وأشارت الصحيفة إلى أن من الطبيعي المقارنة بين حربي غزة الأولى “الرصاص المسكوب” والثانية “عمود السحاب” وملاحظة أن الأهداف المعلنة لم تتغير: توفير الأمن لسكان الجنوب وتعزيز قدرة “إسرائيل” الردعية . وقالت إن الفارق بين الحربين هو اختفاء مطلب تحرير الجندي الأسير جلعاد شاليط من جهة والأمل أن تنتهي الحرب من دون التورط في تقرير “غولدستون 2” . ولكن رئيس شعبة الاستخبارات الأسبق لا يوصي أحداً بالمقارنة بين الحربين اللتين تتشابهان شكلاً لكنهما تختلفان جذرياً لجهة الظرف الإقليمي وتوازنات القوى في أعقاب ما يسميه “التسونامي العربي”، وهو التعبير الذي يستخدمه رفضاً لتعبير “الربيع العربي” . ويشير زئيفي الذي ترك الخدمة النظامية عام 2006 إلى وجود عازفين جدد على الحلبة وهم يوجهون آلاتهم الموسيقية ويتعلمون تحت النيران الموسيقا التي ينتجها الواقع الشرق أوسطي الجديد .
ويقول زئيفي حول التشابه، “أظن أن الصورة اليوم مغايرة تماماً، وهي تنطوي على فرص ومخاطر ل “حماس” . وإذا لم تسر الأمور كما ينبغي فإنهم في النهاية سيصلون إلى موقع ضعف كما حزب الله، الذي يعيش في الملاجئ منذ ست سنوات” . ويعتبر زئيفي أنه “يتعذر جداً توقع الصورة التي ستنتهي إليها الجولة الحالية، لكنني أود تصديق أن الضغوط الممارسة من كل الاتجاهات على “حماس” - أولاً من جانب “إسرائيل”، التي لا مفر أمامها سوى الدفاع عن مواطنيها، ستسمح ربما بسنوات معدودة من الحياة الاعتيادية”.
وفي سياق حديثه عن سعي “حماس” حالياً لتحديد معسكري الأصدقاء والأعداء، أعرب زئيفي عن اعتقاده بأن “تركيا مثلاً لا يمكنها أن تسمح لنفسها بأن تكون فائقة التطرف ضد “إسرائيل” لأنها تعاني مشكلات شديدة مع سوريا . وهذا اختبار أعلى وأشد جوهرية في زمن تتحرك فيه السياسة في الشرق الأوسط من مكانها كما في الهزة الأرضية . فهذه سيرورات عميقة تؤثر على صنع القرارات لدى الجميع، وتحت النيران . وفي الأيام الأخيرة، يبدو لي أن “حماس” في هذه المرحلة أشد تطرفاً في نظرته إلى العالم . وهم يؤمنون أنهم بواسطة القوة سيجبرون “إسرائيل” ففي نهاية المطاف على أن ترد بشدة وأن توقع خسائر كبيرة في صفوف السكان غير المشاركين في القتال والمستخدمين كدروع بشرية حية، فالمساس بالسكان المدنيين يثير العالمين العربي والغربي للضغط على “إسرائيل” للتراجع” .
تجدر الإشارة إلى أن الجنرال زئيفي، البالغ حالياً من العمر 63 عاماً، كان من قاد الاستخبارات العسكرية “الإسرائيلية” في عملية تجديد آليات فهم الواقع والتكيف الاستخباري معه . ويذكره كتاب “عصر ما لا يخطر بالبال” لجوشوا كوفر كأحد القلائل من الرجال في العالم الذين أنجزوا تغييراً كهذا بنجاح . وحسب الكتاب ركز زئيفي على أمور لا تتصل مباشرة بالتهديدات التي تتعرض لها “إسرائيل” وحلل مغازيها، وتعلم من أخطاء العدو، وطور أسلوب الاغتيالات أيام الانتفاضة الفلسطينية الثانية، الأمر الذي قاد إلى تحقيق فترة أطول من الهدوء . ومن الجائز أن خدمته الطويلة في الاستخبارات، حيث قاد وحدة جمع المعلومات تقنياً المعروفة باسم وحدة 8200 قبل أن يقود شعبة التكنولوجيا والإمدادات في الجيش . واشتهر عنه أنه صاحب تحليلات معمقة وتوفعاته كثيراً ما تكون دقيقة .
ويعرض زئيفي، في مقابلته تشريحاً لخريطة الشرق الأوسط السياسية الراهنة التي شهدت تغييراً جوهرياً خلال العامين الأخيرين . وهو يقول، “أرفض تسمية ما حدث في المنطقة العربية “ربيع عربي”، وأسميه “تسونامي”، وهو ينطوي على تطور فائق الأهمية: الإسلام السياسي السني رفع رأسه من خلال التأثير على حكومات وأنظمة من تونس وليبيا إلى اليمن ومصر . ونحن نرى، مثلاً، أن النواة الصلبة للمعارضة في سوريا هم الإخوان المسلمون . وهذا هو أحد الميول الأشد خطورة التي نجمت عن التسونامي العربي، وهو يشهد على أن الإسلام السني الراديكالي بات يشكل الخطر رقم واحد على “إسرائيل”، إذا حيدت جانباً القنبلة النووية الإيرانية” .
ويضيف زئيفي “من ناحية أخرى، الرئيس مرسي يفهم أن الوضع الاقتصادي لمصر لا يسمح لها بتقديم دعم بغير حدود لحماس . وهو يواجه اقتصاداً ينهار، فمداخيل مصر من السياحة حتى يناير/كانون الثاني 2011 كانت تبلغ عشرة مليارات دولار نقصت الآن إلى الثلث . ومنذ الثورة ولد في مصر نحو مليون ونصف المليون طفل، ولا داعي للتذكير بأن نصف المصريين فقراء . الثورة المصرية أصيلة، وهي لم تثر ضد “إسرائيل” وإنما بسبب مشكلات الشعب المصري . في وضع كهذا، إذا لم تكن “حماس” حساسة أو تتجاوز الحدود، فليس بوسع مرسي المساعدة” .
وشدد زئيفي على اعتقاده بأن “مصلحة المحافظة على اتفاقية السلام وملحقها العسكري مهمة لمصر بقدر لا يقل عن “إسرائيل” . وكذا الحال مع الأردن . وفي ضوء المشكلات الأساسية التي يعانونها ليس بوسعهم تحطيم كل الأواني دفعة واحدة . وللمرة الأولى، هناك حكم حماس في غزة، وللمرة الأولى منذ عقود يصل الإخوان المسلمون إلى سدة الحكم في مصر . وهذا اختبار أعلى لتناقض الأفكار . وإذا تصرفنا بحكمة فإن المشكلات الداخلية ستلزم مرسي اتخاذ خطوات حذرة إزاء “إسرائيل” - أولاً بسبب مصالح داخلية، وليس حباً في “إسرائيل” أو جراء أي التزام آخر . وإذا تصرفنا بحذر وحساسية مع المشكلات الصعبة في مصر ومع المصالح المصرية، إلى جانب مصالحنا، فبوسع الجانبين مواصلة إقامة هذا السلام” .
ويعتبر زئيفي أن وضع “إسرائيل” الاقتصادي إبان الأزمة العالمية كان جيداً إلا أنه “في العامين الأخيرين حدثت أمور كالأحداث في غزة، وخطر تحول سيناء إلى بؤرة للإرهاب، والخشية من وصول سلاح كيماوي سوري إلى “أيد غير مسؤولة” وأيضاً الشأن الإيراني، وجميعها تفرض على “إسرائيل” نفقات اقتصادية باهظة جداً، تقع في نهاية المطاف على كاهل المواطنين والقطاع الاقتصادي . وتوقع زئيفي تزايد الأعباء الاقتصادية على “إسرائيل” في ظل توقعات بانعدام الاستقرار في سوق النفط العالمي في السنوات المقبلة من جراء التسلح الإيراني النووي في الخليج .
وأشار زئيفي إلى أن “حماس” استخلصت العبر من الحرب السابقة وحشدت أسلحة مخلة بالتوازن مثل صواريخ متطورة مضادة للدروع وصواريخ بعيدة المدى مثل “فجر5” . واعتبر أن هذه استخلاصات نابعة من تبادل الأفكار مع كل من إيران وسوريا وحزب الله . وأوضح أن “أحد الدروس واجبة الاستخلاص ل “إسرائيل” تتمثل في أن علينا تحديد نقطة التوازن التي يبدأ الردع فيها بالاختلال . فقد استمر الردع من جراء عملية الرصاص المسكوب عامين تقريباً . ومن الجائز أنه بعد عامين ينبغي تنفيذ عملية كهذه، أكثر محدودية، لا تستلزم عملاً برياً، ولكن بها يصان الردع لفترة أطول ونستطيع العيش بهدوء لزمن أطول . وأنا لا أؤمن أن الحل يكمن فقط في الصراع العنيف بيننا” .
وعن اغتيال الشهيد أحمد الجعبري قال زئيفي إن “لكل شخص بديل، ولكن على المدى الأبعد إذا أصبنا القيادة العسكرية التي راكمت خبرة وبنت قدرات، والجعبري أحد مهندسي القدرة العسكرية لحماس، سيكون أناس أقل خبرة في الحكم فيقترفون أخطاء أكثر”
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق