الجمعة، 23 نوفمبر 2012

بين "تفاهم نيسان" واتفاق غزة>>>وليد شقير

هل يشبه اتفاق الهدنة الذي رعته مصر بغطاء أميركي، بين حركة «حماس»، ومعها «حركة الجهاد الإسلامي»، وبين إسرائيل، في غزة، «تفاهم نيسان» الذي رعته الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وسورية ورئيس الحكومة السابق الشهيد رفيق الحريري بين «حزب الله» وإسرائيل عام 1996، والذي أنهى العدوان الإسرائيلي على لبنان في ذلك الحين، وكانت سبقته مجازر شبيهة بتلك التي ارتكبها الإسرائيليون في القطاع بالأمس، وكان أشهرها في آخر عقد من القرن الماضي مجزرة قانا الأولى؟




ما يدفع الى التساؤل حول أوجه الشبه بين الهدنة الحالية و «تفاهم نيسان، هو أن اتفاق غزة كرّس اعترافاً إسرائيلياً بحركة «حماس» كحركة مقاومة من الجانب الإسرائيلي والى حد ما من الجانب الأميركي، مثلما حصل الاعتراف الإسرائيلي والأميركي عام 96 بـ «حزب الله» كحركة مقاومة ضد الاحتلال حين نصّ على تجنب استهداف المناطق الآهلة بالسكان، إذ أن اتفاق الأمس ينص على ما يشبه ذلك بعبارات مختلفة، حين يشير الى وقف إسرائيل الأعمال العدائية في غزة براً وبحراً وجواً والاجتياح واستهداف الأشخاص (الاغتيالات) وأن تمتنع الفصائل الفلسطينية في المقابل عن هجماتها على إسرائيل بما فيها إطلاق الصواريخ (التي استهدفت المدنيين في القدس وتل أبيب خلال الأيام الماضية) والهجمات عبر الحدود.



الاعتراف المتبادل هو وجه الشبه الأساس بين الحالتين، ولو كان اتفاق غزة جرى بين فريقي الصراع بطريقة مباشرة، كما حصل في «تفاهم نيسان» اللبناني، فمثلما اعترفت تل أبيب وواشنطن بـ «حماس»، فإن الأخيرة اعترفت بحدود إسرائيل بالامتناع عن شن الهجمات على أراضيها، فيما كان «حزب الله» يقاتل الاحتلال على أرض بلده في ذلك الحين. وقد أتبع رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» خالد مشعل ذلك بكلام لمحطة «سي إن إن» أول من أمس عن الحاجة الى قيام دولة فلسطينية على حدود 1967 وهو تكريس لما سبق للحركة ان قالته في شكل غامض وعاد بعض قادتها فتراجع عنه، بالقبول بحل الدولتين، الذي تسعى اليه مرجعية السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس.



في الاتفاقين أوجه شبه وأوجه اختلاف، فإذا كان «تفاهم نيسان» أنشأ مرجعية مراقبة ضمت سورية في لجنة مراقبة تطبيقه الى جانب أميركا وفرنسا ولبنان وإسرائيل، كانت تتحرك على الأراضي اللبنانية والإسرائيلية (باستثناء سورية) عند حصول أي خرق، فإن مرجعية المراقبة بالنسبة الى غزة هي مصر وحدها ومن ورائها واشنطن ومعها تركيا وقطر، أي أن لا وجود فيها لمحور الممانعة الذي كان ممثلاً بسورية في لبنان، وحلّت مكانها في غزة مصر التي عادت الى لعب دور من المؤكد أنه أكبر من ذلك الذي لعبته أيام النظام القديم، إضافة الى تركيا وقطر. فهذا المحور الجديد في ما يخص غزة تعود اليه رعاية ما يعتبره الأميركيون ضمناً خطوة جيدة ومطلوبة هي سحب «حماس» من تحت عباءة الرعاية الإيرانية.



وهذا يطرح السؤال عما إذا كان من أوجه الشبه أن «تفاهم نيسان» كرّس مرجعيتين لبنانيتين لاحقاً، هما «حزب الله» والدولة اللبنانية، وبالتالي فإن اتفاق غزة سيكرّس وجود مرجعيتين على الساحة الفلسطينية أي «حماس» وسلطة محمود عباس، ما لم يحصل تقدم على صعيد إعادة الوحدة الفلسطينية المضروبة منذ عام 2007.



قد يفتح اتفاق غزة الباب على خلط الأوراق الإقليمية، ويطرح على «حماس» تحدي القدرة على إلزام الفصائل الفلسطينية الأخرى بهذا الاتفاق، إذا أراد أي من هذه الفصائل خرقه في ظل الحديث عن استمرار علاقة «حركة الجهاد الإسلامي» التحالفية مع طهران. وقد يطرح عليها تحدي الموقف من استعداد واشنطن لفتح قنوات التواصل معها، رداً من الأميركيين المذعورين بسبب إصرار أبو مازن على طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية غير المكتملة العضوية في الجمعية العمومية للأمم المتحدة الأسبوع المقبل، وانتقاماً منه، بإجراءات قد تصل الى اعطاء الضوء الأخضر لعمل عدائي ضد الضفة الغربية ورام الله. فهل يعني اتفاق غزة تحييدها تمهيداً للفتك بالضفة وأبو مازن انتقاماً، كما تتوقع دوائر عدة؟ وهل يشمل هذا الاتفاق الضفة من زاوية الامتناع عن «الأعمال العدائية»؟ في ظل حملة غربية بلغت حد الطلب الأوروبي من كل القادة العرب، بمن فيهم رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي، ان يضغطوا على أبو مازن لثنيه عن تقديم طلب الاعتراف في الأمم المتحدة. وحين حاول ميقاتي إقناع الرئيس الفلسطيني، رفض الأخذ بالنصيحة.



أحد أوجه الشبه بين اتفاق غزة و «تفاهم نيسان» أنه حين شنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية شمعون بيريز آنذاك حرب 1996 كان يتهيأ للانتخابات آملاً أن يربح شعبية، فخسر تلك الانتخابات. وبنيامين نتانياهو شنّ هجومه على غزة آملاً استعادة القدرة على الردع لكنه فشل، فهل يخسر الانتخابات مثل بيريز؟



اتفاق غزة محطة مهمة في دينامية جديدة في المشهد الإقليمي المتحرك بسرعة والمفتوح على احتمالات لا تحصى.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق