ولفت إلى ان تعزيز سلطته عن طريق حل المجلس العسكري الأعلى، الذي كان يُدير شؤون البلاد، ومنح نفسه صلاحيات واسعة على النظام القضائي، لم تأت من فراغ، بل أن المرسوم الدستوري (تجاوز السلطة القضائية) الذي أصدره الخميس الفائت لم يكن من قبيل الصدفة، أنما جاء هذا المرسوم الديكتاتوري بعد نجاح الرئيس المصري في لعب دور الوساطة ونجاحه في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
وشدد الباحث الإسرائيلي على أن مرسي يسعى إلى تعزيز سيطرته على مصر مع الاستمرار من الاستفادة من المساعدات الغربية، التي تحصل عليها بلاد النيل، على حد تعبيره. واعتبر الباحث أن المرسوم الدستوري هو ضربة أخرى من قبل مرسي، ففي آب (أغسطس) من هذا العام فوجئ الجميع بعزل المجلس العسكري الأعلى بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي، والاستعاضة عنه وعن بقية الجنرالات والقيادات بجنرالات تُعيد بعض الهدوء إلى البلاد، مشيرا إلى أن مرسي استغل مذبحة شرطة الحدود 15 الذين قُتلوا من قبل مجموعة جهادية بالقرب من الحدود المصرية في غزة كعذره لتطهير الجيش المصري من القيادة التي كانت مسؤولة، وشددت الورقة على أن عزل القيادة العسكرية مر بدون احتجاجات أو أي أعمال أخرى في الشارع المصري أو داخل المؤسسة العسكرية، ومضى قائلاً إن مرسي لم يُكلف نفسه عناء توجيه الدعوة للجنرالات المقالين إلى الاحتفال بالنصر في حرب أكتوبر 1973، على الرغم من أنهم كانوا من قدامى المحاربين البارزين في هذه الحرب.
وساق البروفيسور فريش قائلاً إنه في الـثاني والعشرون من الشهر الجاري وجه الرئيس للمرة الثانية ضربة أخرى، في تصرف غريب عجيب، واستغل الوضع، بعد المرسوم الديكتاتوري للتوجه إلى حضور مؤتمر عن التنمية الاقتصادية في كراتشي، باكستان، وأصدر مرسومًا رئاسيًا (يطلق عليها اسم 'حماية الثورة القانون') الذي أنهى عمليًا عمل لجنة صياغة الدستور، الأمر الذي أدى إلى انسحاب معظم العلمانيين واللبراليين وممثلي الكنيسة القبطية منها، علاوة على ذلك، تولى المسؤولية لإقالة النائب العام، الذي لا يحظى بشعبية في مصر بسبب عدم محاكمة الفلول من النظام البائد، أي نظام حسني مبارك، مشددا في المرسوم على أن هذه القرارات نافذة، ولا يمكن لأي هيئة الاعتراض عليها.
وساق الخبير الإسرائيلي قائلاً إن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيون، على الرغم من خطابهم الديمقراطي، لم يرتق رد فعلهم إلى المستوى المطلوب واكتفوا بالتنديد واللوم الضعيفين، على حد تعبيره، وعبروا عن قلقهم من تصرفات مرسي، ولكن لا أكثر من ذلك، ذلك أن هذه الدول، كانت أكثر مهتمةً بنجاح الرئيس مرسي في وقف إطلاق النار بين حماس وبين إسرائيل، على حد تعبيره.
بالإضافة إلى ذلك، تساءل البروفيسور الإسرائيلي في ورقته البحثية عن مسألة التوقيت، لافتًا إلى أنه ما هي العلاقة بين إعلان المرسوم الرئاسي، الذي دفع منتقديه إلى تسميته بفرعون جديد، وبين وقف إطلاق النار في غزة؟ مجيبا أن هذا الأمر يبدو وكأنه لغزا، ولكن في الواقع كان الترابط والتوقيت بين الحدثين: المرسوم ووقف إطلاق النار، ترابطا منطقيا ومقنعا، على حد قوله.
فقد تعهد الرئيس مرسي، وهو عضو بارز في حركة الإخوان المسلمين، تعهد للحركة التي ينتمي إليها قبل أن ينتخب لرئاسة الجمهورية، أنه سيُبت نفسه من خلال وقف إطلاق النار في غزة وهو الأمر الذي لم يسع الرئيس السابق مبارك إلى فعله، ناهيك عن تحقيقه. وتابع الباحث قائلاً إن مبارك يُصور بشكل خاطئ من قبل وسائل الإعلام على أنه كان حليفًا لإسرائيل، ولكن خلال فترته تمكنت حركة حماس من إدخال كميات كبيرة من الصواريخ والعتاد العسكري من شبه جزيرة سيناء إلى قطاع غزة، زاعمَا أن الرئيس المصري المخلوع استخدم حركة حماس لاستنزاف الدولة العبرية على الجبهة الجنوبية.
وأشار الباحث فريش إلى أن موقف مبارك تغير بعض الشيء بعد قيام مئات الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة، في كانون الثاني (شباط) من العام 2008 باقتحام معبر رفح الحدودي إلى شمال سيناء، زاعما أن العشرات من مقاومي حماس ومن الجهاديين اخترقوا الحدود واستقروا في سيناء، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى تحول شبه الجزيرة إلى مرتع للإرهابيين وإضعاف السيطرة المصرية في المنطقة، على حد قوله.
وتابعت الورقة البحثية قائلةً إن مرسي، خلافًا للرئيس المخلوع مبارك، بات ملزما بوقف جميع الهجمات الصاروخية من قطاع غزة، وتحديدًا من قبل حركة حماس، باتجاه، جنوب الدولة العبرية، كما أنه أصبح ملزمًا لوضع حدٍ لكل أشكال المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة ضد أهداف إسرائيلية، وهذه المقاومة هي التي تُميز حماس عن السلطة الفلسطينية في رام الله بقيادة محمود عباس.
وزاد: توقيت وقف إطلاق النار ومرسوم مرسي يشير إلى وجود علاقة مع غزة، ذلك أنه يُحاول إجبار أمريكا وحلفاؤها الأوروبيون إلى التوصل لاتفاق معه وفق هذه الصيغة: اسمحوا لي أن أكون فرعون في مصر، وبالمقابل سأُقدم لكم الاستقرار على الجبهة الإسرائيلية.
بكلمات أخرى: مرسي يقول: أعطوني مملكتي، وأنا سوف أعطيكم الأولوية في التحالف معكم في المنطقة. واختبار مرسي، كما يُسميه البروفيسور فريش سيكون: هل الولايات المتحدة وأوروبا، ودول الخليج على استعداد قبول هذه الصفقة ببساطة: هل ستقبل هذه الدول منح قرض صندوق النقد الدولي لمصر بقيمة 4.8 مليار دولار، مع خمسة مليار يورو من المساعدات، وأموال إضافية من المال الخليجية؟ وهذه الأموال هدفها إنقاذ الاقتصاد المصري الذي يعاني من الاضطرابات الداخلية.
وخلص الباحث إلى القول إن السياسة الخارجية لأمريكا كانت دائمًا تعاني من التوتر بين المثل العليا للديمقراطية (جيفرسون) نشر والواقعية (هاميلتون)، وبالتالي يُمكن الرهان على أن واشنطن، على الرغم من الخطاب الديمقراطي، المصادقة على الصفقة مع مرسي، لكن الصفقة قد تكون مؤلمة، بناء على التجربة العراقية وأمثلة أخرى كثيرة تشير إلى أن أمريكا تُفضل مصالحها على مبادئها الراقية، على حد تعبيره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق