كنت أتحدث مع صديق أوروبي من السلك الدبلوماسي وقد جاء إلى غزة قبل الحرب ، وكنت حينها متفائلا بأن لن تقوم حربا على غزة لانعدام الرغبة والمبررات لدى كل الأطراف ، وكنت مخطئا. لكني بعد النصر الرائع تمسكت بتفاؤلي، وحين جاء صاحبي بعد الحرب بادرني بأني كنت متفائلا زيادة عن اللزوم فعاجلته باني قد ازددت تفاؤلا .وقلت له: كان الثمن غاليا بأرواح عزيزة وكان صمود غزة أسطوريا. سألني كيف تفسر ذلك؟ فقلت ان الصمود جزء من ثقافة البلد التي تم تدميرها كاملا سبع مرات في التاريخ ( قبل قيام إسرائيل بمئات وآلاف السنين) وصمدت بشعبها.
وثانيا أن تصل الصواريخ إلى تل أبيب كان مذهلا لنا وللعالم كله وانتشى شعب غزة وكل فلسطيني بشعور غامر بأننا وصلنا إلى درجة الند الكامل وسط تآكل نظرية الردع الإسرائيلي وقدرة المقاومة التي قادتها حماس والجهاد الإسلامي على خلق توازن الرعب. العمليات الاستشهادية خلقت حالة توازن الرعب ولكن لم يتم الاستفادة منها سياسيا مثل هذه المرة. سأل الضيف عن إسرائيل وردة فعلها فقلت ان حكومة إسرائيل لم تستطع ان تواجه شعبها بالحقيقة وارتبك أداؤها فلم تعد المؤسسة قادرة على اتخاذ قرار الحرب البرية أو التراجع عنها بعد ان هددت مرارا بها. المنقذ كان أوباما بطلب تدخل الرئيس مرسي لوقف النار وجعل مصر ضامنا للاتفاق .
وقلت للدبلوماسي الأوروبي ؛ دعني أحدثك عن مشاعري الشخصية فقد أبدعت
المقاومة وقدمت الشهداء، رحمة الله على القائد الجعبري الذي أورث البراعة والعبقرية العسكرية.
إلا ان قيادة حماس والجهاد تعاملت مع النصر بوطنية جامعة وان فتح استقبلت النصر بالفرح واستعادت كوادرها في غزة الفخر بالهوية الوطنية والتحقوا بصفوف الفرحة.
وقد تمنيت على حكومة غزة مع غيري أن تفتح أبواب السجون وان تفتح ذراعيها للوطنيين جميعا وإن يكون للنصر آثاره على وحدة الشعب ( وهذا ما تفعله حماس فعليا).
وسألني صديقي ومن هنا .. إلى أين؟ فقلت ساهما أني احلم بسبع بقرات سمان! ونظر إلي صديقي مستغربا وقلقا لأنه لم يفهم شيئا مما بدا له انه طور من الهلوسة ، فقلت: تبدلت كثيرا على الأرض معطيات ومسلمات يجب أخذها بالاعتبار عند محاولة الإجابة على السؤال.
أولا : تغيرت مصر وتغير الدور المصري؛ مصر الآن أصبحت مركز الاستقرار في الشرق الأوسط ويتطلع العالم كله لدور مصر الجديدة وهي التي تحكمها الهوية العربية الإسلامية ومن كونها ركن أساسي من أركان النهضة والاستقلال والحرية .
ثانيا : تغيرت حماس فأصبحت أقوى بثبات وبراعة القيادة ضد الحصار وفي الحرب. التغيير الأكبر في حماس هو ما يبدو واضحا من نواياها وممارستها للم شمل الأمة وعلاج جراحها ومباشرة تنفيذ اتفاقات المصالحة الفلسطينية واستعدادها للانفتاح على العالم الذي أصبح تواقا للحديث معها والاعتراف بها. حماس اليوم ركن أساسي في النسيج الفلسطيني ومفتاح الحرب والسلام في المنطقة وهي مصممة على إعادة البناء وتطوير خطط النهضة بالوطن اقتصاديا واجتماعيا وتنمويا وهي تخطط لوضع مشاريع اقتصادية ضخمة موضع التنفيذ.
ثالثا: أوباما والتغيير؛ لقد تدخل أوباما شخصيا ليضع حدا للحرب الأخيرة فأنقذ إسرائيل وأنقذ المنطقة من ويلات حرب طويلة ويمكن له اليوم ان يكون راعيا للسلام وهو يتسلم المدة الثانية للرئاسة ولديه أربعا من السنين ولدي إحساس بأنه لا يعارض المصالحة الفلسطينية ولا طلب العضوية في الأمم المتحدة ولكنه لا يريد الإعلان بذلك لأنه يعرف ان اللوبي الصهيوني سيحاول تدميره حتى بتدبير فضيحة خيانة زوجية! ويترك أوباما الأمور لتأخذ مجراها في الأمم المتحدة والمصالحة ويشجع الهدنة ويضغط على إسرائيل في موضوع الاستيطان للعودة للتفاوض.
رابعا : نتنياهو ؛ أثبت نتنياهو أثناء الحرب انه في النهاية سياسي محنك براجماتي وقاوم الأصوات المطالبة بمسح غزة وبالحرب البرية واستجاب بسرعة لطلب أوباما الذي فهم الأزمة الإسرائيلية.
نتنياهو يريد الالتزام بالهدنة وتمديدها ولكنه يريد ان يرى على الأرض ما يؤكد من رغبة حماس في الهدنة بالبدء في إعمار غزة ووضع الخطط لتطويرها والشروع بتنفيذها.
خامسا: فتح؛ وتنفتح فجأة أمام هذه الحركة الوطنية العريقة وبسبب النصر في غزة، تنفتح نوافذ وأبواب للتغيير وتصويب المسار والانطلاق بالشباب نحو الوحدة والتحرر. ان فتح التي أساء إليها بعض أبناؤها قبل غيرهم عانت وما زالت من الاغتراب عنها والتمزق فيها. اليوم جديد ويلزمه فتح جديدة.
وقلت في النهاية لصديقي أن سيدنا يوسف قد رأى في المنام سبع بقرات عجاف وسبع سمان واني خلافا لسيدنا يوسف قد رأيت أننا قد انتهينا من سبع سنين عجاف وان القادم هو سبع سمان!!!
أني أرى تمديدا للهدنة وانتهاء الحصار وحكومة فلسطينية واحدة ومشروعات اقتصادية كبرى في غزه وانفراج في المفاوضات للوصول إلى حل سياسي يشمل حل الدولتين.
ابتسم الدبلوماسي بدبلوماسية وقال : لم أكن متأكدا من قصة يوسف لأنني لست متدينا ولكني سأراقب حلمك والسبع بقرات وأتمنى ان يتحقق!! ان تحقيق هذا الحلم سيكون انتصارا للعدل وهدية للعالم كله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق