب علينا العودة إلى تسميته، رغم ان جنبلاط يدفع بهذا الاتجاه».
اليوم، سيتوجه ميقاتي إلى قصر بعبدا لتقديم استقالته الخطية إلى رئيس الجمهورية. وسليمان الذي كان أمس يريد التوجه برسالة متلفزة إلى اللبنانيين وعدل عن ذلك، سيقرن الدعوة إلى الاستشارات النيابية بدعوة طاولة الحوار للانعقاد. وتؤكد مصادر سليمان أن الأزمة الحكومية لن تنعكس امنياً على الأرض، «لأن الموقف الدولي يدعم الاستقرار في لبنان».
وتعليقاً على استقالة الحكومة، رأت مصادر كتائبية مطلعة ضرورة أن تأخذ العملية اليوم مسارها الديموقراطي البرلماني، وان يدعو رئيس الجمهورية الى استشارات سريعة، ويكلّف رئيسا جديدا تأليف الحكومة. وقالت إن استقالة الحكومة مطلب مزمن لدى قوى المعارضة منذ تأليفها، مع تقديرنا لمحاولات الرئيس ميقاتي، لكن استقالتها تفسح المجال امام تأليف حكومة انقاذية للاحاطة بمختلف التطورات المقبلة، واقلها ما يجري اليوم في طرابلس، ولا نعرف اذا كان تأليف حكومة يعيد انتاج قانون انتخابي ويمهد لإجراء انتخابات، لكن اهم شيء هو عدم حصول انفجار امني. واشارت الى ان الاستقالة لم تأت بناء على طلب من ١٤ اذار، ولا للأسباب التي اعلنها ميقاتي، اذ كان هناك اسباب اهم ولم يستقل ميقاتي، لكنّ الاسباب الحقيقية هي عدم قدرة الحكومة على الحكم، وعلى حفظ الاستقرار وضبط تداعيات الاحداث في سوريا.
من جهته، قال رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط إن القضية ليست قضية المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء اشرف ريفي «بل حماية جهاز امن قام بعمل جبار»، لافتاً إلى انه «لمّا لم يستطع ميقاتي المحافظة على هذا الجهاز، استقال».
وأكد «أنه ليس هناك فخ، واذا كان الموضوع يتعلق بالمحكمة الدولية فإننا نقول إنه صدر في القرار الاتهامي أن بعضاً من «حزب الله» من المتهمين قد يكونون مذنبين، وقد لا يكونون، وليتفضلوا ويذهبوا الى المحكمة الدولية ليدافعوا عن أنفسهم».
بدوره، قال رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة «إننا وصلنا الى مرحلة اصبح متعذرا فيها الالتزام بالموعد الدستوري للانتخابات النيابية، وبالتالي استقالة الحكومة تفتح الباب لعودة الحوار وتأليف حكومة جديدة».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق