وعلينا الإشارة هنا إلى أن دمشق لا تبخل في دعم عملها في روسيا. وقد نجحت في تجميع جماعات ذات ألوان مختلفة. ومن ضمنها شخصيات مؤثرة جداً إلى جانب أشخاص هامشيين ووصوليين. ويتبلور انطباع بأنه يتم توحيد كل من يستطيع أن يصب الماء في طاحونة النظام السوري المتهاوي.
ويمكننا تقسيم اللوبي الأسدي في روسيا إلى المجموعات التالية:
المتقاعدون ذوي الميول الوطنية من مؤسسة الأمن الروسية (الكي جي بي والاستخبارات الخارجية) ومن وزارة الخارجية الروسية الذين عملوا في سوريا لمدد طويلة وكانت لهم علاقات متينة مع ممثلي السلطة في دمشق والذين بذلوا جهوداً كبيرة من أجل توطيد البنية التحتية السياسية والعسكرية. ويعتبر الدفاع عن الأسد اليوم بالنسبة لهم ليس مهماً بحد ذاته. فذلك هو جزء من حربهم الشخصية الكبيرة مع الغرب وأمريكا وغورباتشوف ويلتسين وكل من هدم الاتحاد السوفييتي الذي اعتبروه وطنهم المثالي ودولتهم التي بنوها طيلة حياتهم.
وهؤلاء الناس يظنون من كل قلبهم بأن سورية الأسدية هي قلعة المجابهة مع الغرب واسرائيل وبأن المعارضة ما هي إلا شلة مأجورين للأجانب وهم عصابات وإرهابيين. وبذلك فهم يتعاملون ليس مع سورية الحقيقية وإنما مع صورتها التي شكلوها في مخيلتهم والتي أحبوها واحترموها.
ونقول بأن 'معاداة الأسد لأمريكا' تتحدث عنها سنوات طويلة من التعاون مع وكالة الاستخبارات الأمريكية (السي إي إي) في اختطاف الناس في كل العالم. ويتحدث الشارع العربي الآن عن أن الغرب لا يتسرع في التدخل في سوريا وإنما يقتصر على النشاط الدبلوماسي. وذلك يتناقض بشكل صارخ مع ما يحدث في مالي حيث تم التدخل الغربي خلال أسابيع. ويتحدث الشارع العربي عن العلاقات السرية الطويلة بين دمشق وتل أبيب وعن بيع مرتفعات الجولان لإسرائيل على أعتاب حرب حزيران 1967، وعن الحدود الهشة مع إسرائيل وعن التعاون الثابت مع أجهزة استخباراتها وكأنها تتعامل مع دولة جارة وذلك لمحاربة الثوار والمقاومين.
ومن المفارقات أن هجوم الطيران الاسرائيلي الأخير على مواقع سورية فُسِّر أيضاً لصالح الأسد. لأن النظام حاول استثمار هذا الاعتداء ليبرئ نفسه في أعين السوريين من قصة تعاونه مع تل أبيب. ولم يؤثرهذا الحادث على ازدياد التذمر من النظام.
وفي حقيقة الأمر فإن المسألة أعقد مما يتصور الوطنيون الروس. ولكن اقناعهم أمر في غاية الصعوبة. وكأن القضية أصبحت شخصية وعاطفية وليست سياسية. فكم يصعب على هؤلاء أن يروا سوريا وهي تخرج من فلك روسيا، بعد أن قدموا لها كل ما يستطيعون.
العلماء. ومعظمهم من المستشرقين والمستعربين والمختصين في الشؤون الإسلامية وخبراء سياسيين من مختلف المشارب يقومون بخدمة الأسد بالطرق المتاحة. ولن نذكر هنا الأسماء التي يمكن لمن يشاء أن يجدها في صفحات الانترنت المتعلقة بسورية وفي وسائل الإعلام الروسية. فمنهم من يقوم بهذه المهمة بنية صادقة وبقناعة بأن النظام الحالي على حق والمعارضة على خطأ، ومنهم من ينفذ أجندة مرسومة وآخرين يريدون إيصال رسالة لدمشق بأنهم يرغبون في التعاون معه. ومن خلال متابعة طبيعة مداخلات هؤلاء جميعاً يمكننا ببساطة أن نعرف الدوافع وراء كل متحدث.
ممثلو الكنيسة. الكنيسة الارثوذكسية الروسية لا تتدخل مباشرة في الوضع السوري ولكنها تعبر عن قلقها على مصير المسيحيين والأماكن المسيحية المقدسة. إلا أن بعض العاملين في الكنيسة من العلمانيين مثل رومان سيلانتيف المعروف بنشاطه الموجه الذي ينشر التخوف من الإسلام، ايضاً انخرط في اللوبي الأسدي.
إن سيلانتيف، الذي عمل طيلة حياته من أجل منع تلقي المسلمين الروس تعليمهم الديني خارج روسيا وحارب دعوة مدرسي العلوم الفقهية من الأجانب إلى روسيا بحجة أن ذلك هو السبب في كل مصائب روسيا المتعلقة بالإسلام، قد أجرى منذ فترة قريبة استثناءً لسورية الأسدية. فقد أفصح مراراً عن تأييده للنظام السوري الحالي وشن هجوماً قوياً على المعارضة متهماً إياها بالإرهاب والتطرف وغيره.
لوبي التخويف من الإسلام. تقوم شخصيات عرفت بنشاطها ضد خطط معاداة الإسلام (ومنهم العاملون في المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية مثل رئيس سليمانوف ويانا أميلينا وغيرهما) بعمل منظم في الدفاع عن الأسد.
بعض المسؤولين في منظمات إسلامية. مثل رئيس المفتيين في مدينة بيرم المكروه محمدغالي حسين وصديقه المقرب فريد سليمان الذي يسمي نفسه رئيساً لمجلس العلماء في المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية، حيث قاما بزيارة سورية بدعوة من السلطات السورية ويستقبلون باستمرار ويرافقون الوفود الرسمية السورية بما فيها مرافقة البطريرك كيريل كممثلين عن مسلمي روسيا.
الجماعات اليسارية والقومية والوطنية. يعتقد هؤلاء بأن دعم الأسد هو نوع من مقاومة الامبريالية والغرب وأمريكا وغيرهم. وبناء على مبادرة منهم تأسست 'لجنة التضامن مع شعبي ليبيا وسوريا' (في الحقيقة هي لجنة تضامن مع القذافي والأسد). وترأس هذه اللجنة رئيس حزب الشعب الروسي الرئيس السابق للجامعة الحكومية الروسية للتجارة سيرغي بابورين (خطاباته تذكرنا بخطابات البعثيين). ومن أعضاء تلك اللجنة الكاتب نيكولاي سولوغوبوفسكي والناشطة اليسارية داريا ميتينا (وهي من ألد أعداء المعارضة السورية) ونواب مجلس الدوما الروسي أوليغ شيين والكسي كورنيينكو والرئيس المناوب لاتحاد كتاب روسيا سيرغي كوتكالو وغيرهم من الشخصيات الاجتماعية.
وتقيم السطات السورية عالياً موقف هؤلاء وتقوم بدعوتهم إلى سوريا وتحتفي بهم كتعبير عن شكرها. وبعض هؤلاء يعمل علنا مع النظام السوري. ومنهم السيد مرات موسين وهو شخصية علمية واجتماعية مقربة من بابورين وصديق لسيلانتييف. وتملأ صفحات الانترنت أشرطة الفيديو التي يصورها موسين أثناء مرافقته لقوات الجيش الأسدي. ويروج موسين لأفكار تقول بأن ما يحدث في سوريا يشكل 'تحدياً كبيراً لحضارتنا المسيحية'.
وبالمناسبة فإن المواطن الروسي سيرغي بيريجنوي الذي جرح مؤخراً في المعارك في سوريا كان قد حضر برفقة موسين لقضاء عطلته السنوية في سوريا وللعمل كصحفي مستقل. وقد حازت قصصه عن الحرب على جائزة وهو الآن يعمل قاضياً ونائب رئيس محكمة التحكيم في مدينة بيلوغورودسكي.
وتنشط كذلك بعض وكالات الأنباء وتصوير الفيديو ضعيفة الاحتراف (للغرابة فإن بعضها مسجل في جمهورية أبخازيا) وهم جميعاً ينقلون صورة الوضع في سوريا من وجهة نظر النظام. ويقف وراء هؤلاء ممثلو ما يسمى بالجماعات الوطنية.
اللوبي الشيعي الموالي لإيران. وانخرط في حملة دعم الأسد كل الموالين لإيران في روسيا والتي تعتبر أكبر حليف للنظام السوري. ومنهم حيدر جمال رئيس اللجنة الإسلامية الروسية الذي صرح يوماً بأن اسقاط الفئة الحاكمة في سوريا وتلاحم العالم السني سينذر بالحرب على روسيا.
مجموعات رجال الأعمال وغيرهم من المتنفعين من الصلات الخاصة مع سوريا.
وغالباً ما تتقاطع هذه المجموعات فيما بينها. وقد نشاهد ضمنها نفس الشخصيات. وهم يشاركون كل يوم في وسائل الإعلام وفي الطاولات المستديرة ويكتبون مقالات تحليلية ويدعمون النظام من خلال قنواتهم الشخصية.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي رينات محمدوف 'إن أهداف ممثلي المجموعات المختلفة المؤيدة للأسد يمكن أن تكون مختلفة ولكنها 'ويا للعجب' تصب كلها في مصلحة اسرائيل'. ويضيف محمدوف بأن دعم الأسد سيكلف روسيا غالياً لأنها أصبحت في نظر العالم الإسلامي قوة مجابهة له. ويشير محمدوف إلى أن 'الأمر ليس كذلك. لكن الشارع العربي بدأ يستقبل روسيا على هذه الصورة السلبية تماماً'. ويؤكد محمدوف 'إذا اتخذت مؤسسات السياسة الخارجية الروسية استراتيجية رجعية مفادها أن 'روسيا هي شرطي الشرق الأوسط'، أي إذا ركزت جهودها على قمع وإدانة الربيع العربي الثوري، وهذا ما يدعو إليه أنصار اللوبي الأسدي في روسيا، فإننا سنصل إلى نتيجة وحيدة وهي أن الشريك الوحيد الباقي لروسيا في الشرق الأوسط هو اسرائيل وهو المطلوب على ما يبدو'.
' محلل سياسي روسي
ترجمة د. محمود الحمزة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق