في لبنان، بادر أنصار المعارضة السورية باكراً الى الاندفاع نحو كل أشكال الدعم السياسي والاعلامي والمادي للمعارضة. وخلال أشهر قليلة، كانت مناطق الحدود في الشمال وعند مشاريع القاع قد تحولت الى معابر لمن يريد الدخول إلى مناطق سورية تشهد مواجهات بين النظام ومعارضيه المسلحين، أو تخضع لنفوذ المجموعات المسلحة. وتحولت طرابلس على سبيل المثال الى مركز للتمويل وجمع المقاتلين وتجهيز بعضهم ونقل الاسلحة ونقل أجهزة الاتصالات، ثم أخلي أحد مستشفيات المدينة لاستقبال جرحى المسلحين. وكانت المساجد التي يسيطر عليها السلفيون مقراً مفتوحاً لكل أنواع التعبئة. وهي في الغالب كانت تتم على خلفية مذهبية وعقائدية.
في مرحلة تالية، لم يكتف اللبنانيون المؤيدون للمعارضة السورية بالدعم العلني، وأقيمت مراكز عمل في تركيا وفي أوروبا وفي أمكنة كثيرة من العالم، وكان العنوان هو «إغاثة الشعب السوري»، لكن الافعال الحقيقية كانت ترتبط بمد المعارضين بأشكال مختلفة من الدعم، وبالخبرات حيث أمكن.
هذا الأمر فعلته دول مثل تركيا والسعودية وقطر والامارات والاردن، كما أقدمت، وباكراً، مجموعات وقوى سلفية وأخرى فوضوية على إرسال عشرات المقاتلين الذين اختلطوا بحشد من ضباط الاستخبارات وعناصر من قوات خاصة فرنسية وبريطانية وأميركية، كانت تعمل على خطط وفق منطق يقول بإمكان إسقاط النظام خلال وقت قصير.
والى جانب الكذب والنفي، كان يخرج من بين هؤلاء من يقول إن هذا الدعم هدفه «مساعدة الشعب الثائر في وجه النظام الجائر». وقرر هؤلاء، من جانب واحد، أن غالبية ساحقة، ولا مجال لأي نقاش، من الشعب السوري هي منخرطة في المعارك القائمة. وقرر هؤلاء تجاهل الحقائق القوية على الأرض. وعندما كانت تتم الإشارة مبكراً الى تعاظم الدور التنفيذي للمجموعات التكفيرية، كان تعليق هؤلاء أنها أخبار كاذبة، وأنها من فبركة النظام ومؤيديه وهدفها تشويه صورة الثورة السورية!
وفي لبنان أيضاً، كان السعي المحموم من جانب قوى بارزة في 14 آذار، وأخرى يجري تشغيلها من قبل دول خليجية وغربية، إلى جعل موقف لبنان جزءاً من موقف النظام الرسمي العربي العامل على تدمير سوريا. وكان هؤلاء يقيمون الدنيا لمجرد إطلاق وزير الخارجية عدنان منصور موقفاً مغايراً لموقفهم.
فجأة، قرروا أنه مثلما لا يحق لأي سوري ادّعاء أنه لا يقبل بالمسلحين ممثلين له، فلا يحق لأي لبناني أن يرفض دعم تلك المجموعات المسلحة، وبالتالي، فإن مجرد قيام صحافي بكتابة مقال، أو سياسي بإعلان موقف، أو طرف بإظهار دعمه للنظام في سوريا، فإن ذلك يكفي كي تثور ثائرتهم.
في هذا السياق، كيف يجري التعامل مع مشاركة حزب الله في معارك منطقة القصير؟
من يرفض موقف حزب الله السياسي ومن يرفض مشاركته في القتال الى جانب النظام في سوريا، هو نفسه من يرفض أي دور لحزب الله في داخل لبنان نفسه. هؤلاء يحبون أن يتحول الحزب الى جمعية خيرية، وهم مستعدون لتنظيم أكبر احتفالات تكريم له إن رمى سلاحه. وهؤلاء لم يكونوا يوماً الى جانب حزب الله في عز مقاومته للاحتلال في الجنوب، وكانوا يدعمون كل توجه مغاير، من إقرار اتفاقية سلام مع العدو في أيار 1983، الى اتخاذ موقف حيادي في ذروة العدوان على لبنان، من عام 1993 الى عام 1996 الى التورط في دعوة اسرائيل لشن حرب عام 2006، وهم أنفسهم من يقبضون مئات الملايين من الدولارات من الولايات المتحدة الاميركية، ويعمل قسم كبير من نشطائهم كمخبرين لدى أجهزة الاستخبارات الغربية من أجل إيذاء المقاومة.
الآن، يقف هؤلاء ضد انحياز حزب الله الى جانب قسم كبير من الشعب السوري يصطف الى جانب الرئيس بشار الاسد، ويرفض المعارضة المسلحة وإرهابها المنتشر والمتوسع يوماً بعد يوم. وهؤلاء، مستعدون لو قدّر لهم أن يقاتلوا حزب الله كيفما اتفق، لكن حقيقة الامر أنهم بلا حول وبلا قوة، وجلّ ما يتمناه هؤلاء أن تنجح مجموعات تكفيرية في نقل الإجرام العام الى لبنان، ومن ثم تحميل حزب الله المسؤولية.
ببساطة، إذا كان هناك من لا يريد قول الأمر صراحة، فإن مشاركة حزب الله في القتال في سوريا لم تكن وليست هي في أي وقت أمراً مرغوباً، لا من قبل قيادة الحزب ولا من قبل كوادره ولا من قبل مقاتليه ولا من قبل جمهوره. لكن الواقع يقول إن حزب الله يقوم اليوم بعمل سوف يشكره عليه كثيرون يوماً لن يكون ببعيد.
ولكي نرتاح جميعاً من نقاش عقيم: ما يقوم به حزب الله صار جزءاً من منظومة المقاومة ضد محور القتل الممتد من جماعات وقوى الى دول وعواصم... وفي قلبه تقف إسرائيل!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق