نستطيع ان نستخلص من التغطية أنّ الحسن على علاقة (غير) مهنيّة بعدد وافر من الإعلاميّين _ وليس فقط في الإعلام اللبناني والعربي (كشف ذلك الكاتب في «واشنطن بوست» ديفيد إغناتيوس هذا الأسبوع). الرجل الذي كان يعمل على مدار الساعة _ كما ضخّت الدعاية _ لكنّه كان يجد متسعاً من الوقت لأحاديث مستفيضة شرط ألا يُكتب أنّه كان هو مصدرها. من المعلوم انّه هو سرّب كل ما قيل عن قضيّة سماحة (وسماحة مذنب لو قام بما قام به تلقائياً، أو حتى لو كان قد غُرّر به مثل الصبية من «شعبة المعلومات» _ على ما يُقال دفاعاً عنه _ والنظام السوري مُدان في القضيّة على الأقلّ بصمته)، وهو الذي كان يُسرّب لوسائل الإعلام الغربيّة على امتداد الأسابيع التي سبقت مقتله عن تورّط حزب الله في الشأن السوري. إنّ «المسؤول الحكومي اللبناني» الذي تحدّث مع معظم وسائل الإعلام الأجنبيّة عن تورّط حزب الله في سوريا هو عينه وسام الحسن. والطريف أنّ الحسن كان يُسرّب لوسائل الإعلام الغربيّة عن تورّط حزب الله في الصراع السوري، فيما كان هو يزهو بتورّطه هو وجهازه في الصراع السوري نفسه. هناك ما يجب ان يُكتب عن علاقة المُثقّف والصحافي برجل الأمن. لماذا في المبدأ يذرف أي مثقّف دمعة _ ولو دمعة _ على أي رجل استخبارات أو أمن في بلادنا مع العلم أنّ أجهزة الاستخبارات _ كلّها _ متورّطة في أعمال قتل وتعذيب وتفجير وفتن طائفيّة _ وينطبق هذا على حالة «شعبة المعلومات» بالتأكيد كما ينطبق على غيرها. الصحافي في جريدة خالد بن سلطان (الليبرالي العربي يحبّ الليبراليّة لكنّه يفضّل عليها خالد بن سلطان) حازم الأمين، كتب مديحة عن وسام الحسن قبل مقتله بأسابيع. وعدّ مديحته من باب السبق الصحافي. وعندما أطلّ الأمين بعد موته للحديث عن مزاياه، قال إنّه التقى به نحو ثلاث أو أربع مرّات «فقط». لم يذكر جيّداً عدد المرّات. لا هم. لكن كتابة المدائح في حق أجهزة الأمن تقليد سائد في إعلام النفط والغاز: فقد كتب سمير عطاالله (قد يكون أسوأ نموذج معاصر للصحافي اللبناني المُرابط في مضارب الأمراء) مديحة عن الأمير مقرن (الذي أجمعت عائلته نفسها على انّه كان فاشلاً في وظيفته). عبّاس بيضون كاد أن ينتحب في... «السفير الثقافي». كتب في وسام الحسن: «لقد علقنا فجأة في العجز، شعرنا بأنّ لا سقف لنا ولا مُرتكز». نأسف طبعاً لأنّ وفاة الحسن أدّت إلى تعثّر بيضون «في العجز». أما ماريا المعلوف (المُتنقّلة بين المعسكرات السياسيّة بخفّة لا يحسدها عليها إلا وليد جنبلاط أو شارل أيّوب) فكتبت في جريدتها عن لقائه للمرّة الأولى: «أذكر جيّداً كيف لم أقوَ حينها على النظر إليك لما استشعرته من قوّة شخصيّتك وتلك الهالة الساطعة التي ترافقك». ورثاء وسام الحسن ذكّر برثاء آصف شوكت في إعلام ما يُسمّى «الممانعة». رجال الاستخبارات عزيزون على قلوب العديد من المثقّفين والصحافيّين. تيتّم بعضهم لوفاة الحسن (أو شوكت).
وكان واضحاً من ردّة الفعل الصحافيّة على وفاة الحسن انّه كان يوزّع حنانه وحبّه على عدد وافر من الإعلاميّين. وكانت تغطية الإعلام لـ«شعبة المعلومات» تغيطة عاطفيّة غير عاديّة على مرّ السنوات. كيف ولماذا يصبح رجل الأمن والاستخبارات حبيباً عند الصحافيّين؟ طبعاً، إنّ هذا يعود لطبيعة العلاقة التي بناها فقيد «الشعبة» مع وسائل الإعلام والتي قامت (كما اعترف شارل أيّوب بالنسبة لصحيفته) على المال والنفوذ، وبالنيابة عن سلطة عائلة تأتمر بإمرة عائلة في السعوديّة. تفضح طريقة تعاطي الإعلام اللبناني مع موت الحسن الكثير عن فساد العلاقة بين اجهزة الأمن والإعلام في بلد يزعم أنّه يتميّز عن جيرانه بميزة حريّة الإعلام. لماذا يرثي الإعلام رجل الأمن؟ هل هي مهمّته؟ هل مدح الإعلام اللبناني الحسن أكثر مما مدح إعلام النظام السوري شوكت؟
لكن موت الحسن ينطوي على خطورة ما يُعدّ. استطاع المال الحريري والتخطيط الأميركي _ الصهيوني بناء أسطورة رفيق الحريري بعد 2005. ونجاح الخطّة آنذاك يعود إلى تمنّع خصوم الحريري عن المجابهة ولو الكلاميّة. ارتدعوا تحت ستار «حرمة الموت» وخاف كثيرون من وصفهم بتهمة القتل عن عمد. البعض زايد في الثناء على الحريري والبعض الآخر لزم منزله وصمت أو قرأ كتاب «غيبن» عن سقوط الإمبراطوريّة الرومانيّة (كما فعل إيلي الفرزلي) _ وهو عين الكتاب. تحاول المؤامرة المستمرّة ان تمرّر مشروعاً خطيراً آخر (عنوانه مرّة أخرى القضاء على مقاومة العدوّ الإسرائيلي) تحت عنوان الحداد على الحسن. يصعب كسر الأوثان بعد ان تصبح عملاقة: هذا ما حدث لوثن رفيق الحريري. يجب كسر الأوثان قبل ان تكبر. هناك محاولة مُكرّرة لبناء أسطورة عن وسام الحسن.
يُقال الكثير عن «مهنيّة» وسام الحسن. حسناً، ماذا لو كانت المهنيّة تلك تفيد مشروعاً ضاراً؟ انا أفضّل ان يكون رجل الأمن على شاكلة حسن السبع _ أتذكرونه وتذكرون مؤتمره الصحافي عن الانشقاقات في جسم التنظيمات الفلسطينيّة؟) كان الرجل مادّة كوميديّة دسمة. أفضّل ان يكون رجل الأمن والاستخبارات عديم القدرة والكفاءة والمهنيّة لأنّ أجهزة الاستخبارات ليست خيّرة. ثم، هل وسام الحسن قام بما كان يقوم به بناءً على قدرة ذهنيّة ام على مصادر ماليّة وعسكريّة غير متوافرة لسواه؟ وماذا لو كانت المهنيّة مُوظّفة في نطاق مشروع يضرّ بمصلحة الناس؟ وهل مهنيّة الحسن هي التي وضعته في منصبه أم هو الولاء المطلق والأعمى لعائلة الحريري؟ إن فريق الحريري يعمل وفق مبدأ ياسر عرفات في التعيينات: الولاء المطلق يتفوّق على الكفاءة في الوظيفة، ولو كانت عسكريّة أو أمنيّة.
لكن ماذا كان دور وسام الحسن بالضبط؟ الكلام المدوّر لا يتوقّف عن الإشادة بدور الحماية. والصحيح أن وسام الحسن لم يكن ليوم واحد يقوم بدور من عنده. لا يبرز رجل الاستخبارات في بلادنا وحده مهما كبرت وصغرت مواهبه في الأمن والاستخبارات. هؤلاء يشغلون مراكز بالواسطة _ إما بإمرة الطاغية أو بإمرة جهاز استخباراتي إقليمي أو عالمي. وسام الحسن، مثل خلفه، كان مرافقاً شخصيّاً لرفيق الحريري. أي أنه لم يكن يرتقي السلّم الوظيفي بناء على الأهليّة بقدر ما كانت أحكام الترقية مبنيّة على أحكام خدمة العائلة. مهما علا شأن وسام الحسن، كان يعمل بإرادة سعد الحريري. صحيح أن قوّة الحسن عظمت عندما أثبت للاستخبارات السعوديّة والأميركيّة أنّه كفؤ وأنه قادر على تحمّل المهمّات، لكن ذلك لم يكن بناء على قرار سيادي. وأن يكون جهاز استخبارات «وطني» بإمرة إرادة خارجيّة _ صديقة أو عدوّة _ هو ذروة التفريط بالسيادة، بالرغم من كثرة الأعلام واشجار الأرز في مأتم وسام الحسن.
لكن من الضروري تحديد الدور الحقيقي لفرع المعلومات ولوسام الحسن. مؤكّد انّ جزءاً من عمل الحسن كان في نطاق العلاقات العامّة للتعويض عن غباء سعد الحريري ونوّابه. كان الحسن (المشغول لـ«فوق رأسه») يجد متسعاً من الوقت لمهاتفة أو محادثة صحافيّين وصحافيّات عرب واجانب يوميّاً. كان من أنشط المسرّبين في الإعلام العربي والعالمي. وكل ما كنا نقرأه عن بطولات الشعبة وعن انتصاراتها كان من فبركة الحسن نفسه وتصديره. تبدأ مثلاً بانتصارات الشعبة في مسألة القبض على عملاء للعدوّ الإسرائيلي. تسأل أوّلاً: لماذا قام الجهاز بالقبض على عدد من العملاء ولماذا توقّف فجأة عن القبض عليهم؟ إن نشاط أجهزة التنصّت والتجسّس التي يملكها الفرع والتي لا يملكها الجيش اللبناني كان يمكن ان تستمرّ في العثور على جواسيس إلا إذا كان العدوّ قد رفع أيديه مستسلماً أمام نجاحات الحسن. وماذا عن قصّة ان جواسيس الشعبة كانوا هم يتجسّسون على حزب الله وقادته عندما وقعوا بالصدفة على مجموعة أخرى من الجواسيس التي كانت هي أيضاً تتجسّس على قادة الحزب لحساب العدوّ؟ والأهم، أن المقالات التي نُشرت في الغرب عن دور وسام الحسن لا تترك مجالاً للشك في أن دوره كان دوراً فرعيّاً للدور الاستخباراتي للحكومة الأميركيّة. روى وئام وهّاب انّ الحسن أخبره أن ديفيد بتريوس استدعاه (الشهر الماضي) فقط للحديث عن إسلاميّي الشمال. من المشكوك فيه انّ ديفيد بتريوس مهتم بأمر السلفيّين في الشمال (والذين يتلقّون الدعم الأميركي في سوريا وفي بعض لبنان، بصورة مباشرة أو غير مباشرة) أكثر من اهتمامهم بحزب الله الذي يشغل إسرائيل وراعيها الأساسي.
من يستطيع ان يثبت ان وسام الحسن أو جهازه _ حتى لا نشخصن الموضوع مع ان الشخصنة ضروريّة تحليليّاً في جمهوريّة الحريري وفي مملكة آل سعود _ كان «يحمي لبنان»؟ وبأي طريقة؟ ومِن مَن؟ ماذا عن رعاية تنظيمات مسلّحة طائفيّة وأوغاد أحياء في طول البلد وعرضه؟ وماذا عن تعاون استخباراتي خارج نطاق الدولة التي يلهج بحمدها الفريق الذي يعبّر عن حبّه وهيامه بالدولة إيّاها _ وهو فريق الحسن نفسه؟ وكيف يكون الحسن «يحمي البلد» (كما قالت الإعلاميّة ديما صادق والتي تجهش بالبكاء كلّما أتت على سيرة الرجل، وماذا كان سيكون موقف إعلام لبنان لو أنّ إعلاميّة سوريّة أجهشت بالبكاء على الهواء حزناً وأسىً على آصف شوكت؟ أما كانت تحوّلت إلى نكتة على يوتيوب؟) وهو ينسّق مع دولتيْن لا تريدان الخير لهذا البلد؟
لنحدّد أكثر. إن إطلاق النار في العديسة أدّى إلى جلسات استماع في الكونغرس الأميركي وإلى تهديدات مباشرة من الحكومة الأميركيّة بوقف كل المساعدات الأميركيّة إلى لبنان بعد الأذى الذي لحق بالعدوّ. وقد توالت الوفود الحكوميّة والعسكريّة اللبنانيّة إلى واشنطن لتستجدي استمرار المساعدات البوليسيّة من الحكومة الأميركيّة التي تحرص على تجهيز الجيش اللبناني بما يحتاج إليه كفرقة «جندرمة» على الطراز العثماني للقيام بالمهمّات القمعيّة ضد المخيّمات الفلسطينيّة والشعب اللبناني. ولم تُزل الحكومة الأميركيّة الحظر المؤقّت إلا بعدما تلقّت تعهّدات (خطيّة) بأن أياً من المعدّات الأميركيّة (حتى المناظير؟) لن تُستعمل ضد العدوّ الإسرائيلي. وهذا السجل المُعلن للحكومة الأميركيّة يرسم علامات استفهام كبيرة عن حقيقة كشف وسام الحسن وجهازه لجواسيس العدوّ الإسرائيلي. من المعلوم والمُعلن ان «شعبة المعلومات» تتلقّى مساعدات وتمويلاً من خارج الحكومة اللبنانيّة ومن خارج الموازنة الرسميّة ومن دون أية رقابة من السلطتيْن التنفيذيّة والتشريعيّة. ومن المعلوم أيضاً ان الحكومة الأميركيّة هي التي عُنيت بإنشاء «شعبة المعلومات» بعد اغتيال رفيق الحريري وعلى طراز الاستخبارات الأردنيّة: أي كرديف أو فصيل مُلحق بجهاز وكالة الاستخبارات الأميركيّة حول العالم. كيف يمكن ان تقوم الحكومة الأميركيّة بتجهيز «شعبة المعلومات» وتمويلها إذا كانت حقيقة تضرّ بمصالح العدوّ الإسرائيلي؟ لو كان الجهاز المذكور يقوم فعلاً بكشف شبكات تجسّس للعدوّ لقامت لجان متعدّدة في الـ«كونغرس» بعقد جلسات استماع طويلة لمعرفة أسباب دعم الحكومة لجهاز ضارّ بمصالح إسرائيل، وهذا لم يحصل قط. على العكس، فإن الصهاينة في الغرب (في الحكومة الأميركيّة وخارجها) أثنوا على وسام الحسن وعلى دوره في التجسّس على... حزب الله.
كانت صحيفة «وول ستريت جورنال» صريحة جدّاً عندما كتبت عن مقتل وسام الحسن وكيف انه شكّل خسارة للعمل الاستخباري الأميركي في الشرق الأوسط. إن الجهاز الحكومي الأميركي في حالة حداد ولهذا من المُستبعد ان تكون إسرائيل قد قامت بقتل الحسن. ثم، أين ظهرت مكامن عداء «شعبة المعلومات» لإسرائيل في عملها في لبنان؟ إذا كان الجيش اللبناني يُلام في عدوان تمّوز لأنه تخاذل ولم يقدّم إلا خطباً لميشال سليمان ونصائح للعدوّ من قبل للّو المرّ، فإن «شعبة المعلومات» غابت عن السمع تماماً في عدوان تمّوز. هي بحكم وظيفتها في جهاز آل سعود وآل الحريري (التابع)، كانت في صفّ مناهض لفريق المقاومة في لبنان.
هناك من أعطى مثال اغتيال أبو حسن سلامة دليلاً على قدرة إسرائيل على قتل عربي حتى لو كان متعاوناً مع الاستخبارات الأميركيّة (هذا دون الانتقاص من النزعة المنطقيّة التي لا يمكن ان تنفي عن العدوّ قدرته أو رغبته في ارتكاب الجرائم). لكن حالة أبو حسن سلامة لا تُقارن بحالة وسام الحسن. كان أبو حسن يتعاون مع الاستخبارات الأميركيّة بعلم وموافقة قيادته السياسيّة (ياسر عرفات). وكان أبو حسن يتعاون مع أميركا في أمور توافق عليها القيادة السياسيّة ومن دون التقاطع مع مصلحة إسرائيل، وفق حسابات عرفات. وبصرف النظر عن الحكم على أبو حسن (الذي كان يهوى المفاخرة والمظاهر وأحسن المناضل أبو داوود في وصفه في مذكّراته القيّمة)، فإن أبو حسن لم يكن يتقاطع في عمله مع العدوّ الإسرائيلي. ويجب ان نميّز بين المراحل التاريخيّة. عمل أبو حسن في مرحلة كانت فيها بعض أجهزة الحكومة الأميركيّة (مثل الـ«سي.آي.إي» ووزارة الخارجيّة) معارضة لإسرائيل وقادرة على القيام بعمليّات ضد مصالح إسرائيل (مثل السفينة «ليبرتي» التي أغرقها العدوّ في 1967). هذا لم يعد ممكناً اليوم على الإطلاق. تخضع كل أجهزة الحكومة الأميركيّة منذ الثمانينيات لإدارة صهيونيّة محكمة وخصوصاً أن الصهاينة في الكونغرس وفي مراكز الأبحاث نجحوا ايما نجاح في تدمير كل الفريق «المُستعرب» في أجهزة الحكومة الاستخباريّة والعسكريّة وفي وزارة الخارجيّة. لم يعد هناك من أمثال ريتشارد باركر أو ريتشارد مورفي (بصرف النظر عن الحكم على سياساتهما كموظّفين في إدارات أميركيّة) في منصب مساعد وزيرة الخارجيّة لشؤون الشرق الأدنى. هذا ليس زمن المستعربين: هو زمن الصهاينة من أمثال جيفري فيلتمان الذين يصلون إلى المنصب ليس بحكم العلم والمعرفة أو اللغة (بالكاد يستطيع فيلتمان أن يقول «أهلاً» بالعربيّة) بل بحكم التحالف المُبكّر مع الصهاينة.
هناك من قال إن دور وسام الحسن كان أكبر منه: لا، كان أصغر منه. كان يقوم بدور المُتعاقد والمُنفّذ فقط. كان يلعب دوراً مرسوماً من الخارج (السعودي والأميركي). لكن المهمّة الأساسيّة والتي على أساسها «تعملقت» «شعبة المعلومات» كانت في مجال التجسّس على حزب الله وحتى التخريب عليه. كل ما يُقال عكس ذلك أو ما يُقال عن مقارعة للعدوّ الإسرائيلي جاء من الجهاز الإعلامي والدعائي لوسام الحسن. كانت «الشعبة» تجنّد عملاء ومخبرين في طول البلاد وعرضها من اجل الإحكام على معلومات تتعلّق بكل جوانب تنظيم حزب الله. كان اهتمام أميركا (وإسرائيل إلى جانبها) بالمعلومات عن حزب الله يفوق اهتمامها بشؤون «القاعدة» في لبنان، ليس لأن مروان شربل أفتى بأن لا وجود لها في لبنان (ربّما لأن شربل أعلن «شهرا أمنيّاً» في لبنان استطاع فيه ان يبسط الأمن ونفوذ الدولة على البقاع جميعاً)، بل لأن «القاعدة» لا تزعج إسرائيل. كما أن المهارة الاستخباراتيّة لحزب الله وقدرته على تحصين تنظيمه ضد الاختراق الذي نخر في أجسام كل التنظيمات الفلسطينيّة من دون استثناء بسبب التسيّب الأمني والتهوّر والانفتاح غير الحكيم) زادت من مطالبة إسرائيل لأميركا بالمساعدة في التجسّس على حزب الله. وقد عملت أميركا على تسخير وسائلها الإلكترونيّة للتجسّس على حزب الله لكنها لا تكفي: والعنصر البشري هو الذي احتاجت إليه أميركا كما احتاج إليه العدوّ، فكان التعويض عنه بالتجسس الاتصالاتي. من هنا ولدت شعبة المعلومات وتعاظم دورها بقرار سعودي _ أميركي مشترك.
ولكن كان لـ«شعبة المعلومات» دور آخر. كان الجهاز ضالعاً بصورة كبيرة في الصراع السوري. وهنا أيضاً لم يكن دوره عفويّاً أو من بنات أفكار الحسن. بل كان دوره تنسيقيّاً يتقاطع مع دور مرسوم من الاستخبارات السعوديّة. والاستخبارات السعوديّة في سوريا تخطّت الدور الذي حدّدته أميركا بناء على تخوّفها من تنامي دور التنظيمات الجهاديّة. إن صورة أشرف ريفي أمام قبر الحريري بعد تفجير دمشق الذي أودى بحياة آصف شوكت كانت بمثابة إعلان مسؤوليّة _ من منظار النظام السوري _ أو كانت على الأقل بمثابة إعلان حرب بالواسطة. إن شعبة المعلومات كانت سفارة الاستخبارات السعوديّة في سوريا، وكانت تنسّق مع وكلائها في لبنان لتسهيل تهريب السلاح والمال إلى سوريا. إن وسام الحسن كان على الأرجح وراء التغطية المقصودة على أكبر عمليّة تهريب سلاح يعرفها لبنان منذ زمن في عمليّة «لطف الله 2». ماذا كان يمكن أن يكون ردّ فعل «حكومة حزب الله» وأجهزة الإعلام في لبنان لو أن الجيش اللبناني كشف تورّطاً لحزب الله في تهريب السلاح في صندوق سيّارة إلى سوريا؟ كان مجلس الأمن قد انعقد في جلسة خاصّة على الأرجح.
نحن نشهد صراعات بين أجهزة استخبارات إقليميّة وعالميّة على أرض لبنان. قد يكون تكثيف عمل الأجهزة الأجنبيّة على أرض لبنان هو الأعظم منذ الحرب الباردة. وكان وسام الحسن المنسّق الرئيسي لعمل فريق من الفريقيْن في هذا الصراع العالمي. لكن لماذا يظنّ اللبناني الأداة أنه أكبر من اللعبة وأنه قادر على تسيير من يسيّر خطاه؟
* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق