تسربت تقارير ومعلومات تؤكد أن إيران أجرت اختبارات جدية على أسلحة نووية، ما أحرج موقف مفتشي وكالة الطاقة الدولية. لكن إيران تصر على أن برنامجها مصمم للغايات السلمية، وتتهم العالم بتزوير الأدلة ضدها.
--------------------------------------------------------------------------------
يُشتبه بأن إسرائيل تقف وراء سلسلة من التسريبات، التي توجه اصابع الاتهام إلى إيران باجراء اختبارات نووية، لتشديد الضغوط الدولية على طهران بشأن برنامجها النووي. ويرى دبلوماسيون غربيون أن التسريبات كانت ذات مردود عكسي، نال من مصداقية التحقيقات التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أنشطة إيران النووية، السابقة والحالية.
رسم بياني مشبوه
كان أحدث هذه التسريبات ما نقلته وكالة أسوشيايتد برس عن تخطيط بياني إيراني لعمليات فيزيائية، ناجمة عن تفجير نووي. لكنّ علماء سارعوا إلى كشف خطأ ابتدائي أثار شكوكًا في قيمة الرسم البياني وصحته. وأعلن تقرير في نشرة العلماء الذريين "أن هذا الرسم البياني ليس سوى تحليل متهافت أو اكذوبة صنعها هواة".
أثار الرسم البياني المسرب تساؤلات عن مصداقية التحقيق الذي يجريه مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد أن اتضح أن التخطيط البياني المشبوه مرفق بملف من المعلومات عن أنشطة نووية إيرانية مفترضة تحتفظ به الوكالة.
وأسهم نشر الوكالة ملخصًا لمحتويات الملف في تشرين الثاني (نوفمبر) في إطلاق جولة جديدة من العقوبات التي فرضها الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة ضد إيران.
إسرائيل تسرّب
نقلت صحيفة غارديان عن مسؤولين غربيين أن لديهم اسبابًا للاشتباه بأن إسرائيل تقف وراء التسريب الأخير، وسلسلة من التسريبات المتعلقة بتحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية في نشاط إيران النووي.
وتشكل التسريبات جزءاً من حرب خفية متصاعدة، ساحتها فيينا مقر الوكالة الدولية للطاق الذرية، ومحورها برنامج إيران النووي.
ويعمل جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) بنشاط متميز في العاصمة النمساوية، وكذلك تفعل الاستخبارات الإيرانية وغالبية استخبارات القوى الدولية. وأدى هذا النشاط التجسسي الواسع إلى عقد مقارنات مع حرب الجواسيس في فيينا إبان السنوات الأولى من الحرب الباردة.
امتنعت الحكومة الإسرائيلية عن التعليق على اتهامها بالتسريبات، واكتفت وكالة اسوشيايتد برس بالقول إن مصدر التسريب الجديد "مسؤولون من دول تنتقد برنامج إيران النووي".
استهداف المصدرين
يبدو أن ملخص معلومات وكالة الطاقة الذرية عن أنشطة إيران النووية، الذي أطلعت عليه وكالة اسوشيايتد برس مع الرسم البياني المرفق به، حرص بشكل لافت على اتهام رجلين إيرانيين في الاختبارات النووية، كانا مستهدفين بمحاولات اغتيال خلال العامين الماضيين.
أحد الرجلين هو ماجد شهرياري، الذي قُتل في تشرين الثاني (نوفمبر) 2010، بعدما ألصق شخص على دراجة نارية عبوة ناسفة بباب سيارته حين كان متوجهًا إلى العمل في طهران. والثاني هو فريدون عباسي دواني، الذي أُصيب بجروح في هجوم يكاد يكون مطابقًا للهجوم الأول، حدث في اليوم نفسه.
وجاء في كتاب نشره هذا العام ضباط استخبارات إسرائيليون واميركيون مخضرمون بعنوان "جواسيس ضد ارماغيدون" أن هذه الاعتداءات نفذتها وحدة اغتيالات خاصة معروفة باسم الحربة، تابعة للموساد.
نزر يسير
قال مصدر غربي إن ملخص المعلومات المرفق بالرسم البيان يبدو محاولة لتبرير هذه الاستهدافات. لكنّ دبلوماسيًا اوروبيًا قال إن أهم ما يترتب على التسريب الجديد هو تقويض مصداقية التحقيق الذي تجريه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في ما إذا كانت إيران قد حاولت انتاج سلاح نووي في وقت ما.
ونقلت صحيفة غارديان عن الدبلوماسي "أن هذه مجرد نزر يسير مما تعمل عليه الوكالة، وجزء من عملية أوسع بكثير لجمع المعلومات من مصادر متعددة". وأضاف: "وقعت هذه الوثيقة، كما يتضح، في خطأ ضخم، لكن الوكالة كانت على علم به، ونظرت إليه في سياق مجمل ما لديها، وهو يقيم حجة مقنعة".
وقالت مصادر اطلعت على الوثيقة إن الرسم البياني يستند إلى صفحة معلومات هي بحوزة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يبدو أنها تحلل الطاقة المتحررة من تفجير نووي. وقد ارتُكب الخطأ عندما نُقلت هذه المعلومات إلى رسم بياني واستُخدمت فيه بشكل خاطئ.
أدلة غير دامغة
هناك اعتقاد واسع الانتشار بين الحكومات الغربية وروسيا والصين، وبين غالبية الخبراء المستقلين، بـوجود أدلة على أن إيران كانت تنفذ برنامجًا تسليحيًا نوويًا حتى العام 2003. لكن تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تتوصل إلى دليل دامغ في هذا الشأن حتى الآن.
ويرى محللون أن التسريبات الأخيرة ربما كشفت دور الوكالة وأماطت اللثام عما تعرفه وما لا تعرفه، وبالتالي أضعف هذا الأمر موقف مفتشيها في المحادثات الصعبة والعقيمة حتى الآن مع المسؤولين الإيرانيين، بشأن أنشطة إيران النووية في السابق.
وترفض إيران الأدلة هذه وتصفها بالمزورة، ولم تسمح بمقابلة علمائها أو دخول منشأة بارتشين، التي يعتقد مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها شهدت اختبار مكونات رأس نووي. وتقول الوكالة إن لديها أدلة على تطهير المنشأة لإزالة أي آثار تجريمية تدل على اجراء تجارب سابقة.
وقال ديفيد اولبراتي، الخبير في معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن، إنه لا يعرف من يقف وراء التسريب الأخير، لكنه اضاف: "ايًا كان من قام بذلك، فإنه نال من مصداقية الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وجعل من الأصعب عليها أن تؤدي عملها".
جولة جديدة
تجري يوم السبت المقبل في طهران الجولة التالية من محادثات الوكالة مع إيران. واقترحت الولايات المتحدة احالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي إذا لم تتعاون إيران مع تحقيقات الوكالة بحلول آذار (مارس) المقبل.
وكان مجلس الأمن طالب إيران مرارًا بوقف تخصيب اليورانيوم، لتبدد مخاوف المجتمع الدولي من برنامجها النووي، ومن شكوكها في أن إيران تنفذ برنامجًا تسلحيًا نوويًا سريًا. ورفضت إيران هذا المطلب مؤكدة أن برنامجها ذو اغراض سلمية محضة.
ومن المقرر أن تبدأ في غضون اسابيع جولة جديدة من المفاوضات بين إيران والقوى الدولية الست لمقايضة الحد من تخصيب اليورانيوم بتخفيف العقوبات، لكنّ موعدها لم يحدد حتى الآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق