الاجتماعات الثلاثة الاولى التي عقدت في تونس واسطنبول وباريس قبل عامين تقريبا، كانت تضم 150 دولة على الاقل، برعاية الولايات المتحدة الامريكية، ومشاركة معظم الدول الاوروبية.
الاجتماع المقبل للمنظومة نفسها الذي سيعقد يوم غد في العاصمة الاردنية عمان، سيضم وزراء خارجية عشر دول فقط هي اضافة للاردن، الولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر وفرنسا وتركيا والمانيا والامارات العربية المتحدة، والهدف من هذا الاجتماع ليس وضع خطط للتدخل العسكري في سورية، ولا ارسال السلاح للمعارضة ‘المعتدلة’، وانما ‘التنسيق والتشاور استعدادا للمؤتمر الدولي بشأن سورية المزمع عقده خلال الشهر المقبل، للتوصل الى حل سياسي للازمة’ حسب ما جاء في تصريحات السيد ناصر جودة وزير الخارجية الاردني.
ما الذي ادى الى انكماش العدد والحماس في هذه المنظومة، وكيف تغيرت اولوياتها بهذه الحدة من قرع طبول الحرب للتعجيل بإطاحة النظام السوري، الى ‘الانحراف’ مئة وثمانين درجة والحديث عن مؤتمر دولي وحلول سياسية؟
بمعنى آخر، كيف باتت هذه الدول مجتمعة او منفردة، تقبل بمشاركة نظام في مؤتمر كهذا كانت تقول حتى ايام معدودة انه نظام غير شرعي، وبادرت بقطع العلاقات معه، وتجميد عضويته في جامعة الدول العربية، وتسليم سفاراته ومقعده في القمة العربية الى المعارضة باعتبارها ‘الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري’؟
‘ ‘ ‘
هناك مجموعة من العوامل السياسية والعسكرية فرضت هذا التحول الجذري، يمكن ان نلخصها في النقاط التالية:
*اولا: خوف الادارة الامريكية الحالية من التورط في الملف السوري، ورفض كل الضغوط العربية والتركية لإقامة منطقة عازلة او حظر جوي، لان هذا قد يتطور الى تدخل شامل.
*ثانيا: التقدم الذي حققه الجيش السوري على الارض، وكان آخر حلقاته الاستيلاء على معظم مدينة القصير الاستراتيجية الحدودية.
*ثالثا: اتساع نفوذ الجماعات الجهادية الاسلامية في الشمالين الشرقي والغربي من سورية، وانضمام المئات، ان لم يكن الآلاف من الشبان السوريين الى صفوفها.
*رابعا: القاء كل من حزب الله وايران بثقليهما في الحرب تسليحا وتدريبا ومشاركة فعلية الى جانب النظام، بينما كانت الدول الحليفة للمعارضة المسلحة خائفة ومترددة، وتحارب بالمال وبالروموت كونترول عن بعد.
*خامسا: دخول العامل الاسرائيلي على ملف الصراع، والغارات الاسرائيلية التي استهدفت مخازن للصواريخ المتقدمة، الأمر الذي اثار مخاوف الغرب من احتمال اتساع دائرة الصراع من حرب اهلية مذهبية الى حرب اقليمية، قد تتطور الى حرب عظمى، بعد تهديد سورية بالرد على اي عدوان جديد في العمق الاسرائيلي.
*سادسا: الدعم الروسي المطلق والصلب للنظام السوري لدرجة الاستعداد لخوض مواجهة في المنطقة، سواء بإرسال صواريخ حديثة مضادة للطائرات (اس 300)، او مضادة للسفن من طراز ‘ياخوند’.
عندما يقول سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي ان على المعارضة السورية ان تشارك في المؤتمر الدولي دون شروط مسبقة، فهذا شرط في حد ذاته يعكس مدى دعم القيادة الروسية للرئيس السوري بشار الاسد ونظامه.
لافروف طالب المعارضة السورية بالكفّ عن التقدم بشروط ‘غير واقعية’، وهو يقصد بذلك المطالبة برحيل الرئيس الاسد ونظامه، وعدم لعبه اي دور او التمتع بأي صلاحيات، سواء في المرحلة الانتقالية بعد تشكيل الحكومة المؤقتة، او اثناء الانتخابات التي من المفترض ان تشرف عليها.
الوزير الروسي اضاف شرطين آخرين: الاول هو ان تشارك ايران في المؤتمر الدولي حول سورية، وان يتمثل فيه جميع الاطراف من ممثلي المعارضة السورية ‘وإلاّ تعرض نجاحه للخطر من الطموحات والاحقاد الفردية’.
‘ ‘ ‘
من الواضح ان روسيا التي ارسلت سفنا حربية وغواصات تحمل صواريخ نووية الى البحر المتوسط قبالة السواحل السورية، عاقدة العزم على الحيلولة دون تغيير النظام السوري على ايدي الولايات المتحدة وحلفائها مهما كلّف الأمر، وانها لا تريد تكرار سيناريو العراق وليبيا وما لحق بهما من إهانات.
هذا الموقف الروسي اعطى ثقة كبيرة للرئيس الاسد ودفعه الى التصريح لمحطة تلفزيونية ارجنتينية قبل ثلاثة ايام بأنه باق في منصبه ولن يتنحى، وعاقد العزم على خوض انتخابات الرئاسة القادمة تحت اشراف الدول الصديقة لسورية النظام فقط، اي ايران وروسيا والصين والبرازيل والهند.
في ظل ثقة الرئيس الاسد وتحديه، والدعم الروسي اللا محدود، والتدخل الايراني العسكري الداعم، ومشاركة حزب الله العلنية في القتال الى جانب النظام حتى استعادة القصير، ماذا ستفعل الولايات المتحدة وحلفاؤها في المقابل؟
هناك خياران لا ثالث لهما: الصمت وتجرّع الاهانة والتذرع بالبحث عن ادلة تدين استخدام النظام لأسلحة كيمياوية، وهذا قد يأخذ وقتا طويلا، او استخدام حجة فشل مؤتمر جنيف الثاني كمحاولة اخيرة للحل السياسي، واستخدام الحل العسكري ضد ايران وسورية معا، والتمهيد له بتسليح المعارضة ‘المعتدلة’.
العنصر الاسرائيلي ربما يخلط كل الأوراق، ويعجّل بالحرب، لانه المتضرر الاكبر من استمرار الوضع الحالي في سورية لسنوات مقبلة، وهذا احتمال غير مستبعد. لكن نتنياهو يدرك جيدا ان عشرات آلاف الصواريخ ستنهمر فوق رأسه ومستوطنيه في حال ما كرر غاراته على سورية، حتى لو ادى انتقامه الى تغيير النظام مثلما يهدد ويدعي.
الخوف هو العنوان الأبرز لمعظم المتورطين في الأزمة السورية، ابتداء من امريكا ومرورا بتركيا وانتهاء بدول خليجية تقرع طبول التدخل العسكري، لكننا لا نبالغ اذا قلنا ان الاطراف المستهدفة وهي سورية النظام وحزب الله هي الاقل خوفا، او هذا ما نعتقده، لان الأمر بالنسبة لهما هو حياة او موت، وظهراهما للحائط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق