منذ أن تحول المنع الى السياسة الامريكية الرسمية، انطلقت اصوات سواء في اسرائيل أم خارجها، تعرب عن الشك بمدى المصداقية التي يمكن اعطاؤها للرئيس الامريكي في هذا الموضوع. وفي محاولة لمواجهة الشكوك في هذا السياق، انطلقت تصريحات متكررة من جانب اوباما نفسه، وكذا من جانب أشخاص آخرين في الادارة بان هذا ليس تضليلا، وانه بالفعل يقف خلف اقواله. ومن شبه المؤكد أن اوباما كرس وقتا في زيارته لاسرائيل في محاولة لنقل رسالة بهذه الروح الى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
اضافة الى ذلك، فان التطورات الاخيرة على الارض بالنسبة لسوريا من شأنها أن تفسر كعدم جاهزية من جانب ادارة اوباما لاستخدام القوة العسكرية، حتى في ضوء الاستخدام العملي لاسلحة الدمار الشامل. لقد تراجع اوباما عن استخدام القوة العسكرية كرد على استخدام السلاح الكيميائي في سوريا، رغم أنه في نهاية 2011 قرر صراحة بان مثل هذا الاستخدام سيشكل اجتيازا لخط احمر واضاف رسالة مبطنة بان خيار التدخل العسكري موضوع على الطاولة. ان عدم الرغبة في التدخل العسكري في سوريا من شأنه أن يشير الى عدم رغبة مشابهة في الاستعداد لعمل ذلك في ايران.
ولكن يمكن تفسير الخطوات بشكل مختلف تماما. فليس مدحوضا الافتراض بان اوباما يستوضح معركته التالية في الشرق الاوسط. واذا قبلنا الفرضية بانه من غير المعقول ان تستخدم الادارة القوة العسكرية في أزمتين في الشرق الاوسط، فان الامتناع عن التدخل العسكري في سوريا يمكن أن يفسر بالذات كازدياد لاحتمال استخدام القوة حيال ايران. هذا التفسير البديل تعززه حقيقة أن المعارضة الامريكية للتدخل في سوريا مصدرها ضمن امور اخرى انعدام اليقين حول الجواب على سؤال: كيف يمكن التدخل عسكريا في الدول بشكل ناجع: أي نوع من القوة تستخدم، وضد أي اهداف، وباسم أي عنصر في المعارضة؟ في حالة ايران، الخيارات العسكرية تحدد بسهولة أكبر ولا سيما اذا كان مخطط استخدام مركز للقوة ضد المنشآت النووية. اما التدخل في سوريا، حتى وان كان استخدام السلاح الكيميائي هو سببه، فمعناه التدخل في حرب اهلية معربدة، اي رهان غير بسيط. اما في ايران بالمقابل، فان استخدام القوة العسكرية سيكون أكثر دقة وتركيزا بكثير.
غير أنه فضلا عن مسألة الثقة بنوايا اوباما، وفضلا عن تفسير التطورات في سوريا، لا يزال يوجد تشوش بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة من المسألة الايرانية، تتناول قدرة اوباما على تنفيذ سياسة المنع، حتى وان كان ملتزما بها بشدة. وفي محاولة لتثبيت التزامه بالتمسك بسياسة المنع ورفض سياسة الاحتواء، أعلن البيت الابيض بين أجهزته الاستخبارية، باسناد معلومات من مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ستوفر المعلومات في الوقت الدقيق والتي تسمح باتخاذ عمل ما أن تصل ايران الى اختراق وتتوجه الى تطوير سلاح نووي. ولكن تبرز عدة مسائل مقلقة بالنسبة لسياسة المنع الحالية. الاولى، من الصعب تجاهل حقيقة أن القناة "الدبلوماسية" لحل المشكلة الايرانية فشلت، رغم أن الادارة الامريكية لا تزال لم تعترف بذلك. ثانيا، عند النظر الى الخطوة التالية، هل يمكن للولايات المتحدة حقا أن تستند الى الافتراض بانها ستحصل على معلومات مصداقة عن قرار ايران بتطوير سلاح نووي؟ وحتى لو كان نعم، فهل في مثل هذه الحالة ستبقى ايران في وضع يكون فيه استخدام الخيار العسكري واقعيا ويسمح بتحويل ما هو في هذه اللحظة مسار مؤكد نحو قدرة نووية عسكرية؟ والاهم من كل هذا، هل ستكون الولايات المتحدة مستعدة في لحظة الحقيقة لاستخدام القوة كي تتصدى لايران؟
هذه المسائل تطرح بحدة أكبر على خلفية الادعاءات التي يطرحها خبراء مختلفون. وبينما يواصل بعضهم التمسك بحجة ان كل حرف لمادة نووية نحو برنامج عسكري سيكتشف دون ريب من قبل مراقبي وكالة الطاقة الذرية، فان خبراء آخرين يواصلون فحص خيار الاحتواء، في اعقاب شكوك معينة لديهم بالنسبة للفرضية بان قرارا ايرانيا بالضرورة سيشخص، و/أو سيكون ما يكفي من الوقت لوقف ايران في حالة أن نعم. لا يحتمل أن يكون الموقفان صحيحين، والحجج التي تشكك بقدرة الولايات المتحدة على وقف ايران استنادا الى معلومات تأتي في الوقت الدقيق تبدو راسخة جدا.
التاريخ مليء بالاخفاقات الاستخبارية. في هذه الحالة، فان الاعتماد على مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ليقدموا معلومات دقيقة في الوقت المناسب قد يظهر محملا بالمصيبة – وليس بسبب جودة المراقبين بل بقدر أكبر بسبب الشروط المقيدة لعملهم. فالزيارات الحالية للمنشآت النووية في ايران لا تتم بموجب "البروتوكول الاضافي" (Additional Protocol) الاكثر تشددا، بل تبعا لاتفاقات رقابة تحت الاسم المضلل "الكاملة" او "الشاملة". هذه الاجراءات ليست شاملة وليست كاملة. فضلا عن ذلك، يمكن لايران أن تقرر بان تقصقص أجنحة المراقبين أو، في السيناريو الاسوأ، طردهم، وهكذا تخلق وضعا ليس قابلا للدفاع. فهل هذا ما سيدفع الولايات المتحدة الى النظر في عملية عسكرية؟ دون أن ينشأ سبب آخر للقلق، فان الامر موضع شك. وفي اقصى الاحوال، فان مجلس الامن في الامم المتحدة سيطلق تحذيرا آخر، سيوفر فقط لايران زمنا آخر لتنفيذ الاختراق وهي غير خاضعة للرقابة.
ان السيناريو المقلق اكثر من ذلك والذي بحث صراحة مؤخرا هو أن تكون ايران تدير بالتوازي برامج سرية للتخصيب وتطوير السلاح النووي. فبسبب القيود التي فرضت على مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والقيود المفهومة على جمع المعلومات، فان هذا السيناريو لا يمكن استبعاده.
في التقرير الذي وضعه كاهل (Kahl) وزملاؤه في موضوع الاحتواء، زعم أن "ادارة اوباما ملتزمة وعن حق بمنع – وليس احتواء – ايران نووية، ولكن ... مساعي المنع، وعلى رأسها استخدام القوة، قد تفشل". وعلى هذا الاساس يدعي الكُتّاب بان الولايات المتحدة قد تضطر في نهاية المطاف الى الانتقال الى سياسة احتواء، رغم تفضيلاتها الحالية. كولن كاهل، الكاتب المتصدر لهذا التقرير، شغل في الماضي منصب مستشار شؤون الشرق الاوسط في وزارة الدفاع الامريكية، وعليه فانه كفيل بان يعكس تفكير الادارة في هذا الموضوع.
وفي حالة الا تحظى آثار هذه المخاوف بعناية مباشرة، ولا تتغير سياسة المنع الامريكية بما يتناسب مع ذلك وبسرعة – هناك احتمال كبير في أن يتحول الاحتواء لايران نووية الى سياسة أهون الشرور من جانب الولايات المتحدة، رغم أنه صحيح حتى الان أن اوباما يرفضها علنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق