وقال أرنس، مفسرا دعوته، إنه لا توجد هناك أي فائدة من الجدار، وهو يؤدي فقط لأضرار سياسية لإسرائيل في الخارج، ويتسبب في أضرار لمعيشة الفلسطينيين. وأضاف: «في فترة موجة العمليات الكبيرة (يقصد عمليات التفجير في القدس وتل أبيب وغيرهما من المدن الإسرائيلية، التي نفذها فلسطينيون قدموا من الضفة الغربية)، اقتنع الجهاز السياسي بضرورة بناء جدار أمن من دون مبرر حقيقي. فقد كانت هناك حالة من الهستيريا في حينه، بعدما أصبحت تنفذ عملية كل يوم تقريبا، وأحيانا عمليتان. وفي ذلك الوقت خرج جهاز الأمن العام (الشاباك) ليستنتج، أنه من دون جدار لا يمكن وقف الإرهاب. وعندما تقول المخابرات هذا، أنت تقتنع فورا. والصحيح أنني اقتنعت أنا بذلك أيضا، ولكن من الواضح اليوم، أنه لا يوجد علاقة بين الجدار وصد العمليات».
وكان أرنس يتكلم في محاضرة في تل أبيب، الليلة قبل الماضية. وقال: إنه يعتقد أن إسرائيل تتمكن من صد العمليات الخطيرة، كالتي كانت في حينه، بفضل عمليات الجيش على الأرض، وبفضل التعاون مع الشرطة الفلسطينية وليس بفضل الجدار. و«من الواضح اليوم أن مساهمة الجدار في وقف العمليات تقترب من الصفر. فهو لا يوفر الأمن، وإنما يسبب أضرارا لصورة إسرائيل في العالم، ويصعب الحياة اليومية للفلسطينيين، بحيث لا يستطيعون الوصول إلى أراضيهم القائمة غرب الجدار». وأعرب أرنس عن قناعته بأن الجدار بشع ويبدو مثل الندوب على الوجه وعلى وجه أرض إسرائيل.
وكشف أرنس حقيقة مخاوفه من الجدار وقال: «أنا لا أريد أن يتحول الجدار مع الأيام إلى خط حدود سياسي». فهو لا يوافق على قيام دولة فلسطينية مستقلة، ومستعد لأن تكون هناك دولة واحدة للفلسطينيين والإسرائيليين، شرط لأن لا تشمل قطاع غزة. وقال: إنه مستعد لأن تكون هذه الدولة ديمقراطية تماما يشارك فيها الفلسطينيون في التصويت للكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، إذا كانوا يقبلون بأن تكون دولة الشعب اليهودي.
وقال أرنس: «لا تبدو المفاوضات مع الرئيس محمود عباس مجدية، والرئيس أوباما بالتأكيد يفكر بطريقة أخرى، وعباس يكاد لا يتحدث باسم نصف الفلسطينيين. ولو كانت الأردن على استعداد لاستيعاب أراض وسكان آخرين لكان ذلك أسهل، ولكن الأردن لا يوافق، ولذلك يمكن التوجه نحو إمكانية أخرى، وهي أن يسري القانون الإسرائيلي على الضفة الغربية، وأن يتم منح المواطنة الإسرائيلية لمليون ونصف المليون فلسطيني». وكانت صحيفة «هآرتس» قد سألت أرنس إن كان لا يخشى من أن تتحول إسرائيل إلى دولة «ثنائية القومية»، فقال: إن إسرائيل باتت ثنائية القومية، وفيها اليوم 20% أقليات. وإنه حين يتحدث عن دولة واحدة، لا يريدها دولة أبرتهايد، بل «دولة سيادة يهودية في واقع مركب، تكون ديمقراطية بلا احتلال وبلا حواجز، يستطيع اليهودي فيها أن يعيش في الخليل ويصلي في الحرم الإبراهيمي، كما يستطيع أن يكون الفلسطيني ابن رام الله سفيرا أو وزيرا وأن يعيش في تل أبيب أو يلعق البوظة على شاطئها».
المعروف أن أرنس في الثامنة والثمانين من العمر، ويحمل آراءه بخصوص الدولة الواحدة منذ عقدين. وهو أحد القادة التاريخيين لمعسكر اليمين، شارك في قيادة حزب الليكود سوية مع المؤسس مناحم بيغن، وشغل منصب وزير الدفاع ووزير الخارجية ورئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية وسفير إسرائيل في الولايات المتحدة. وهو بروفسور في هندسة الطيران. ويعتبر أرنس الأب الروحي لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إذ أنه جلبه إلى عالم السياسة.
ويحظى موقف أرنس بدعم من عدة شخصيات يمينية متطرفة، لدوافع مماثلة أو مختلفة، مثل عضو الكنيست يوني شطبون من حزب «البيت اليهودي»، الذي يقول إن «الجدار يرفع من حافزية الفلسطينيين لتنفيذ عمليات إرهابية، لكونه يبث رسالة ضعف وهزيمة ودفاع، ومثل هذه الرسالة تستدعي الإرهاب والهجمات». ويضيف أن «الجدار ساعد فعلا في صد موجة العمليات التفجيرية على المدى القصير، ولكن الضرر على المدى البعيد يفوق الفائدة». وإسرائيل بحاجة إلى حرية العمل في داخل المدن الفلسطينية وليس إلى الجدران والأسوار. وبحسبه فإنه في مسارات معينة للجدار، فقد تم بناؤه بناء على اعتبارات سياسية. وقال: «في مواقع معينة لا يوجد أي منطق عملاني، ويبدو أن الاعتبارات التي وضعها مخططو الجدار تنبع من تفكير سياسي بشأن الحدود المستقبلية».
كما أيدت عضو الكنيست أوريت سطروك، من «البيت اليهودي» أيضا، هدم الجدار، باعتباره «خطأ يجب تصحيحه». وقالت: إن إسرائيل صرفت أموالا طائلة على بناء جدار هباء، فالأمن ووقف «الإرهاب» قد تم بفضل التواجد العسكري وعمليات الجيش في المدن العربية وفي الضفة الغربية.
وكانت عضو الكنيست من حزب الليكود، تسيبي حوطبيلي، قد نظمت، قبل أربع سنوات، حملة في الكنيست تحت شعار «البديل لحل الدولتين»، وطالبت علانية ولمرتين، بمنح المواطنة للفلسطينيين بشكل تدريجي. ونشر أوري أليتسور المدير العام للمجلس الاستيطاني في الضفة الغربية ومدير مكتب نتنياهو في ولايته السابقة، مقالا قبل عام، دعا فيه إلى البدء بعملية يمنح الفلسطينيون في نهايتها بطاقة الهوية الزرقاء، ورقما أصفر (للمركبات) وتأمينا وطنيا، وحق تصويت في الكنيست. كما أن إميلي عمروسي الناطقة بلسان المجلس الاستيطاني سابقا تشارك في لقاءات تجمع مستوطنين مع فلسطينيين، وتتحدث صراحة عن «دولة واحدة يسافر فيه ابن المستوطن مع الطفل الفلسطيني في حافلة واحدة».
كما كان رئيس الكنيست، رؤوبين ريفلين، قد صرح قبل فترة، بأنه يفضل منح المواطنة للفلسطينيين سكان الضفة الغربية على تقسيم البلاد.
لكن، بالمقابل يعارض اليسار الإسرائيلي هذا الموقف ويشكك في نواياه. وقد صرح عضو الكنيست من حزب العمل المعارض، إيتان كابل، عضو لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، بأن رغبة أرنس بإسقاط الجدار تشكل خطوة باتجاه دولة ثنائية القومية يؤمن بها. وبحسبه ليس الجدار هو الذي يسيء لصورة إسرائيل وإنما الجمود السياسي العميق الذي يتحمل مسؤوليته تلميذ أرنس، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. وأضاف، أن الشيء الوحيد الذي يسقط الجدار هو التسوية مع الفلسطينيين. وقال: «إن الجدار هو شيء رهيب من الناحية الإنسانية، ولكن ليس هذا السبب الذي يدعو أرنس إلى المطالبة بإزالته، وإنما لأنه يمس بالتواصل الجغرافي الذي يطمح إليه». كما عارض ياريف أوفنهايمر، السكرتير العام لحركة «سلام الآن»، هدم الجدار، وقال: إن «من يسعى لتفكيك الجدار اليوم يسعى إلى خلق واقع دولة واحدة ثنائية القومية غير ديمقراطية وغير يهودية». وبحسبه يجب تحريك الجدار إلى مسار الحدود المستقبلية على أساس خطوط 1967. وإعادة الأراضي التي صودرت من الفلسطينيين قبيل بنائه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق