رأى المفكر الفلسطيني عزمي بشارة في محاضرة ألقاها في الجامعة الاميركية في بيروت - قاعة عصام فارس حول الذكرى 61 للنكبة ان حق العودة قضية لا تصلح للتفاوض والمفاوضات الجارية الآن لا تهدف الى حل للقضية الفلسطينية بل غايتها سلام منفرد بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
وأكد ان قضية فلسطين ليست قضية تخص الفلسطينيين وحدهم بل هي قضية عربية بالدرجة الاولى وقال: ان اسرائيل تريد من العرب الارض والاعتراف بها وأوضح ان البعض ينظر الى ان الطريقة المصرية في مقاربة الصراع مع اسرائيل بأنها نموذج يمكن ان يحتذى به وهذا امر في غاية الخطورة.
واعتبر بشارة ان محاولة تهميش ذكرى النكبة هي بالتركيز على الحديث عن تحرير الاراضي المحتلة في عام 1967 والابتعاد عن فكرة تحرير الاراضي المحتلة في عام 1948.
وقال: نحن انتصرنا على العدوان الاسرائيلي في حرب 2006 وحرب غزة ووصف السجال الدائر حول خيار الدولة العلمانية في فلسطين وخيار الدولة الثنائية القـــوميـــة او الدولة الواحدة بأنه نقاش خاطئ.
وفيما يلي أبرز ما جاء في المحاضرة التي دعا اليها «النادي الثقافي الفلسطيني في الجامعة الاميركية».
بعد تقديم من سيرين سعد الدين تحدث بشارة فقال: شهدت أروقة هذه الجامعة قبل نحو ستين عاما الكلمات الاولى لكتاب قسطنطين زريق «معنى النكبة» ثم كتابه الثاني «معنى النكبة مجددا» لكن جميع الذين عاشوا النكبة حينذاك لم يفكروا قط في اننا سنبقى واحدا وستين عاما خارج فلسطين وان النكبة ستستمر طوال هذه المدة لكن الاسرائيليين ايضا لم يفكروا البتة في اننا سنكون موجودين بعد واحد وستين عاما اخرى ومن سخريات الايام ان بعض الرؤساء العرب لا يخجلون من تهنئة اسرائيل بذكرى «استقلالها» الذي هو يوم نكبة للفلسطينيين لهذا لابد من التشديد على اهمية إحياء هذه الذكرى في مواجهة المحاولات الدائمة لتهميشها وإغفالها او حتى نسيانها.
القضية عربية
ورأى بشارة ان احد وجوه تهميش ذكرى النكبة هو التركيز على تحرير الاراضي التي احتلت في سنة 1967 والانصراف عن فكرة تحرير الاراضي التي احتلت في سنة 1948، وقال: ان قضية فلسطين ليست قضية الفلسطينيين وحدهم بل هي قضية عربية بالدرجة الاولى فالصهيونية في الاساس مشروع سياسي لليهود لكن الاستعمار البريطاني تبناه وكان الهدف والمستهدف معا هو العرب وتخوف المحاضر من تشويه النفوس في هذه الايام لا من تشويه التاريخ فتشويه التاريخ يمكن دحضه والرد عليه لكن تشويه النفوس أمر صعب ومن مظاهر تشويه النفوس ان يعتقد اللبناني ان لا علاقة له بفلسطين وان يعتقد السوري ان قضيته هي الجولان فحسب وان يعتقد حتى الفلسطيني ان قضيته هي قضية اراضي 1967 فقط وهذا الاعتقاد امر خطير جدا فهو ينسي اراضي 1948 ويؤسس على ذلك هويات مشوهة فلا عجب ان تظهر في هذا السياق هويات فينيقية أو بابلية أو فرعونية وهذا يعني اننا نتدهور من القضية القومية الى الهويات الطائفية والمذهبية.
واعتبر بشارة ان الرئيس أنور السادات حينما تبنى في سنة 1974 قرار «الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني» والمقصود منظمة التحرير الفلسطينية انما كان يفعل ذلك في مواجهة الاردن واستعدادا للانخراط في التسوية التي أوصلت الى كامب ديفيد اي ليس لتحرير فلسطين بل لتحرير مصر من القضية الفلسطينية مع ان لقرار العرب بشأن منظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين وجها ايجابيا من حيث التأكيد على الهوية الوطنية في مواجهة الصهيونية التي أرادت نفي هذه الهوية.
واعتبر ان حق العودة قضية لا تصلح للتفاوض وما يجري اليوم من مفاوضات لايهدف الى حل القضية الفلسطينية بل غايته التوصل الى سلام منفرد بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وأوضح انه في هذا الميدان لا يتحدث عن خطاب يميني أو يساري متطرف أو معتدل بل يتحدث بلغة النضال الوطني ضد الاستعمار العنصري وتساءل: لماذا بعد واحد وستين عاما لم تحل قضية فلسطينيين مع ان جميع حركات التحرر في العالم انجزت مهماتها؟ وأجاب: لأن قضية فلسطين واقعة عند تخوم المسألة اليهودية وهي لدى الغرب مجرد هامش على المتن أي على المسألة اليهودية والمسألة اليهودية نشأت في سياق تشكل الهويات في أوروبا وتعريفها لذاتها هذه الهويات التي تحددت بالمواجهة مع الآخر من الداخل أي اليهودي ومع الآخر في الخارج أي الاسلام.
وقال شارحا: ان اوروبا لم تكن تسمح لليهودي بالاندماج أما الصفقة التاريخية فمضمونها ان هذا اليهودي كي يصبح أوروبيا عليه الخروج من اوروبا وبهذا المعنى تصبح اسرائيل قطعة من اوروبا لكن في الشرق اي امتدادا للاستعمار الاوروبي وذات هوية قومية معاكسة لهوية المنطقة العربية ومن هنا يأتي انشغال العالم بقضية فلسطين هو انشغال بالمسألة اليهودية أساسا أي بذلك الاوروبي الخارج من اوروبا التي تذبحه في الداخل وتتضامن معه في الخارج.
المفاوضات
وحدد بشارة الاهداف الجوهرية لإسرائيل اليوم اي بعد واحد وستين عاما على قيامها فقال انها تريد الاراضي ونيل الاعتراف من العرب ووقف الحرب معهم كما حصل مع مصر وبهذا التطلع هي مستعدة لتوقيع سلام معهم ورأى ان الطريقة المصرية في مقاربة الصراع مع اسرائيل صارت نموذجا يحتذى لدى العرب الرسميين وهذا أمر في غاية الخطر وأعاد التذكير بأن ازالة آثار العدوان كانت شرطا للشروع في التفاوض مع اسرائيل وليس شرطا لتدشين السلام معها اي ان العرب آنذاك ولاسيما بعد لاءات الخرطوم في سنة 1967 كانوا يقولون لإسرائيل: عليك ان تنسحبي من الاراضي المحتلة في سنة 1967 كي نفاوضك وليس كي نقيم سلاما معك، واستطرد قائلا: لقد حان الوقت للكلام عن «واجب» الشعوب في مقاومة الاحتلال وليس على «حق» الشعوب في مقاومته ان واجبها هو المقاومة. وسأل: هل يمكن الحديث عن قضية فلسطين من غير الكلام عن قضية اللاجئين؟ وأجاب: ان العودة مرتبطة بمشروع التحرير وانتزاع حق العودة بالتفاوض أمر مستحيل وفي هذا المجال تطرق بشارة الى مصير لاجئي العراق ومخيم نهر البارد وتخوف من ان اخراج اللاجئين من عملية صنع القرار سيحول القضية الى جلسات تفاوض وورش عمل لا أكثر. وأكد انه اذا لم تحل قضية اللاجئين فإن المخيم الفلسطيني سينفجر، فالناس تموت والحقوق تموت أما عملية السلام لدى أصحابها فلا تموت أهذا ما يريده العرب؟ أيريدون ألا ينتج المخيم الا الارهاب والتطرف والهجرة؟ في هذه الحال ستتلاشى الوظيفة التاريخية للمخيم.
ذرائع واهية
ورفض بشارة تحميل القضية الفلسطينية وزر الاستبداد العربي. وقال: من تناسى النكبة هم العرب الذين أقاموا أنظمة استبدادية وفاسدة متذرعين بالقضية الفلسطينية وميزانيات الحرب وليس صحيحا ان هذه الانظمة صارت استبدادية لأنها لم تتمكن من تطوير بناها ومؤسساتها جراء الاستنفار الدائم في وجه اسرائيل واكثر طرف متصل بقضية فلسطين هو اسرائيل، فلماذا تمكنت اسرائيل من تأسيس ديمقراطية من طراز خاص. وطورت هوية لها ولغة وأقامت مؤسسات واقتصادا مزدهرا؟
وأضاف: ان الحرب الوحيدة التي خاضها العرب كانت الحرب ضد ايران التي خاضها العراق بدعم من معظم الدول العربية لاسيما الخليجية وفي هذه الحرب سقط مئات آلاف الشهداء بينما راح هؤلاء العرب أنفسهم يهولون علينا سقوط ألف شهيد في لبنان أو في غزة معتبرين ذلك تدميرا لبلداننا وإبادة لشعوبنا.
وأكد بشارة ان الانظمة العربية بهذه الذرائع تريد ان تقول انها لا تريد الحرب مع اسرائيل وهي جميعها بلا استثناء تمنع المقاومة الفلسطينية من أراضيها وعبر حدودها.
حوار
وبعد ان انهى بشارة محاضرته جرى نقاش بين الحشد الطلابي والسياسي الذي حضر المحاضرة وبينه تناول مختلف المستجدات على الساحة الفلسطينية وموضوع المقاومة وملف التسوية في المنطقة وتلخصت ردود المحاضر على كل هذه التساؤلات بأن اسرائيل ليست مشرفة على الهزيمة اطلاقا مشيرا الى اننا لم ننتظر على اسرائيل لا في حرب تموز عام 2006 في لبنان ولا في حرب غزة الاخيرة. وقال: لقد انتصرنا على عدوانها وهزمنا عدوانها لكننا لم ننتصر عليها حتى الآن وقارن بشارة بين خطاب بعض القادة العرب في عام 1966 وخطب البعض الآخر اليوم فأوضح انه في عام 1966 كان البعض يتحدث عن ازمات اسرائيل ومشكلاتها وكأنها ستنهار في أية لحظة لكنها في عام 1967 اجتاحت اسرائيل ثلاث دول عربية وهزمتها واليوم ثمة لغة «انتصارية» غير جدية وغير دقيقة وغير علمية وعلينا ان نفهم خصمنا بدقة. وقال: ان الشعب الفلسطيني غير قادر بالمقاومة على تحرير فلسطين لأن التحريرمهمة عربية متضافرة بل مشروع عربي متكامل ومهمة الفلسطينيين وحدهم وفي غياب هذا المشروع لابد من التصدي لإسرائيل وإبقاء قضية فلسطين ماثلة في السياسة وإنهاك الكيان الاسرائيلي والبرهان ان الانتصار ممكن في نهاية المطاف، الانتصار مع العرب وليس من دونهم.
وأشار بشارة في ختام المحاضرة الى انه ليست وظيفة المستعمر عرض الحلول على المستعمر وليس على الشعب الفلسطيني ان يقترح حلولا سياسية الا قبيل التحرير لأن أي حل إنما هو حل مؤقت وقابل للتغيير والتعديل بحسب المراحل المتغيرة والمتبدلة.
ووصف السجال الدائر حول خيار الدولة العلمانية في فلسطين أو خيار الدولة الثنائية القومية أو الدولة الواحدة بأنه نقاش خاطئ لأن على حركات التحرير الوطني ان تعرض برنامجا ديمقراطيا وكفى وليس عليها ان تعرض حلولا على المحتل، فهذا الأمر يستدرجها الى مصيدة صناعة الحلول وصوغ المبادرات.