على كل حال ناقشت غالبية الصحف الإسرائيلية في تقارير وافتتاحيات مدى التخلف الذي تبدى في أداء الرقابة العسكرية الإسرائيلية، واضطرارها بعد يومين من المناقشات العلنية إلى كشف النقاب عن قضية مستترة منذ أكثر من عامين. غير أن ما كشف النقاب عنه لا يزال جزء يسيراً من القصة التي على ما يبدو لن تكتمل فصولها في الأيام القريبة، بعدما تم الإعلان عن أن التحقيقات بشأنها ستجري في كل من إسرائيل وأستراليا على حد سواء.
وكانت إسرائيل قد اعترفت رسمياً أمس الأول بوجود من كان يوصف بأنه «السجين إكس»، الذي تبدى أنه عميل موساد أسترالي سابق، خدم أيضاً في الجيش الإسرائيلي، ويدعى بن زايغر. وكان تحقيق تلفزيوني أسترالي في شبكة «اي بي سي» قد كشف عن شخصية«السجين إكس»، مشيراً إلى أنه اعتقل بعدما «حصل شيء سيئ جداً في حياته المهنية التجسسية».
وكتبت صحيفة «هآرتس» أن «محاولات الإسكات التي قامت بها أجهزة الأمن، وستار الضباب الذي نشرته المؤسسة الأمنية وأسوار الرقابة العسكرية انهارت جميعها مساء أمس الأول، حين أكدت إسرائيل بشكل رسمي جزءاً كبيراً من نتائج تحقيق شبكة «اي بي سي» حول اعتقال زايغر في آذار العام 2010، وانتحاره في زنزانته المعزولة في سجن أيالون في الرملة في كانون الأول من العام نفسه».
وأشارت «يديعوت» إلى أنه بعد نقاش طويل أجرته محافل أمنية وقانونية رفيعة المستوى، أعلن المستشار القانوني للحكومة يهودا فينشتاين أمس الأول، أن شخصاً كان يحمل الجنسية الإسرائيلية وجنسية أجنبية حُبس واحتجز لاعتبارات أمنية بهوية زائفة. وجاء في البيان أن عائلته عرفت باعتقاله، وأنه حظي بتمثيل قضائي من ثلاثة محامين هم روعي بلكر، موشيه مازور وبوعز بن تسور.
ورافقت الإجراءات في قضيته المحافل الأعلى في وزارة العدل. وقد احتجز الرجل في السجن بقوة أمر اعتقال اصدرته المحكمة. وقد احترمت، بحسب فينشتاين، حقوقه الخاصة. وبعدما عثر على السجين ميتاً في زنزانته، عينت رئيسة محكمة الصلح في ريشون لتسيون، دافنه بلتمن قدراي للتحقيق في ملابسات الوفاة. وقبل نحو شهر ونصف الشهر رفعت الى فينشتاين تقريراً بأن السجين انتحر. ونقل الملف الى النيابة العامة للدولة لفحص احتمالات الاهمال من جانب الجهات التي كان يفترض بها أن تحرسه.
وأشارت «يديعوت» إلى أن زايغر يهودي من ملبورن في أستراليا هاجر إلى اسرائيل في العام 2001، وغير اسمه الى بن الون. واختص زايغر في القانون في مكتب «هيرتسوغ فوكس نئمان» (الذي أسسه وزير العدل يعقوب نئمان والنائب اسحق هيرتسوغ)، وأصبح محامياً. وتزوج من إسرائيلية، وأنجب طفلين، ولكنه أدار حياة مزدوجة وعمل سراً كعميل للموساد.
ونقلت «يديعوت» عن صحيفتين أستراليتين هما «سدني مورنينغ هيرالد» و«ذي ايج»، أنه منذ العام 2009 كان زايغر في مركز تحقيقات أجرتها الاستخبارات الأسترالية. زايغر وأستراليان آخران هاجرا الى إسرائيل، واشتبه في أنهم استخدموا جوازات السفر الأسترالية من أجل التجسس لمصلحة الموساد.
وبحسب «ذي ايج»، فقد أصدر الثلاثة جوازات سفر في أستراليا مع أسماء جديدة لم تظهر أصلهم اليهودي. وزعمت أن زايغر لم يُعرّف نفسه فقط باسمه الإسرائيلي بن الون، بل أيضاً بن آلن، وبنجمين بورس، وغير اسمه في الجواز بالإجمال أربع مرات. واشتبهت الاستخبارات الأسترالية في أن الثلاثة استخدموا جوازات سفرهم الأسترالية كي يزوروا ايران، سوريا ولبنان.
وأفادت «ذي ايج» بأنه في العام 2009، عاد زايغر الى أستراليا وتسجل لدراسة الماجستير في جامعة «مونش» في ملبورن، التي فتحت أبوابها ايضا امام طلاب من السعودية والشرق الاوسط. وروى مصدر للصحيفة أن زايغر ظهر في تلك الفترة في الحرم الجامعي بصحـبة طلاب إيرانيين وسعوديين.
وفي تشرين الأول العام 2009، علم الصحافي جايسون كاتسوكيس عن تحقيقات الاستخبارات الأسترالية. وقال أمس لصحيفة «الغارديان» البريطانية ان «القصة كانت عن أن جهاز الموساد جنّد أستراليين، ويستخدمهم للتجسس لمصلحته برعاية شركة وهمية في أوروبا». وأشار الصحافي إلى أن الشركة الوهمية التي أقامها الموساد، وعمل فيها زايغر وإسرائيليان أستراليان آخران، باعت معدات إلكترونية لإيران ودول أخرى. وأضاف ان «زايغر أثار الاشتباه أيضاً لأنه غير اسمه أربع مرات. اكتشفت أنه رفع طلباً للحصول على تأشيرة عمل في ايطاليا. وقيل لي ان السلطات في أستراليا تحاصره وتوشك على اعتقاله قريباً».
وأضافت «يديعوت» أنه في كانون الثاني العام 2010، وفي أعقاب تصفية الناشط في حماس الشهيد محمود المبحوح في دبي، قرر كاتسوكيس التوجه مباشرة الى زايغر، الذي مكث تلك الفترة في إسرائيل. وعلى حد قوله، غضب زايغر حين سئل عن الشبهات. وصرخ على كاتسوكيس قائلاً «من أنت بحق الجحيم؟ ما هذا الهراء الذي تقوله؟».
وادعى زايغر أنه ليس جاسوساً، ونفى أي صلة له بالموساد، لافتاً إلى أنه لم يزر أبداً الدول العربية، وشرح أنه غير اسم عائلته لأسباب شخصية فقط. وبحسب كاتسوكيس «كان في صدمة. غضب في البداية، وبعد ذلك كان محبطاً من أني لا أقبل نفيه».
وفي 27 شباط العام 2010، نشر كاتسوكيس تقريره في «ذي ايج» من دون أن يذكر فيه اسم زايغر. وفي تلك الفترة، بحسب الـ«ايه.بي.سي» اعتقل زايغر في اسرائيل. وكشف تحقيق الشبكة التلفزيونية أن أحداً من سجاني زايغر، أو السجناء الآخرين في سجن أيالون، لم يعرفوا من هو ولماذا اعتقل. ولم يكن مسموحا له بالزيارات، وعاش على مدى أشهر طويلة في عزلة تامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق