الاثنين، 3 ديسمبر 2012

درس في الطغيان!! .,,,,الكاتب: محمود الفطافطة

الأحمق من يخاصم التاريخ ويُجبر ذاكرته على نسيان أو تناسي أحداثه، أمّا العاقل فهو الذي يتدبر مسيرة هذا التاريخ، ويتقن التعاطي مع قصصه ودروسه... الأحمق يلفظه الحاضر وينساه المستقبل، لأنه نسيَ الماضي، أمّا العاقل فقد أدرك سُـنن الماضي وحمم تياراته ضامناً سلامته في حياته، ومخلّداً ذاكرته لدى أمّته بعد مماته..




في الحالة الأولى نجد الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر خير مثال لنموذج الطاغية الأحمق .. الرواية التاريخية تقول لنا أنه أثناء اجتماعٍ لمجلس الشيوخ في روما استدرجوه لإحدى الغرف، وجرّدوه من تاجه ثم انهالوا عليه بالخناجر، وعندما قال لهم: "ما هذه الوحشية" : أجابه أحدهم: "تعلمناها منك يا سيدي"!! . بعد وفاته اكتشفوا أنّه طُعن 32 طعنة كانت القاتلة منها بيد أعز أصدقائه (بروتس) .. لتنتشر بعد ذلك العبارة الشهيرة .. "حتى أنت يا بروتس".



أمّا في حالة العاقل فيبدو أن مشقّة العثور على المطلوب هي المهيمنة .. فبعد أن جالت الذاكرة .. واستُفزّ العقل بحثاً عن هذا النموذج في بواطن التاريخ وسيره تولّد الجواب ليكون ممثلاً بالرئيس المفكر علي عزت بيغوفيتش .. الذي اعتُبر أهمّ زعيم قومي لمسلمي البوسنة .. التي دفعت غالياً ثمن استقلالها عن الهيمنة والعنصرية الصربية.



بيغوفيتش عرف كيف يقود سفينة التحرر البوسني، وكيف يحمي الأقلية المسلمة في يوغسلافيا السابقة والبوسنة الحديثة من التذويب والإذابة في محيطٍ طائفي كان ينظر للبوسنيين بعين الشك والعداء.



كان علي عزت بيغوفيتش رمزاً للقائد الوطني الملتزم، فلازَمَ سراييفو وقت حصارها .. ورفض المغادرة .. وصمد مع شعبه وقاسمه مصيره المحزن والمفجع حتى النهاية، ويوم جاء المتطوعون العرب والإسلاميين لمساعدة شعب البوسنة وافق على طلبهم رغم أنهم يمثلون الخط الجهادي الإسلامي المتشدد، بينما كان هو معتدلاً جداً و يمثل خطّاً آخرَ لا يلتقي مع نهج التشدد الذي أقيمت على أساسه الجماعات الإسلامية الجهادية، ويوم طلب الأمريكان منه طردهم رفض ذلك، لأنه ذو مروءة .. ولا يخون الأصدقاء والعهد والأمانة.



هذا الزعيم الذي كان بطل الحصار وأبو الاستقلال وَجَدُّ المسلمين ـ كما لُقّب ـ نُظراؤه في العالمين العربي والإسلامي قليلون جداً إلى حدّ الندرة... بالطبع ما يجمع بين الحالتين التناقض المطلق.... في الحالة الأولى حكم يوليوس بالنار والدم والاضطهاد بينما بيغوفيتش أدار البلاد بالحب والتسامح والإخاء.. الأحمق رأى في شعبه مجرد قطيع ورعاع لا رعاة أو أمّة .. أما عزت بيغوفيتش فكان إنساناً قبل أن يكون حاكماً ... كان أباً للجميع لا مستبداً ولا ظالماً... الإمبراطور الأحمق كان متألّهاً وكأنّ العالم خُلق لخدمته.. كان يرى الحقيقة في ذاته دون غيره .. كان شعاره: نفسي والطوفان من بعدي.. كان عنوانه: أنا أيضاً ومن ثمّ أنا أيضاً... العاقل بيغوفيتش كان مؤمناً بربه .. خادماً لدينه .. موحّداً لشعبه .. ومدافعاً عنهم..



يوليوس قيصر المستبد الظالم كان مسكوناً بالرعب والشك والغدر لتكن نهايته بشعة وبغدر... أما علي عزت بيغوفيتش فكان قرير العين مطمئن القلب وزاخراً باليقين والإيمان.. كان لا يخلد للنوم دون أن يقرأ سورة الفجر واقفاً ومتدبراً عند آياتها: "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي" ..

للأسف ـ كما قلنا سالفا ًـ أمثال علي عزت يغلب عليهم الندرة أما أمثال الحاكم الروماني فهم كثرة... .. فالتاريخ يذكر ويذكرنا بطغاة لفظتهم شعوبهم ليغدوا مشردين في منافي الأرض أو معلقين على مشانق الموت وسواها كثير من أشكال الهلاك والبوار... من منا لا يعرف مصير فرعون وهامان وقارون وقيصر وكسرى وأبو لهب وأبو جهل والوليد بن مغيرة والوائل بن العاص وجنكيز خان وهولاكو وابن العلقمي وستالين وموسوليني وهتلر وفرانكو وشاوشيسكو وصولاً إلى الطغاة الجُدد بن علي ومبارك والقذافي وعلي صالح ..



لم يخبرنا التاريخ قط أن طاغية استطاع هزيمة شعبٍ تمنطق بحزام الحق والصبر .. وتعلق بشعاع الحرية وحتمية التغيير.. فبطن التاريخ رحب لا يضيق باستقبال كل فاسد ومستبد ليلفظه من ذاكرة الأمم .. ويهوي به سحيقاً في سراديب العار ومستنقع الهلاك..

إنه المصير الذي ينتظر شيطان الشام وطاغية سوريا .. بشار الأسد .. الذي ليس له من اسمه نصيب.. فهو نذير وقاتل .. وأرنب وثعلب لا أسد.... هل الذي حوّل بلده إلى حقل للإبادة والدمار أسد؟ هل الذي يخرج على شاشات التلفزة كل بضعة أشهر أسد؟ هل الذي جعل من سوريا الجميلة بشعبها وريفها ولاذقيتها وحضارتها الموغلة في التاريخ خراباً وبكاءً يبشرّ بالخير والصلاح؟... كلا .. إنّه قاتل ومجرم وشيطان ولص .. سرق سوريا وخطفها من أهلها كما فعل والده ... إنها سوريا التي ما رأت عينيّ أجمل من ربوعها .. إنها البلد التي قال عنها رب العالمين في الحديث القدسي: "يا شام يا شام يدي عليك يا شام .. أنتِ صفوتي من بلادي أُدخل فيك خِيرتي من عبادي .. أنتِ سيف نقمتي وسوط عذابي .. أنتِ الأندر وإليك المحشر"..



إنّها البلد الذي قال عنها نبيّ العالمين" "عليكم بالشام، فمن أَبَى فليلحق بيَمنه، وليستقِ من غدره، فإنّ الله عز وجلّ تكفل لي بالشام وأهله" ... و "عقر دار المؤمنين بالشام" .. و "صفوة الله من أرضه الشام .. وفيها صفوته من خلقه وعباده" .. و"طوبى للشام .. فإنّ ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليه" .. و"إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة".



إنها الشام التي حبّاها الله وكرّمها رسوله... هل هذا البلد يستحق أن يحكمه طاغية مجرم ونظام فاسد مستبد لا يرحم أحداً ويذل الجميع؟ ... آن الأوان لهذا المجرم أن يتّعظ ويهرب .. وإلاّ فإنّ سيناريو يوليوس قيصر سيحوم حوله قريباً.. " إنّ الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته "... لن يفلت شيطان الشام من عقاب شعبه المحتوم.. علينا أن لا نيأس إن تأخر تحقق سيناريو قيصر قليلاً.. لا تنسوا قوله تعالى: .. وإلى غدٍ قريب لسوريا بدون شيطانها..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق