صباح أيوب
«هو الموضوع الذي أجّلنا التفكير فيه عمداً حتى أُجبرنا على ذلك أخيراً»، قال معظم الصحافيين الاميركيين، مشيرين الى أنه منذ بداية تحركات «الربيع العربي» وما أنتجه من تغيرات إقليمية عرف المراقبون أن دور فلسطين ــ وغزة تحديداً ــ آت لا محال، وأن الصدام مع إسرائيل أمر محتوم. ستيفن كوك، في مجلة «فورين بوليسي»، تحدّث عن «عهد جديد» حيث «أدرك المراقبون الدوليون أن زعماء المنطقة الجدد والقدماء باتوا يرزحون تحت ضغوط الشارع وهم مجبرون على تلبية نداءات شعوبهم ومحاسبة الولايات المتحدة وإسرائيل على أعمالهما».
لكن كوك، ورغم اعترافه بأن «المرحلة خطيرة جداً»، يقول إن «السماء لم تسقط بعد». لماذا؟ «لأن القيادة المصرية الجديدة قدّمت دعماً شفهياً وبلاغياً فقط لحماس ومن جهة اخرى لعبت دوراً محورياً لوقف تصعيد المعارك». والسبب الثاني حسب كوك «هو عدم تحرّك الجبهات الاخرى الحدودية مع إسرائيل»، لا اللبنانية ولا السورية ولا الاردنية. كوك يخلص الى أن «التوصل الى هدنة سيقود الى مرحلة جمود جديدة ستزيد خلالها «حماس» وإسرائيل من تسلحهما لتتعاركا مجدداً في وقت لاحق لأن أسس العلاقة بين الطرفين لم تتغير».
«صحيح أن معظم دول الشرق الاوسط مشغولة بمشاكلها الداخلية لكن فلسطين هي شأن سياسي داخلي، وخصوصاً في مصر»، يضيف الكاتب ويسأل ماذا يعني كل ذلك بالنسبة للولايات المتحدة؟ «هذا يعني أن واشنطن لا تملك الآن حليفاً يوازي بين مصالحها ومصالح الاسرائيليين والفلسطينيين كما فعل حسني مبارك». كوك يتابع «مرسي لن يلعب هذا الدور، وملك الأردن مشغول بمشاكله الخاصة، والاسرائيليون لا يثقون بالأتراك، وقطر لا تملك سوى المال لتقدّمه، والسعوديون حريصون جداً على عدم الوقوع في هذا المأزق». والحلّ؟ «البعض يقترح أن تعيد الولايات المتحدة دوزنة مقاربتها للصراع. أي أن توقف دعمها المطلق لإسرائيل وتضغط عليها لتوقيع اتفاقية سلام مع الفلسطينيين»، يجيب الصحافي. لكن هذا الاقتراح يبدو «غير واقعي، لأن السياسة الداخلية الأميركية ستقف دائماً الى جانب إسرائيل، اضافة الى الأسباب الاستراتيجية الاميركية كالتهديد الاسرائيلي باستهداف المنشآت النووية الايرانية والدخول في صدام مباشر معها». اذا تقف الولايات المتحدة اليوم بين خيارين: إما أن تغيّر طريقة تعاطيها مع الصراع العربي الاسرائيلي ما قد يزعزع علاقاتها بإسرائيل أو تستمر بتقديم الدعم المطلق لحليفتها فتضرّ بموقعها في العالم العربي المتغيّر.
ستيفن م. والت كان حاسماً بهذا الخصوص، وقال في مدونته، في «فورين بوليسي»، «إن القادة الاميركيين لا يجب أن يسمحوا بأن تتأثر كامل السياسة الاميركية في الشرق الاوسط بحليف تبدو قراراته الاستراتيجية أسوأ من قراراتنا». «لأن ما حصل في غزة ليس حادثاً معزولاً بل هو نموذج سيطول»، يردف والت في مقال بعنوان «خرافة عبقرية إسرائيل الاستراتيجية».
مارتن إنديك طالب أيضاً الرئيس باراك أوباما بـ«إعادة محورة سياسته الخارجية وتحويلها من آسيا الى الشرق الاوسط مجدداً». «المطلوب بشكل عاجل الآن ليس وقف إطلاق النار وحسب بل إيجاد استراتيجية طويلة الأمد لضمان استقرار العلاقة بين إسرائيل وغزة». إنديك يقترح إذاً على أوباما أن «يعمل مع الرئيس المصري محمد مرسي لوقف أي تصعيد قد يطيح اتفاقية السلام وأن يُخرج حماس من معسكر الممانعة الايراني ويضعها في معسكر السلام الذي تقوده مصر». إنديك يرى أن بنيامين نتنياهو وضع نفسه في مأزق مزدوج وهو بالتالي سيكون بحاجة الى مساعدة أوباما، إذاً سيلبّي اقتراحات هذا الاخير في حال كانت أفضل من الخيارات المتاحة له.
أما عن «مصر الجديدة» فكان هناك شبه إجماع بين المحللين على أنها «لم تكن جديدة بقدر ما ظنّت حماس». دينيس روس رأى مثلاً أن «حماس شعرت بأن مصر تغيّرت فعلاً ما أثر على حساباتها في تصعيد معركتها مع إسرائيل»، لكن «مصر كانت متعاطفة فقط مع غزة ولا تحبّذ فكرة الدخول في حرب مع إسرائيل». التأكيد على «عدم شهية النظام المصري الجديد للدخول في حرب مع إسرائيل» تكرر في مقال إتش. إ. هيلير من «مركز سابان لسياسات الشرق الاوسط». هيلير رأى أن «بعض الامور لا تزال كما هي في مصر» لكن «الرئيس مرسي يحتفظ بهامش من التصرف وهو يستجيب لمطالب شعبه بقدر ما يستجيب للإسرائيليين». لذا، وبعدما لعب دوراً هاماً في المفاوضات، سيقدّم مرسي نفسه لواشنطن «كجزء أساسي من الحلّ وليس من المشكلة»، كما يقول المحلل ديفيد ماكوفسكي من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى».
أمر آخر أشار اليه بعض المحللين وهو «التعاطف الذي اكتسبته المقاومة الاسلامية في الداخل الفلسطيني». وهو ما نقله الصحافي إيثان برونر، في مقال في «ذي نيويورك تايمز»، إذ تحدّث عن «تنامي الشعور بالتماهي مع حماس في الضفة الغربية وتراجع صدقية السلطة الفلسطينية، التي تعتبرها واشنطن الشريك الوحيد لأي سلام مع إسرائيل». لذا، ينبّه برونر من أن «تطرّف الضفة الغربية وفقدان السلطة الفلسطينية صدقيتها سيعني زيادة تهديد أمن إسرائيل وفرصة كبيرة لصالح المعادين للغرب في الجو الاسلامي العام في المنطقة».
تحذير آخر من «حماس» جاء في مقال روبرت دريفوس، في مجلة «ذي نايشن» الاميركية، إذ نبّه الكاتب من أنها حركة «متجذّرة في عمق يمين الإسلام السياسي ولا يمكن أن نُعجب بها كثيراً». دريفوس يقول إن «استهداف إسرائيل لقيادات حماس أدى الى زيادة تطرّف الفلسطينيين... ولعلّ هذا ما تصبو اليه إسرائيل، فهي تنجح من خلال هذا التطرف».
أما بيتر بايكر وديفد كيركباتريك فقد حللا خطوة اتفاق الهدنة الذي توصّل اليه الأطراف أخيراً في مقال في صحيفة «ذي نيويورك تايمز» . رأى الكاتبان أن الاتفاق وما أحاطه من ظروف مفاوضات واتصالات مباشرة بين أوباما ومرسي أرسى «الخطوط الجيوسياسية الجديدة بين الرجلين والتي لا تخلو من المخاطر لكليهما». ويشير الكاتبان الى عدد الاتصالات «غير المعتاد» بين أوباما ومرسي إذ تصل الرئيس الاميركي بنظيره المصري 3 مرات خلال 24 ساعة و6 مرات خلال أيام قليلة، والأهم ما قاله أوباما لمساعديه عن مرسي. إذ أبدى الرئيس الاميركي إعجاباً بـ«ثقة مرسي البراغماتية مع القليل من الأيديولوجيا» وتأثراً بـ«دقّته وقدرته على تنفيذ ما يعد به من دون أن يعد بما هو ليس قادراً على تحقيقه». لذا، يخلص الصحافيان الى أن أوباما، ورغم الانتقادات التي أحاطت بانتخاب مرسي المقرب من «الاخوان المسلمين»، قرر أن «يستثمر فيه بشكل كبير». أجواء التفاهم نقلها أيضاً الطرف المصري، كما بيّن المقال، الذي نقل عن مستشار الشؤون الخارجية للرئيس المصري قوله إن «شراكة استثنائية تنشأ بين الرئيسين». لكن، المحلل روبرت ساتلوف يقول للـ«تايمز» إنه لا يتوافق مع أوباما، فهو يرى أن مرسي «لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يبتعد عن أيديولوجيته».
ماذا عن النصائح الاميركية لأوباما في هذه الحالة؟ يقول إيريك تراغر من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى» إنه «على الرغم من أنه ليس باستطاعة إدارة أوباما تغيير الأهداف الطويلة الأجل لحركة ضيقة الأفق ومتطرفة مثل جماعة «الإخوان المسلمين»، يمكن للإدارة أن تخطو الخطوة الاولى في هذا الاتجاه بأن تخبر مرسي بشكل واضح جداً بأنه بينما هو حر في أن يختلف مع الولايات المتحدة بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إلا أنه لا يستطيع الاختلاف على أهمية الحفاظ على العلاقات بين مصر وإسرائيل». «تلك العلاقة التي ساعدت على منع نشوب حرب بين جيشين من أقوى جيوش المنطقة خلال فترة زادت عن ثلاثة عقود مضت»، يضيف تراغر.
نصيحة اخرى يقدمها المحلل لإدارة أوباما وهي «استخدام المساعدات الاقتصادية والدعم الأميركي للحصول على قرض من «صندوق النقد الدولي» كعامل مؤثر لضمان بقاء مرسي ضمن خطوط حمراء محددة بوضوح، لأن هذه المساعدات ليست خيرية بل تُعد استثماراً في علاقة واشنطن مع مصر المسالمة مع جيرانها».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق