ميسم رزق
قطع النائب عقاب صقر شك البعض باليقين. أكّد أمس لعدد من المتصلين به أن التسجيلات التي نشرتها «الأخبار» خلال الأيام الماضية صحيحة، وأن الصوت الذي يظهر فيها هو صوته فعلاً. وقال صقر: «مش فارقة معي، يعملوا يلّي بدّن يعملوه".
واجرى النائب البقاعي مقابلة مع جريدة «الشرق الأوسط» السعودية (نُشِرَت اليوم) يجزم فيها بأن التسجيلات التي تثبت تورطه ـــ نيابة عن الرئيس سعد الحريري ـــ بتسليح المعارضة السورية، وبلعبة الدم السورية، هي فعلاً له، إذ قال: «نعم هذا صوتي، وهذه كلماتي. أنا لم أعتد أن أنكر أو أتنكر لصوتي أو لكلامي، ولست خجلا من شيء مما فعلته وأفعله. وأنا كما كنت دوما تحت القانون، وأقبل بالخضوع الكامل لأحكام القانون. وإذا كان البعض يريد نزع الحصانة (النيابية) فأنا لا أختبئ وراء حصانتي، ولكني أسأل: هل يجرؤ المتهمون الآخرون بالتورط في سوريا أن ينزعوا حصانة أحدهم وأنزع حصانتي ونخضع لمحاكمة؟».
وقال صقر: «لدي الكثير مما سأقوله قريبا وسأتحدث بصراحة، وبعدها ليتحمل كل طرف مسؤوليته؛ لأني أعرف أن ما يجري هو استغلال رخيص لحدث ما، هدفه الاغتيال السياسي الذي يمهد للاغتيال الجسدي.. لذلك سأرد قريبا على أصحاب هذا المنطق». وعن الدور الذي لعبه الحريري، قال صقر: «الرئيس الحريري قالها صراحة في بيان واضح، وأنا أؤكد عليه اليوم. هو كلفني بالمساعدة الإنسانية والسياسية والإعلامية للشعب السوري، لا أكثر ولا أقل. وهذه الحملة التي تطلق عليّ الآن هدفها طمس هذا الدور وتشويهه وتحريفه». وبدا أن صقر يريد في مقابلته تبرئة الحريري مما يقوم به في سوريا، إذ قال: «ما أفعله في سوريا يجسد قناعتي المطلقة وهو من مصلحة لبنان أولا. وأتحمل شخصيا (وشخصياً فقط) جميع المسؤوليات عما أقوم به».
ويبدو أن صقر، في إعلانه هذا، يريد استباق ما يمكن أن ينفضح مستقبلاً عن أدوار أخرى قام بها في مجال تزويد مجموعات مسلحة من المعارضة السورية بما أدى إلى ارتكاب مجازر بحق مدنيين سوريين، أو في ملفات أخرى لبعضها صلة مباشرة بلبنان.
وبحسب مصادر قريبة من صقر، فإنه سيلجأ إلى الهجوم، بدل الدفاع عن نفسه، داعياً إلى رفع الحصانة عنه، «وليرفعوا الحصانة عن أنفسهم، ولنلجأ إلى القضاء». وقالت مصادر رفيعة المستوى في تيار المستقبل إنها لم تفاجأ بخطوة صقر، لافتة إلى أن «من يتخذ قراراً انتحارياً (بتسليح المعارضة السورية) لن يقف عند إعلان ما يقوم به أو إخفائه». ورأت المصادر أن اعتراف صقر بدوره في تسليح المعارضة «لن تترتب عليه أي نتائج سياسية. فهل سيجتاح النظام السوري لبنان؟ بالتأكيد لا. أقصى ما يمكن أن يظهر من نتائج هو المساواة بيننا وبين حزب الله في التورط في الشأن السوري، وأن يرفع النظام السوري دعوى قضائية ضد عقاب والرئيس الحريري، من دون أن تكون لهذه الدعوى أي نتيجة قضائية أو سياسية. لكن تبقى النتائج الشخصية على عقاب نفسه الذي سيكون بلا حماية حقيقية من أي انتقام سوري، أو من معارضين سوريين، إذا صح ما يُقال عن تورطه في عمليات أدت إلى صراع بين المعارضين أنفسهم». وماذا عن الشيخ سعد؟ أليس صقر ممثله في تركيا؟ تجيب المصادر: «صحيح، لكن لسعد الحريري من يحميه. أما عقاب، فسيكون مضطراً للبقاء خارج لبنان. لكن إلى متى؟».
قبل كلام صقر أمس، حاول نواب تيار المستقبل سحب أيديهم من موضوع التسجيلات التي نشرتها «الأخبار». بعضهم، كالنائب محمد الحجار، أعلن أن التيار «سيدين صقر في حال ثبوت تورطّه». لكنه سارع إلى سحب هذا التصريح من التداول. إذ يبدو أن تورط الرئيس سعد الحريري في القضية جعلهم يعيدون التفكير في ما صرّحوا به، لافتين إلى أن «التسجيلات تدخل ضمن سلسلة الأكاذيب التي تُلاحق تيارهم منذ بداية الأزمة السورية، وهي بالتالي مشكوك في صدقيتها وهدفها». ثم دخل المستقبليون مرحلة جديدة، من خلال القول إن «صقر وحده يستطيع الردّ على التسجيلات وتبريرها». أما الجناح المتطرّف في التيار، فبرّر للحريري وصقر «فعلتهما»، باعتبار أن «ما يقومان به واجب كبير لنصرة الشعب السوري المظلوم».
شخصيات بارزة في التيار بدت معزولة ومتحفظة. ترى أنها أصبحت «شديدة البُعد عن رئيسها». بعضُها كان يظنّ أن «دور تيار المستقبل في سوريا يقتصر على الدعم السياسي والإنساني». الاستعارات المفضّلة في تعليقاتهم على الموضوع تعتمد على الهروب أو التحفظ على ما جاء في التسجيلات.
في المستقبل، ثمّة نقاش كبير حول «مهمّة» صقر. لكن النقاش ليس عابراً. ثمة تباين بشأن الطريقة التي يجب أن تبرر فيها أعمال النائب «المتورّط». هل يجِب تغطية صقر أو رفع الغطاء عنه؟ ماذا سيكون وضعه كنائب في البرلمان اللبناني؟ مع العلم بأن «في التيار من لا يجِد حرجاً في عمل زميله»، الذي بات «بطلاً في نظر مناصري المستقبل». لقب «البطل» هذا كان قد أطلقه أحد نواب الصفّ الأول في تيار المستقبل، قبل أن تخرج «تضحيات الأبطال» إلى العلن. رأى حينها أنه «في حال ثبوت ما يُحكى عن مشاركة النائب صقر في الأحداث السورية، ومساعدة الثوار في حربهم ضد النظام، فلن يكون ذلك بالأمر المُعيب». وقال: «في حال نجاح الثورة، سيُكافأ صقر في تيار المستقبل على تضحيته هذه». النائب نفسه لم يُفاجأ بالخبر، «لعلمنا أن لصقر دوراً في ما يحصل في سوريا، بعد المعلومات التي تناولتها صحف عربية وأجنبية»، إلا «أننا لم نكن نتوقّع أن يكون قد غطس إلى القاع، لجهة عمليات التسليح». أما ما لم يفهمه النائب ذاته، ولم يرَ تفسيراً له، فهو «اعتماد المملكة العربية السعودية النائب صقر كأحد الخطوط الأساسية لمدّ المعارضين بما يلزمهم من عتاد لتنفيذ عملياتهم العسكرية». من تابع تصريحات نواب المستقبل منذ اشتعال الأزمة السورية، وقرأ بيانات الكتلة الدورية، اعتقد لوهلة أنه ليس على تيار «المستقبل» سوى إضافة كلمة «الإنساني» على اسمه في الفرع المستحدث له في سوريا، ليصبح اسمه «تيار المستقبل الإنساني» لكثرة ما بالغ في حرصه على دماء السوريين. إلا أن ما قام به «الرجلان» شوّه إلى حدّ كبير صورة هذا التيار الذي أثبتت المعلومات مشاركته في قتل السوريين من الجانبين. في الخفاء، لا شك في أن هناك داخل التيار من يرى في هذا الفعل إنجازاً لشدّة كرهه لنظام الرئيس بشار الأسد. أما في العلن، فلا شك في أن الإحراج الذي تعرض له هذا التيار كبير، إلى حدّ ظهور المسؤولين مستائين، لا من أفعال صقر تحديداً... ربما لأنهم لم يحوزوا شرف هذه المهمة!
للاطلاع على النص الكامل للمقابلة:
http://aawsat.com/details.asp?section=4&article=707088&issueno=12424
اعترف لؤي المقداد أيضا بصحة التسجيلات في اتصال هاتفي مع "الجديد" صباح اليوم، لكنه رفض التعليق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق