قاسم قاسم
جمع الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، قادة المقاومة. أبلغهم التوجه الجديد القديم. إرسال أسلحة نوعية وبكميات كبيرة الى «حماس» مع «منع الحديث السياسي» بين الطرفين. أعلن نصر الله ذلك بعد زيارة القيادي في «حماس» عماد العلمي إلى طهران. زيارة العلمي كانت لترطيب الاجواء بين الحركة والجمهورية الاسلامية والتأسيس لعلاقة جديدة بينهما. وكانت خلاصتها طلب إيران «فتح اوتوسترادات اسلحة ومال» الى غزة. القادة الحمساويون تبلغوا التوجه الجديد، لكن بقي الامر ضمن حلقة ضيقة. اما في لبنان، فأصدر حزب الله تعميماً بمنع انتقاد «حماس» في وسائل إعلامه وحتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالنسبة إلى المنتسبين إليه.
هكذا، وبالرغم من انقطاع علاقة «حماس» بالنظام السوري، لم يؤد ذلك الى قطع علاقة الحركة بإيران، الحليف الرئيسي للرئيس السوري بشار الاسد. وحتى اللحظة، لا تزال إيران تتواصل مع المكتب السياسي لحماس للسؤال عن احتياجاته الصاروخية والمالية على حد سواء. وبالنسبة إلى حماس فإن «العلاقة مع إيران استراتيجية ولا يمكن الاستغناء عنها ابداً»، كما يقول احد المسؤولين في الحركة. ويقول مسؤول حمساوي إنه بعد «الانتهاء من الحرب على غزة وبرغم ما جرى اعلامياً لا يزال الدعم الإيراني المالي والعسكري للقطاع على حاله».
موقف «حماس» يعود الى تقويمها الايجابي لدور إيران، إذ في الزمن الذي تخلى فيه العالم أجمع عن الحركة الاسلامية الاكبر على الساحة الفلسطينية كانت إيران بقربها، مادياً ولوجستياً. وبعد تأليف حكومة اسماعيل هنية رفضت الدول العربية والغربية التعاطي معها، نزولاً عند الرغبة الاميركية، بينما خالفت إيران القاعدة ووقفت الى جانب «ابو العبد» وحكومته. فمدته بالمال الذي احتاج إليه، في الفترة التي كانت تعاني حكومته فيها من صعوبة ادارة قطاع يسكنه ما يقارب مليوني شخص. وهو رد الجميل بأن كانت أول رحلة له كرئيس للوزراء الى إيران. اما لماذا لم يزر «ابو العبد» اي دولة عربية؟ فذلك لأن تلك الدول رفضت ببساطة استقباله.
بعد زيارته الرسمية، عاد الرجل مجدداً الى قطاعه محملاً بالدعم المعنوي والمالي الإيراني. وبالطبع يذكر البعض الصورة الشهيرة لهنية وهو جالس بالقرب من معبر رفح، والى جانبه حقيبة كبيرة، قيل حينها إنه يحمل فيها اموالاً إيرانية وانه عاد بأكثر من واحدة مثلها، لكن سلطات الاحتلال صادرتها.
في تلك الفترة، لم يرد الحمساويون الارتماء كلياً في الحضن الإيراني، الا أن التخلي العربي أجبرهم على ذلك. ويقول مسؤول بارز في الحركة ان «اساس العلاقة مع إيران هي رؤية الحركة ان معركة فلسطين هي معركة الأمتين العربية والاسلامية، ولا بد من حشد كل الطاقات حتى تحقيق هذا الهدف». ويضيف ان «ما ميز العلاقة مع إيران أنها تدعم وتقول إنها تدعم، بينما يدعم الاخرون ولا يتجرأون على قول ذلك»، لكن آخر يقول إن «العرب لم يحتضنونا، لذلك لجأنا الى إيران التي اعطتنا ما نريد بدون اي مقابل».
هكذا، لم تأت زيارة طهران من فراغ، إذ إن علاقة «حماس» مع إيران لم تكن وليدة اللحظة. فقد أدى حزب الله دوراً كبيراً في بنائها منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، عندما طردت اسرائيل قادة فلسطينيين، غالبيتهم من قادة وكوادر «حماس» الى منطقة «مرج الزهور» في الجنوب اللبناني. يومها تعرف حزب الله إلى أولئك القادة. وأدرك الطرفان، رغم الخلاف العقائدي بينهما، أنه يمكن التأسيس لعلاقة طويلة الامد، جوهرها المقاومة. ثم باشر قادة «حماس» العسكريون زياراتهم السرية الى إيران للتعرف اكثر إلى العقلية الإيرانية، ولكسب خبرات الحرس الثوري.
في فترة لاحقة طورت «حماس» ذراعها العسكرية، آخذة تجربة حزب الله في عين الاعتبار. وعندما استشهد صلاح شحادة، مؤسس «كتائب عز الدين القسام»، تولى تلامذته التواصل مباشرة مع إيران، ومنهم الشهيد محمد المبحوح، الذي اغتيل في دبي وهو في طريقه الى طهران.
ويقول مسؤول «حمساوي» إن «العلاقة مع إيران هرمية، وهناك سقف لا يمكن للطرفين تجاوزه مهما اختلفا في السياسة». ويذكر انه في مرات عدة وصل «الخلاف بيننا وبين إيران حول الملف السوري الى مرحلة متقدمة، لكن أعلى مرجعية في إيران طلبت من الطرفين التهدئة، وجرى ذلك».
بالطبع لم تكن الزيارات حكراً فقط على الحمساويين. فلا بد من الردّ بأخرى أحسن منها. وهو ما حصل بالفعل، اذ لم يتوقف توافد عناصر من الحرس الثوري الى قطاع غزة للتعرف إلى طبيعة القطاع العسكرية، وآليات تخزين السلاح فيه، التي يعتمدها الفلسطينون تحت الأرض وفق تقنيّة «الخلد».
بعد زيارات الحرس الثوري الى القطاع والاطلاع عن قرب على حاجات القسام، بدأت مرحلة اخرى من العلاقة، وهي كيفية تهريب السلاح الى غزة المحاصرة. قام الحرس الثوري بنقل صواريخه الى سوريا، التي فتحت أيضاً مصانعها لحماس، ومنها الى السودان ثم الى صحراء سيناء، حيث تولى حزب الله تسهيل عمليات التهريب الى القطاع. أنفاق غزة كانت الطريقة الوحيدة لتمرير صواريخ «فجر 5»، التي كانت تفكّك الى اجزاء صغيرة ليجري تجميعها داخل القطاع، لكن وبما ان الإيرانيين عملانيون، فإن هذه الطريقة كانت تزيد من مخاطر انكشاف عملية التهريب، لذا بنوا مصانع محلية لانتاج الصواريخ في غزة بدلاً من تهريبها. وكانت صواريخ «M-75» التي اطلقت على تل ابيب وكشف عنها للمرة الاولى خلال عملية «حجارة سجيل»، وهي عبارة عن صواريخ «فجر 5»، لكن محلية الصنع. ويقول مسؤول بارز في الحركة «عندما بدأنا بتطوير الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى لا شك أننا استفدنا من تقنية صاروخ «فجر 5» ولجأنا الى اصدقائنا الذين يملكون خبرة تصنيع هذه الصواريخ». ويضيف «أرسلت الينا صواريخ فجر 5 من إيران ونحن استفدنا من تكنولوجيتها وقمنا بتطويرها بحسب خبراتنا السابقة وطبيعة ارض القطاع». وبالطبع لا يمكن تصنيع وتجريب تكنولوجيا الإيرانيين بدون ان يكونوا موجودين ليروا المنتج الاخير. ما يعزز الاعتقاد بان الإيرانيين كانوا في قطاع غزة عندما بدأ ابناء حركة الشيخ احمد ياسين باستخدامها. «وقد أبهرت هذه الصواريخ الإيرانيين لانهم لم يتوقعوا ان ينجح ابناء القطاع المحاصر في تطويرها بهذه الفاعلية»، يقول مسؤول «حمساوي».
لا تنحصر العلاقة بين إيران وحماس على الصعيد العسكري فقط، اذ هناك تنسيق في المواقف السياسية، رغم الخلاف حول سوريا. فاختلاف وجهات النظر بشأن ما يجري هناك لم يلغ من أهمية «حماس» بالنسبة إلى إيران والعكس صحيح. فالسقف الذي يجمع الاثنين، أي المقاومة، يُمنع الاقتراب منه أو المساس به. كما يمنع الابتعاد عن هذا الملف، حتى لو أوحت «حماس» بذلك من خلال ما يحكى عن هدنة طويلة الامد مع اسرائيل.
هكذا، أظهرت الحرب الأخيرة على القطاع الخلاف الذي كان مخفياً داخل «حماس». وهو صراع جناحي الحركة، الاول الموالي لإيران، والثاني الذي يعدّ نفسه جزءاً من التنظيم العالمي لجماعة «الاخوان المسلمين»، إذ يزور بعض قادة حماس، محمود الزهار مثلاً، إيران بدون التنسيق المسبق مع المكتب السياسي للحركة، لكنّ مسؤولين بارزين في الحركة يقولون ان الزهار لا يمكنه الا ان يعود الى المكتب السياسي في أي قرار يجب اتخاذه.
الاخبار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق