السبت، 24 نوفمبر 2012

حرب غزة الثانية تمرين على حرب اوسع مع ايران بدأت قبل شهر بهجوم الخرطوم واسرائيل ارادت التعرف على قدرات حماس وتكنولوجيا الصواريخ

لا تزال حرب غزة الثانية تثير الحديث عن ميزان القوى الجديد في المنطقة والذي اصبحت فيه مصر اللاعب المركزي، والحديث يتواصل عن الرابحين والخاسرين، وان تركز الحديث عن السلطة الوطنية واسرائيل كخاسرين حقيقيين في المعركة الاخيرة، فلم تتم الاشارة الى سورية التي ظلت وحتى اندلاع الحرب الاهلية فيها، الراعية الحقيقية للمقاومة ودول الممانعة والتي ضمت حماس وحزب الله بالاضافة للحليف الاستراتيجي ايران. فالرئيس السوري بشار الاسد الذي يقاتل من اجل بقائه حربا دموية تحصد المئات اليومية لم يظهر كعادته ويلقن القادة العرب دروسا في الولاء والمقاومة، كما ان مكاتب الفصائل الفلسطينية التي رعاها مقفلة وبعضها مغلق بالشمع الاحمر.
وفي المقابل فايران التي اعترفت حماس بانه لولا صواريخها لم تكن المقاومة بقادرة على ضرب العمق الاسرائيلي والصمود ثمانية ايام قبل ان يقرر بنيامين نتنياهو الموافقة على وقف اطلاق النار في حرب بدأها. ولكن ايران التي بنت عمقا لها في المنطقة وتأثيرا على القضية الفلسطينية سيتعرض موقفها هي الاخرى لتأثير في ظل الصعود المصري او عودة مصر لدورها التقليدي، اضافة الى ان بعض المحللين والمسؤولين الاسرائيليين يرون في الحرب الصغيرة على غزة سيناريو وامتحانا لمدى قدرة الجيش الاسرائيلي على مواجهة اكبر مع ايران التي تهدد اسرائيل بضرب مشروعها النووي.


حاخامات تعلموا من الاسد

وقد التقط ايان بلاك محرر الشؤون الخارجية في صحيفة 'الغارديان' الموضوع السوري واشار الى غياب الدور السوري الكامل في حرب غزة. وقد اختارت الصحيفة صورة للاسد ممزقة على خلفية حمراء بين علمي فلسطين وسورية. ويعتقد الكاتب ان الاسد ليس الرئيس العربي الوحيد الذي يواجه تهميشا. ويقول ان الاسد اصبح رجل الامس، فيما اصبح محمد مرسي، الرئيس المصري رجل اليوم والشخص القادر على التوسط بين حماس واسرائيل. ومع ان الاعلام السوري الرسمي ركز على هجوم الثمانية ايام الا ان نقاد النظام قاموا بعملية حسابية بين عدد الضحايا الفلسطينيين (140 شخصا) في عملية 'عمود الدفاع'، مقابل 817 مدنيا قتلوا والاف جرحوا برصاص وقصف النظام السوري للمدنيين السوريين في نفس الفترة. بل فما قتلته اسرائيل في 8 ايام قتله الرئيس الاسد في يوم واحد ان اخذنا بتقديرات المعارضة السورية التي قالت ان 150 شخصا قتلوا يوم الاثنين. ولم يخف المذبح السوري عن الجانب الاسرائيلي الذي طالب مسؤولوه ورجال دينه بتدمير غزة وارجاعها للعصور الوسطى بل باتباع المثال الامريكي في اليابان اثناء الحرب العالمية الثانية، فبحسب حاخام اسرائيلي دعا الجنود التعلم من 'السوريين كيف يذبحون عدوهم'. ومع ان النظام اعتقد ان الحرب على غزة قد تحرف الانتباه عن جرائمه الا ان الازمة السورية ظلت حاضرة.

بدون حليف

ويقول بلاك ان سورية 'رسميا' ظلت على خط المواجهة مع اسرائيل طوال 64 عاما، حيث خسرت مرتفعات الجولان في عام 1967 ولم تستطع استعادتها في حرب رمضان عام 1973 وحضرت في الحرب اللبنانية الاخيرة والحروب السابقة وان بشكل غير مباشر. كما تعرضت سورية لهجمات اسرائيلية لعل اهمها تدمير المفاعل النووي السوري عام 2007. وعلى الرغم من هذا فسورية لم تطلق منذ عام 1973 اي رصاصة نحو اسرائيل ومن هنا فضلت الجارة اسرائيل الاسد الاب وابنه من اجل الابقاء على الجبهة الشمالية هادئة.

وتخشى اسرائيل الآن اثار الحرب الاهلية التي لم تصل بعد وبقوة للمناطق القريبة منها كما تعاين الوضع السوري عن قرب خاصة الترسانة الكيماوية التي تملكها سورية التي تخشى ان تقع في يد المعارضة السورية خاصة الجهادية منها. ولم تستطع سورية الاتفاق مع اسرائيل في محادثات سلام استمرت ثمانية اعوام.

ويشير بلاك الى ان النظام السوري الذي طالما وصف نفسه وبلاده بانه قلب العروبة النابض لم يعد يقنع الكثيرين في العالم العربي وباستثناء حليفيه حزب الله وايران فالبقية من الفصائل تخلت عنه لانها لم تستطع تحمل التناقض بين مطالبها بالحرية للفلسطينيين وقمع النظام للسوريين المطالبين انفسهم بالحرية. وكاشارة عن التغير في المصير يشير الكاتب الى ان خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والذي كان مقيما في سورية اصبح الان ضيفا معززا على مصر وقطر.

وهذه الايام اصبح لحماس التي لا تزال مصنفة اوروبيا وامريكيا كحركة ارهابية اصدقاء من عرب مؤثرين ومحترمين اكثر من الاسد. ويقول بلاك ان بعض الفصائل الفلسطينية الصغيرة لا تزال موجودة في سورية مثل الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة الا ان الفلسطينيين في سورية عانوا في مخيماتهم مثلما عانى السوريون بل اكثر.

حسن نصر الله ايضا

وتقول الصحيفة ان الاسد المنشغل ببقائه في الحكم ليس الزعيم الوحيد الذي يواجه تهميشا، فحسن نصر الله، زعيم حزب الله، لم يستفد من حرب غزة، فمع انه اثنى على حماس وعلق ان المقاومة قد نضجت، الا انه لم يفعل الكثير لمساعدتها. ويقول ان رصيد حسن نصر الله الكبير خاصة بعد حرب تموز عام 2006 تلاشى بسبب وقوفه الى جانب الاسد. ويقول المحللون ان حقيقة عدم اطلاق حزب الله صواريخه التي يملكها كي يخفف عن غزة ربما جاءت لانه يريد استخدامها حالة نفذت اسرائيل تهديدها وضربت ايران. ولم يفت على بلاك الاشارة الى الخسائر التي لحقت بالسلطة الوطنية. وينهي بالقول انه من الواضح ان كل مسلمات الشرق الاوسط القديمة تختفي فيما لا نعرف طبيعة الشرق الاوسط الجديد الذي يتشكل.

وايران ايضا

وتعتقد صحيفة 'لوس انجليس تايمز' ان ايران التي زودت حماس بالصواريخ والتكنولوجيا العسكرية تواجه منافسا قويا لها، فيما يتعلق بولاء حماس وهي مصر. وتقول ان الحرب تشكل تحولا اقليميا مهما مما سيؤدي الى تلاشي التاثير الايراني على القضية الفلسطينية والجماعات الموالية لها.

وفي الوقت الذي احتفلت فيه الصحافة الايرانية بقدرة المقاومة حيث خرجت 'كيهان' الرسمية بعنوان عريض 'صواريخ المقاومة تنجح' الا ان النظام الايراني لم يعترف بانه قدم صواريخ فجرـ 5 للمقاومة، واكتفى المتحدث باسم الخارجية الايراني بالقول ان ايران زودت حماس بالتكنولوجيا. لكن فصائل المقاومة مثل الجهاد الاسلامي كانت واضحة في تأكيدها ان كل صاروخ اطلق على اسرائيل جاء من ايران.

وتشير الصحيفة الى ان الثورات العربية التي اندلعت في العامين الاخيرين وان ادت الى صعود الاسلاميين وزيادة في المشاعر المعادية لامريكا الا انها اثرت على التأثير الايراني وخطط طهران في المنطقة.
واشارت الى العامل السوري الذي لا تزال ايران تدافع عنه وتخوض حربا بالوكالة من اجل ابقاء الاسد في الحكم، وهو ما ادى الى اغضاب حماس التي لم ترتح لهذا الدعم في وقت تواصل فيه حمام الدم للسوريين. ومن هنا فالاهتمام الايراني الحالي هو محاولة ابعاد حماس عن تأثير العواصم العربية. وستكون مهمتها صعبة خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين حماس والاسلاميين الذين يحكمون غزة لانهم جاءوا جميعا من نفس الاصل اي الاخوان المسلمين.

تمرين على حرب اوسع

وتعتقد 'نيويورك تايمز' ان حرب غزة لم تكن سوى تمرين على حرب يمكن ان تندلع في المستقبل بين اسرائيل وايران، حيث تعتبر طهران من اهم انشغالات نتنياهو والرئيس اوباما اللذين وان اختلفا حول حل ازمة المشروع النووي الايراني والتي لن تعتبر مسألة شهور لا اكثر. وتقول ان واحدا من مفاتيح الحرب على ايران هو قطع قدرات ايران على ارسال الاسلحة لغزة، حالة مواجهة بينها وبين اسرائيل.

ونقلت عن مايكل اورين- سفير اسرائيل في واشنطن والذي وصفته بالمؤرخ العسكري قوله ان حرب غزة تشبه ازمة الصواريخ الكوبية، فلم تكن امريكا تضرب كوبا بل الاتحاد السوفييتي، وعليه فغزة لم تكن الهدف بل ايران حسب السفير. وتعلق ان المقارنة ليست دقيقة لان الاتحاد السوفييتي يحاول ادخال اسلحة نووية لكوبا.

لكن في غزة كانت اسرائيل تحاول التعرف على قدرات حماس والجهاد الاسلامي ومعرفة دقة اسلحتهما الايرانية اضافة لتدمير طرق وصول الاسلحة. مشيرة ان اول هجوم حدث قبل شهر (22 اكتوبر) الماضي من عملية غزة بضرب مصنع في الخرطوم فيما قالت انها الحرب السرية مع ايران.

ويتهم السودان من الامريكيين والاسرائيليين بانه المعبر الرئيسي للاسلحة القادمة من غزة خاصة الصواريخ التي وصل مداها تل ابيب والقدس. وترى الصحيفة ان حملة الصواريخ التي تعرضت لها اسرائيل ستكون عاملا يغير قواعد اللعبة مع ان المواجهة تظل مصغرة لمواجهة اكبر مع ايران ان حدثت حالة فشل المفاوضات، مشيرة الى التدريبات العسكرية التي تقوم بها القوات الامريكية والاوروبية ودول الخليج في مضيق هرمز.


وتضيف ان اسرائيل ستواجه حرب صواريخ على ثلاث جبهات، صواريخ قصيرة المدى مثل التي انطلقت من غزة ومتوسطة مثل التي يملكها حزب الله، واخيرا بعيدة المدى مثل شهاب-3 . ونقلت عن مسؤول عسكري امريكي قوله ان الامريكيين والاسرائيليين يتعلمون الكثير من خلال هذه الحملة، فالمعلومات عن الصواريخ الايرانية تعطيهم الفرصة لادخال تعديلات على النظام الدفاعي، كما استطاعت اسرائيل عبر الهجوم من فحص نظامها الدفاعي 'القبة الحديدية' التي قالت انها نجحت باعتراض معظم صواريخ حماس. ويقول الاسرائيليون ان قدرة حماس الصاروخية قبل الهجوم كانت تتراوح ما بين 10-12 الف صاروخ، من ايران او مصممة محليا بناء على النماذج السورية، واستطاعت اسرائيل كما تقول تدمير معظمها في الهجمة المفاجئة كما تقول. ويعتقد الخبراء والعسكريون ان ايران نفسها ستقوم بعملية تقييم لدراسة مظاهر القصور في الصواريخ التي زودت حماس بها.



حماس القوية

وفي المحصلة فانعكاسات الحرب على السياسة الفلسطينية هي ما يهم، خاصة في قطاع غزة، حيث ترى 'واشنطن بوست' ان قادة حماس خرجوا من بين الدمار والقصف اقوياء اكثر مما كانوا عليه في السابق.
ونقلت الاجواء الاحتفالية التي جاءت بعد وقف اطلاق النار مشيرة الى تعدد الفصائل المسلحة والتي اظهرت وحدة لكنها تضع تحديات على حماس التي تسيطر على غزة وقدرتها لمراقبة وقف اطلاق النار خاصة انها واجهت مشاكل في منع اطلاق الصواريخ قبل هجوم اسرائيل.

ويخشى الفلسطينيون المسؤولون منهم من خرق جديد للهدنة، فمع ان بعض من نقلت عنهم قالوا انهم سيحترمون الهدنة اذا احترمتها اسرائيل لكنهم عبروا عن شكهم بالتزام اسرائيل بها. وتنقل عن مسؤول عسكري اسرائيلي ان العملية على غزة لم تحقق اهدافها فهناك 'قدرات مهمة تستدعي استمرار العملية من الناحية العسكرية'.



وتحدثت الصحيفة عن الاثر الذي تركته حرب غزة على السياسة الفلسطينية حيث كشفت عن ضعف منافسي الاسلاميين، فمن خلال دفع حماس لاسرائيل للتفاوض معها حول وقف اطلاق ادى لتهميش السلطة التي تحظى بدعم امريكي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق