الخميس، 1 نوفمبر 2012

ما لم يُحكَ عن سرّ الانفجار الحريري ـ الجنبلاطي ....جـان عزيز

ما من كلام همس أو سرب حتى اللحظة، يبدو كافياً لتفسير هذا المنسوب من الحدة والتوتر وحتى العدائية، في لغة التخاطب الحريري _ الجنبلاطي، ولا خصوصاً لشرح اندلاعه المباغت وحتى الفوري، بعد أشهر من «اللفي» السري، وأسابيع من الغزل العلني بعد لقاء باريس.

أحد العاملين كشافاً ومدققاً على نقاط العبور بين بيت الوسط والمختارة، يحاول كشف السر واللغز. يوافق أولاً على أنه لا الموقف من حكومة نجيب ميقاتي أو مصيرها، ولا الابتزاز بشأن زيارة جنبلاط للسعودية، ولا قانون الانتخابات وحساباته الشوفية، ولا أي مسألة أخرى من تلك التي تم الردح على مقامها خلال عشرة أيام، هي السبب الحقيقي أو كل السبب.

في الأساس يكشف «الكشاف» أنه لحظة اغتيال وسام الحسن، استعاد بيت الحريري وبيت جنبلاط مأساة 14 شباط 2005، بكل تفاصيلها والحيثيات. يومها وقف الرجلان ومعهما قسم لا بأس به من المسيحيين، لطرح سؤال مصيري: من نحدد الخصم والهدف الآن؟ وبسرعة فائقة تم الاتفاق: الهدف بشار الأسد. نحيِّد حزب الله، ونصوّب كل دم رفيق الحريري على سيد دمشق. وهكذا كان، وهكذا أثمر التطابق في وجهات النظر انتصاراً على سوريا في لبنان، وانسحاباً كاملاً لجيشها، في ظل اتفاق هدنة مع الضاحية الجنوبية، اسمه التحالف الرباعي.

لحظة سقوط وسام الحسن في الأشرفية، أدرك سعد الدين الحريري ووليد جنبلاط فوراً أنهما أمام استحقاق مماثل، وأمام سياق مطابق، لا بل ربما أمام فرصة ثانية. ابن بيت الوسط حسم خياره الجمعة مساءً، ليلة الاغتيال في 19 الجاري: الهدف هو حزب الله. البيان الصادر من منزله أطلق اللازمة، تحت طائلة نسف «الشراكة الوطنية». بعدها راحت مكونات فريقه تعزف التقاسيم تفريداً، كل بحسب نفَسه وسعة صدره. أمين الجميّل على المقام العريض. سمير جعجع أكثر «تينوراً». لكن الرسالة أبلغت إلى المختارة فوراً تلك الليلة: فلنكرر إنجاز الـ2005. يومها قتلوا رفيق الحريري فطردنا بشار الأسد من لبنان. سنة 2012 قتلوا وسام الحسن فلننته من سلاح حزب الله، أو حتى من حزب الله.

يضيف المدقق نفسه على خط «الوسط _ الوسطي» أن الرسالة الحريرية المذكورة ذهبت إلى وليد مفصلة مبوبة ومرفقة بالأسباب الموجبة كاملة. قيل له: سنة 2005 كان ثمة توافق سعودي _ إيراني، في زمن طهران محمد خاتمي. وهذا ما مهّد لخيارنا يومها بتحييد ضاحية بيروت واستهداف من يعتبر كل لبنان ضاحيته. الوضع اليوم مختلف، فالمعركة السعودية الإيرانية فرصة لنا لنضرب في الضاحية. ثم سنة 2005 جاء أردوغان وشيراك وبوش وباركوا. والأهم أن الأمر الواقع في لبنان يومها كان فارضاً سلم أولويات واضحاً، مفاده أن الهدف يجب أن يكون سوريا. فهي الوصية وهي المهيمنة وهي الضاغطة وهي القابضة وهي القاتلة... كل ذلك تغيّر سنة 2012، إيران تحت الحصار، سوريا متداعية، العقبة الفعلية ضدنا باتت في حارة حريك... كأن الحريري الابن قال لابن كمال جنبلاط: كل المعايير السابقة تفرض وضعنا اليوم أولوية مطلقة جديدة عنوانها حزب الله. فلنبادر، ولنسارع، ولا نُضع اللحظة ولا حتى لحظة.

فجأة وفوراً جاء الرد الجنبلاطي: فكرت في الموضوع، أنا باق على جوابنا المشترك قبل سبعة أعوام: الخصم والهدف هما سوريا، مع التمديد والاستمرار في تحييد حزب الله. لم يفكر الحريري في الأسباب التي دفعت سيد المختارة إلى البقاء على موقفه. لكن تفكيره ذهب إلى نتائج الموقف الجنبلاطي. رأى الحريري أن جنبلاط قصد من تموضعه هذا، وبشكل مدروس ومقصود، ربط الوضع اللبناني بالوضع السوري كلياً. لا بل أكثر من ذلك، ربط مصير المعارضة اللبنانية بمصير المعارضة السورية. أحسّ الحريري في قرارة ما له من قرار، أن جنبلاط قصد أن يوجه إليه ضربة كبرى. أراد أن يوحي لمواقع القرار في الخارج أن هناك نظامين متجاورين، ومعارضتين متلازمتين لهذين النظامين. فإذا قرر الغرب إنجاح غليون أو سيدا أو من سيخلفهما أو سيحترق بعدهما في دمشق، لا مانع عنده ساعتئذ من إنجاح ابن الحريري في بيروت. أما إذا كان الغرب يخطط لتسوية سورية ما، بين الأسد وبين معارضاته، فليكن مصير الحريري مطابقاً لتلك التسوية.

هكذا لم يعش الحريري أسى أن جنبلاط خذله وحسب، بل عاش رعب أن جنبلاط يتآمر عليه وعلى حياته السياسية ومستقبله ودوره كشخص وكبيت. فانفجر الكلام، وخرجت كل المرارة. أحسّ الحريري أن جنبلاط الذي قال مرة إن جماعته أصبحت مثل «الهنود الحمر» في لبنان، والذي قال مرة أخرى إنه يقف على ضفة النهر منتظراً عبور جثة عدوّه، لا يكتفي فعلياً بذلك، بل يريد أن يجعل من الآخرين كافة هنوداً حمراً مثله، ولا مانع لديه من العبور على جثث حلفائه المرمية في النهر، ليلقي نظرة الوداع على جثة عدوّه حين تمر، هذا إذا مرّت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق