الجمعة، 28 ديسمبر 2012

تسليم المفاتيح..!! المحامي مصطفى سهيل

يستعمل بعض رؤساء السلطات المحلية، مصطلح "تسليم المفاتيح" لوزارة الداخلية، عندما يريدون الاحتجاج على عدم تلقي السلطات المحلية الميزانية اللازمة.


ومع تكرار استعمال هذا المصطلح فقد أصبح بدون قيمة، إذ أنه لم يحدث ان طبق أي رئيس سلطة محلية وسلّم المفاتيح لوزارة الداخلية، وقد اصبح هذا التهديد فاقداً لأي معنى ولا تلقي له الوزارة بالاً.

ولكن، لم يحدث أن يتحدث رئيس"دولة" بمصطلح "تسليم المفاتيح" لدولة أخرى، حتى جاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (ابو مازن)، وفي كلمته التي ألقاها في اجتماع المجلس الاستشاري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، حيث قال: "لنا الخيارات الأخرى في حال استمرار الوضع القائم بما في ذلك تسليم مفاتيح السلطة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ولن نبقي سلطة بدون سلطة".مضيفاً: "لن نكون حراساً لإسرائيل ولن نكون أداة لها".



والحقيقة أن تلك الكلمات التي صدرت من "ابو مازن" تثير العديد من التساؤلات وتقتضي بعض الملاحظات.

أولا: قبل أسابيع قليلة أعلنت السلطة الانتصار العظيم بالحصول على لقب دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، ومن الغريب جداً أن من يعتبر نفسه رئيسا لدولة، يهدد بتسليم المفاتيح لدولة أخرى.


ثانيا: يقول ابو مازن،"اذا استمر الوضع القائم". والسؤال، ماذا يعني بكلمتي "الوضع القائم"، هل يقصد استمرار اسرائيل في مخطط بناء المستوطنات في الضفة، أم يقصد بعدم دفع اسرائيل للسلطة تلك الضرائب التي تجبيها اسرائيل عن كافة البضائع التي تدخل للشعب الفلسطيني في الضفة وغزة عن طريق موانئ اسرائيل، والتي تستعملها السلطة لدفع أجور الموظفين وتسيير أمورها؟ فاذا كان قصد ابو مازن استمرار البناء في المستوطنات،فهو حقا لا يملك خياراً، لأنه قبل نحو شهرين تبرع بالظهور امام قناة اخبارية اسرائيلية (القناة الثانية)، ووعد الإسرائيليين قائلا: "ما دمت جالساً على كرسي الرئاسة فلن اسمح بانتفاضة ثالثة".



وليس غريباً ان قامت اسرائيل مستغلة هذا التعهد الذي قطعه على نفسه، بالإعلان عن نيتها بناء آلاف الوحدات السكنية في الضفة،فهي مطمئنة أن هذا الرئيس سوف يفي بعهده الذي قطعه للشعب الإسرائيلي وسوف يمنع أي مظاهر احتجاجية على الاستيطان قد تؤدي الى انتفاضة ثالثة، ومن هنا لم يتبق لديه سوى "تسليم المفاتيح" لنتنياهو.



ثالثا: قد يكون قصد "ابو مازن" بقوله "اذا استمر الوضع القائم"، أي اذا استمرت إسرائيل بعدم تحويل الضرائب التي يستحقها الشعب الفلسطيني، وهذا اقرب الى الحقيقة، فالاستيطان لم يتوقف أبداً منذ اتفاقيات أوسلو، بل إن عدد المستوطنين في الضفة قد تضاعف منذ اتفاقيات اوسلو، ولم توقف السلطة التنسيق الأمني مع إسرائيل، ولم توقف التطبيع ولم "تسلم المفاتيح".


ولكن الحقيقة أن "ابو مازن" يهدد نتنياهو أن اسرائيل اذا استمرت بعدم تحويل الأموال للسلطة، فسوف تصبح (سلطة بلا سلطة) على حد تعبير "ابو مازن"، أي انها لن تكون سلطة اذا لم تدفع المعاشات لآلاف رجال الأمن الذين يحافظون على تعهد "ابو مازن" بمنع انتفاضة ثالثة، ومئات رجال الأمن الذين يشرفون على التنسيق الأمني مع اسرائيل، وعشرات الآلاف من الموظفين الذين يسيّرون كافة أمور الضفة في مجالات الصحة، والتربية، والرياضة والبنى التحتية وما الى ذلك.


وبما أن "ابو مازن" يشعر أن هذه "الدولة" التي حصلنا عليها منذ أسابيع في الأمم المتحدة، ليست أكثر من سلطة محلية،بزيادة بعض "المهمات"، الأمنية مثل التنسيق الأمني ومنع بوادر انتفاضة ثالثة، فكان كلامه صريحاً وجلياً لنتنياهو "إذا استمرت اسرائيل بعدم تحويل الأموال، فلن تتمكن هذه الدولة، أو السلطة، أو المخترة، من أداء دورها الذي أنيط بها"، ولذلك فهو يهدد نتنياهو،سوف اسلمك المفاتيح وتعود أنت وحكومتك لتحمّل المهمات الأمنية في الضفة،إضافة الى المهمات المدنية، ولا تنسَ أيضا يا نتنياهو ما هددك به "ابو مازن" قبل أشهر، بأنه اذا تم حل السلطة فسوف تأتيكم حماس.



رابعا: قول "ابو مازن":"لن نكون حراساً لإسرائيل ولن نكون أداة لها"، في سياق جملته الأولى التي قال فيها: "اذا استمر الوضع القائم"، هل هذا يعني ان الوضع القائم اذا لم يستمر فسوف تعود لتكون السلطة الفلسطينية حارسةً لإسرائيل وتعود أداة لها.؟!



لأن "ابو مازن" أشترط تسليم المفاتيح وعدم كون السلطة حارسا لإسرائيل وأداة لها بقوله: "اذا استمر الوضع القائم". أي أن الوضع الذي سيكون بعد الوضع القائم يعني عدم تسليم المفاتيح لنتنياهو، ويعني ايضا استمرار السلطة لتكون حارساً لإسرائيل وأداةً لها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق