المصادر نفسها ترى أن الغارة الإسرائيلية استهدفت وضع سوريا أمام خيار من إثنين: إما الانكماش وابتلاع الضربة، وهو موقف كانوا سيستشفونه بعدم الإعلان عنها. أو الرد الفوري بوابل من الصواريخ وبالتالي الذهاب إلى حرب بالتوقيت الإسرائيلي. وتضيف «أركان محور المقاومة لم يفعلوا هذا ولا ذاك. كل ما فعلوه حتى اللحظة كان عبارة عن مجموعة من الإشارات والرسائل التي وجهت بشكل مباشر أو غير مباشر إلى جميع العواصم المعنية تحمل كلها المضمون نفسه: الرد حتمي. سنفاجئ العدو باللحظة التي نختارها. وستكون الضربة موجعة ومؤلمة في عمق الكيان (الإسرائيلي) وستكلفه الثمن نفسه». وتتابع أن «باب خيبر قد دُق في معركة الأيام الثمانية (في إشارة إلى العدوان الأخير على غزة). والرد سيكون في داخل عرين خيبر. سيضرب من وراء الباب. العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم»، مشيرة إلى أن «عدم الرد الفوري لا يعني التقليل من فرصه بل لربما يشير إلى أنه سيكون أعظم».
وحول قراءة طهران للضربة وتوقيتها واستهدافاتها، ترى المصادر أن «الإسرائيليين قرروا أن يخرجوا من مخبئهم في إدارة العمليات ضد محور المقاومة وسوريا. قرروا أن يضعوا العالم أمام الحقيقة المرة. أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تساعدونا (كإسرائيليين) في انجاز المهمة التي تأخرنا كثيراً في تحقيقها وهي اسقاط الحلقة الذهبية لمحور المقاومة (اقرأ سوريا) لمنع تقدم النفوذ الإيراني. أو ستكون الهزيمة قد لبستكم وأصبحت إيران قوة عابرة للبر والبحر والجو وانهزم المشروع الغربي في المنطقة». وتضيف «لم يرتح الإسرائيليون لعدد الوفود التي تحج إلى طهران لمغازلة الجمهورية الإسلامية، وآخرها (الوزير المسؤول عن الخارجية العمانية) يوسف بن علوي، الذي نقل للمسؤولين الإيرانيين رسالة من واشنطن عن استعدادها للتفاهم على طريقة لإدارة شؤون المنطقة من النووي وصولا إلى شمال إفريقيا وباب المندب والبحرين الأحمر والمتوسط».
وتستطرد المصادر بالقول إنه بات واضحاً للإسرائيليين أن «أوباما أصبح مستعداً للتعايش مع إيران نووية. يعتقد، هو وطاقمه الجديد من جون كيري وتشاك هاغل وغيرهما، أن التعايش مع إيران نووية ومحاصرتها من الداخل الإيراني أقل كلفة وأسرع طريقاً للسلام من خيار الحرب الذي يصر عليه نتنياهو، ليس لأنه متأكد من نتائجه، وإنما لقطع الطريع أمام أي تفاهم دولي أو إقليمي يراه لغير مصلحة كيانه، ما يسمح له بإعادة خلط الأوراق».
هذا في السياق. أما في التوقيت، فترى المصادر أن الرئيس بشار الأسد اعتبر أن اللعبة الدولية في سوريا انتهت. أنه ربح استراتيجياً، ولم يتبق له إلا الحسم الميداني. أصلاً العدوان الجوي الإسرائيلي الأخير هو أبلغ دليل على صدقية التقديرات السورية. حسم ميداني ترى إسرائيل أنه لا يمكنها أن تعكسه لصالحها إلا عبر تدخل خارجي. أمنية لا يمكن تحققها في ظل الانكفاء الأميركي. الوظيفة الأولى للغارة، من وجهة نظر إسرائيل، لا بد أنها كانت ردع محور المقاومة ورسم خطوط لتقدمه في سوريا. لكن حتى تدحرجها نحو حرب ترى إسرائيل أنه سيكون مفيداً لها، لناحية إعادة توريط الأميركيين والغرب عموماً في المستنقع السوري، في ظل الإشارات المتعددة من أكثر من جهة، سورية وإقليمية ودولية، إلى توجه نحو حوار مع النظام. لا شك في أن تل أبيب حصلت على ضوء أخضر أميركي يبدو للوهلة الأولى مخالفاً لسياق الأمور وللرسائل التي تتلقاها طهران. لكنه يصبح مفهوماً إذا نجح نتنياهو في إقناع أوباما بأمرين: أن الغارة ضرورة للحؤول دون خطر استراتيجي (اقرأ أسلحة كيميائية إلى حزب الله). وأنها مطمئنة إلى أن أي رد فعل لن يصدر عن الجانب السوري.
وكان وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، قد دان الغارة الإسرائيلية التي اعتبرها «عدوانا عنيفاً لا شكّ يتماشى مع سياسة الغرب والصهاينة الرامية إلى حجب نجاحات شعب وحكومة سوريا في استعادة الاستقرار والأمن في البلاد». وأضاف أنّها تبرز «تطابق أهداف المجموعات الارهابية مع أهداف الصهاينة».
أما نائب وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان فأكد أنّ «هجوم النظام الصهيوني على محيط دمشق ستكون له عواقب خطيرة على تل أبيب»، مشدداً على أنّه «ينبغي على الأطراف التي كانت تتخذ دائماً مواقف متشددة تجاه سوريا أن تتخذ الآن اجراءات جدية ومواقف حاسمة من هذا الهجوم الذي قامت به تل أبيب، وأن تضع الأمن الاقليمي على رأس قائمة أولوياتها». ودعا عبداللهيان الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى اتخاذ اجراءات فعالة ضد إسرائيل ارتباطاً بهذا الهجوم. كما حذر من أن «لا يخدعها نظامها المضاد للصواريخ الذي أظهر عدم فاعلية خلال حرب الأيام الثمانية ضد غزة».
(الأخبار)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق