حملت زيارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، للأردن، رسالتين: «طبّعوا مع نتنياهو، وحاصروا الأسد». في الرسالة الأولى، الأقلّ أهمية، جادل الأردنيون، وزير الخارجية، جون كيري، في أولوية وقف الاستيطان قبل التطبيع؛ فمن وجهة النظر الأردنية، يحول استمرار الاستيطان في الضفة الغربية دون حل الدولتين، ويرتّب على الفلسطينيين خسارة مشروعهم، ويحمّل أعباءه الديموغرافية والسياسية للأردن.
على كل حال، ففي ضوء تجديد الدعم الأميركي المطلق للاحتلال الإسرائيلي وسياساته إزاء الضفة والفلسطينيين، فلا يوجد ما يفعله الجانب الأردني مع الإسرائيليين، اللهمّ إلا التنسيق بشأن سوريا. وهو ما أرادته واشنطن، بالضبط، من تطبيع العلاقات بين تل أبيب وأنقرة.
الرسالة الثانية، إذاً، هي الأهم. وإذا كان أوباما لم يستطع انتزاع موقف سياسي أردني بضرورة تنحي الأسد، فإن التفاهمات الأخرى بشأن سوريا كانت قد بدأت، سراً، قبل زيارة أوباما التي قصدت، أساساً، إبلاغ الملك الأردني الاعتراف بإصلاحاته السياسية، مقابل تعزيز الترتيبات الخاصة بتدريب وتسليح مقاتلين سوريين من المعارضة «غير الإرهابية»، وكذلك البحث عن صيغ ميدانية للتدخل الإنساني في جنوب سوريا.
الصيغة العامة التي طرحها أوباما حول الشأن السوري بالغة الغموض؛ إنه يخشى أن «تتحول سوريا إلى ملجأ للإرهابيين الذين يستغلون الفوضى في هذا البلد»، وهذه المقاربة إما كاذبة أو ساذجة؛ (1) ذلك أن تدريب المعارضين السوريين وتسليحهم ليسا سوى عملية تصب في الفوضى السورية، وليس العكس؛ فلن يكون بإمكان أولئك المعارضين، لا الآن ولا في المستقبل، تحقيق انتصار على الجيش العربي السوري وحلفائه الإقليميين والدوليين، إلا إذا حدث تدخل عسكري خارجي واسع النطاق من الواضح أنه ليس مطروحاً على الأجندة الأميركية في المدى المنظور، (2) إن التداخل العَقَدي والميداني بين المقاتلين التابعين للجيش الحر والإخوان المسلمين المعتبرين «معتدلين»، ومقاتلي «جبهة النصرة» التكفيرية الإرهابية، أكبر وأعقد من أن تنجح أي عملية جراحية تستهدف الفصل بين الطرفين. وفي الواقع، فإن «جبهة النصرة» هي الأقوى بين أجنحة الجماعات المسلحة السورية، تنظيماً وتدريباً ومالاً وانتحاريين. وهي تتمتع، فوق ذلك، بالقدرة العَقَدية على اجتذاب عناصر التمرد الطائفي المذهبي. ولكل ذلك، لا يستطيع أحد أن يضمن عدم انضمام المقاتلين المدربين في تركيا والأردن إلى مقاتلي «النصرة». واشنطن، في الواقع، تدعم الإرهابيين. والحق أنها تغطّيهم، اليوم، سياسياً؛ فهي لم تدن قيامهم، الأسبوع الفائت، باستخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين في حي يسيطر عليه الجيش العربي السوري، كما أنها لم تدن التفجير الإرهابي الأخير في مسجد الإيمان في دمشق، والذي راح ضحيته العلامة محمد سعيد رمضان البوطي و49 من المصلين معه. وأخيراً، فإنه من غير المفهوم كيف يمكن أن يؤدي تسليح المعارضين السوريين لهزيمة الجيش النظامي «إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية»، كما يقول الأميركيون.
لاحظ الجانب الأردني، بوضوح، أنه ليس لدى الإدارة الأميركية، استراتيجية متكاملة حول سوريا، سوى تكتيكات مرحلية هدفها تحسين شروط التفاوض مع الروس الذين يصرّون، بعكس الأميركيين، على حلّ في ظل الأسد؛ فماذا إذا عُقدَت الصفقة الأميركية ـــ الروسية، وتُركَت عمان لمصيرها؟
إن تسليح المقاتلين السوريين وتدريبهم على الأراضي الأردنية، سوف يقود البلد، شاء أو أبى، إلى التورّط في تسهيلات مقصودة أو غير مقصودة للقوى الإرهابية التي ستتوسع باتجاه الأردن، في حالتي انتصار النظام السوري أو هزيمته، كما أن المزيد من العمليات القتالية في جنوب سوريا، سوف يؤدي إلى تحمل المملكة، أعباء المزيد من اللاجئين (الحاليين بحدود المليون والمحتملين بحدود المليونين). وهو عبء ديموغرافي وسياسي واقتصادي وأمني لا ينفع معه مئتا مليون دولار. أما فكرة التدخل الإنساني في جنوب سوريا، فهي بلا معنى من دون التورّط في الحرب. وهذا مستبعد. وتظل أسوأ نتيجة لنصف الانقلاب الأردني على دمشق، تتمثّل في خسارة تطوير العلاقات الاقتصادية مع العراق وروسيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق