في مطلع عام 2011، اعلنت الشركة الاميركية "نوبل للطاقة" عن بدء اعمالها للتنقيب في مياه المتوسط ضمن حقل ضخم اطلق عليه "ليفياثان – 1" والذي تبلغ مساحته نحو 125 ميلا مربعا يمتد على طول شواطيء فلسطين المحتلة واللبنانية، الامر الذي دفع الكيان "الاسرائيلي" الى حث الخطى لترسيم الحدود البحرية مع قبرص اليونانية، والتعدي على السيادة المصرية في مياهها الاقليمية.
في شهر تموز/يوليو 2011، وقعت سورية وايران اتفاقية لنقل الغاز الايراني عبر العراق مفتتحة بذلك "فضاءً استراتيجيا – طاقويا،" بامكانه ضم لبنان، والتعامل مع الاسواق الاوروبية والعالمية المتعطشة للطاقة بعيدا، بل بمعزل، عن الهيمنة الاميركية.
جدير بالذكر ان لبنان وقع اتفاقية ترسيم حدوده البحرية مع قبرص عام 2007، مما اثار جدلا حول قانونيتها وجدواها ورفض البرلمان اللبناني المصادقة عليها للوقت الراهن. وليس مستهجنا ان تبرز السواحل الشرقية للمتوسط كساحة صراع جديدة واضافية في سياق ازمة الطاقة العالمية، وما تخلفه من تداعيات على مستقبل سورية ولبنان في البعد الاستراتيجي للصراع العربي الصهيوني، فضلا عن التهديد التركي بدخول الصراع على الموارد الطبيعية.
وسارع "الكيان الاسرائيلي" في 30 آذار/ مارس 2013 الى الاعلان عن بدء تدفق الغاز الطبيعي من حقل تمار الواقع في حوض المشرق (كما اطلق عليه علماء الجيولوجيا)، يتم ضخه آليا في الفترة الراهنة لتغذية احتياجات السوق المحلية. ومن المتوقع تطور انتاجه ليصبح صالحا للتصدير في غضون سنتين او ثلاثة، اذ ان مخططات "اسرائيل" بعيدة الامد تتطلع لتصدير الفائض من الانتاج الى اوروبا، عبر انابيب تمر في عمق البحر وتنتهي في ميناء جيهان التركي الذي طُورت بنيته التحتية لهذا الغرض بالذات.
يذكر ان "اسرائيل" بدأت استخراج النفط والغاز من اعماق مياه المتوسط عام 2009. وعليه، ينذر استخراج (اسرائيل) وتسويق الغاز من "حوض المشرق" بتغيير توازن القوى الجيوسياسية الراهنة، بل يزيد من تعقيداتها ويفتح آفاقا جديدة لاستمرار الصراع بين القوى المختلفة.
وفي هذا السياق ينبغي النظر الى تلهف "اسرائيل" لاعادة علاقاتها مع تركيا، مع العلم ان اعادة الاصطفاف المذكور لن يكون الاخير في هذا الصدد. كما من شأن ثروات "حوض المشرق" المكتشفة ان تسهم في تغيير التوازن النفطي في المنطقة، نظرا للوضع المتجدد لدول وكيانات كانت لفترة قريبة تفتقر للموارد النفطية، مما سيقحمها في السباق لتصدير مشتقات الهيدروكربون الى اوروبا نظرا لوضعها الجغرافي المثالي (لبنان و"اسرائيل").
كما دخلت مصر حلبة التنقيب عن النفط بالموافقة لشركة "توتال" الفرنسية عن التنقيب في منطقة مقابلة للمياه القبرصية، وهي التي تقوم باعمال التنقيب والحفر في بئر "تمار الاسرائيلي" في ذات الوقت، مما يطرح تساؤلات مشروعة حول نزاهة اعمالها في التنقيب والحفر وعوائده لكلا الطرفين. اما لبنان فقد اعلن موافقته مؤخرا لطرح عطاء للتنقيب في مياهه الاقليمية.
مخزونات هائلة في لبنان وسوريا
وحديثا، اشار وزير الخارجية الاميركية جون كيري لمحاولته اقناع الرئيس بشار الاسد "لتغيير مواقفه وتليين الوضع (القابل للانفجار) والسعي نحو الحل السياسي،" التي تتضمن موافقة سورية على عدة شروط درءا لتفجير مسمى "الربيع العربي".
أحد الشروط يتعلق بتمرير انابيب الغاز القطري و"تمرير خط انابيب ينقل المياه التركية من سد اتاتورك الى اسرائيل،" عبر اراضيها، وبالطبع فك ارتباط سورية بالمقاومة وايران وروسيا.
يذكر ان سد اتاتورك يحتجز خلفه مياه كانت تغذي نهر بردى في دمشق وغوطتها الخصبة. وعقب اعلان سورية مؤخرا عن اكتشافات مخزون النفط والغاز على طول شواطئها ومياهها الاقليمية، والتي كانت معروفة منذ عقدين من الزمن على الاقل، واكبه تصعيد غير مسبوق في عمليات التدمير المنهجي لمرافقها الحيوي تضمنت منابع ومصافي النفط. بل افصح احد الخبراء السوريين، عماد فوزي الشعيبي، ان اربعة آبار نفط من مجموع 14 حقل نفطي مكتشف يعادل انتاجها معدلات انتاج الكويت اليومي، اي 1.6 مليون برميل يوميا.
المخزون الاحتياطي الهائل في باطن الارض والسواحل اللبنانية اوجزه وزير الطاقة والمياه اللبناني، جبران باسيل، منذ بضعة اسابيع قائلا أن بإمكان احتياطيات مكمن واحد من الغاز عُثر عليها في مياه الساحل الجنوبي توفير احتياجات محطات الكهرباء اللبنانية طوال 99 سنة. دعّمه بيانات مسح جيولوجي قامت به شركة "سبيكتروم جيو" البريطانية التي افادت ان احتياطي لبنان من الغاز يضم 25,000 مليار قدم مكعب تقع في اعماق مياهه الاقليمية في الساحل الجنوبي تمتد مساحتها على ثلاثة آلاف كيلومتر مربع.
وتبلغ قيمة المخزون، إذا ما قيس بالاسعار الحالية، حوالي 140 مليار دولار، وهو رقم مرشّح للارتفاع، مع العلم بأنه يتخطى المخزون السوري بثلاث مرات.
صحيفة "التايمز" البريطانية نقلت حديثا عن خبراء في شؤون الطاقة يعربون عن اعتقادهم أن «احتياطيات الغاز» اللبناني هي أكثر بكثير من 25 تريليون قدم مكعب، و«للجميع اهتمام كبير بهذه الثروة في ذلك الموقع من العالم.»
اصطفاف واعادة تمحور الشركات المعولمة جارٍ على قدم وساق للفوز بنصيب الاسد من الثروة اللبنانية الكامنة. شركتان فرنسيتان، "جي دي اف سويس" و"توتال"، تطلبان ود "شركة ايران الوطنية لاستخراج النفط" للتعاون معا في عمليات التنقيب والاستخراج في المياه اللبنانية.
الشركة الاميركية العملاقة، "اكسون موبيل"، دفعها اغراء الثروة الى طلب التعاون مع احدى الشركات الروسية الكبرى لذات الغرض، سيما وان قاعدة بياناتها الداخلية تشير الى ان مخزون لبنان يبلغ ضعف حجم مخزون حقل "تمار" المكتشف في مياه فلسطين المحتلة.
روسيا هي المورد الاكبر للغاز الطبيعي لاوروبا دون منازع، وتحرص على ديمومة مكانتها في البعد الجيوسياسي. كما ان مصلحتها تتطلب الحد من تأثير ونفوذ تركيا في منطقة المشرق العربي. وفازت بتوقيع اتفاقية مع "اسرائيل" تخولها حقوقا حصرية لتطوير وتسييل الغاز الطبيعي، اتساقا مع طموحها لتحويل الغاز المسيل الى مادة روسية بامتياز لتصديرها للاسواق الاسيوية. مقابل ذلك، اعلنت روسيا انها على اتم الاستعداد للاستثمار في منشأة غاز مسيل عائمة في مياه المتوسط بكلفة تصل الى نحو 5 مليارات دولار، عبر شركتها العملاقة "غازبروم،" الموقعة على الاتفاقية وتنتظر الموافقة النهائية من الجانب الآخر. وبما ان المنشآت لتسييل الغاز تقع في مياه فلسطين المحتلة فانها تعتبر مصدر افضل أمناً للغاز من اي مشروع مشابه مرتبط بتركيا، من وجهة النظر الروسية.
من هذا المنظور يمكننا النظر الى تصالح تركيا و"اسرائيل،" كثمرة اولى للتداعيات الجيوسياسية في "حوض المشرق؛" كما بدأت تتجسد ايضا في نظرة "اسرائيل" نحو مصر نتيجة استكشاف هذه السلعة الثمينة. اذ برزت ازمة توريد الغاز الطبيعي "لاسرائيل" كمسألة تمس الأمن القومي منذ بضعة شعور بدأت مع تضاؤل توفر الغاز في الاسواق المحلية الى ادنى المستويات.
فمظاهرات "الربيع العربي" اطاحت بحسني مبارك الذي دأب على توفير نحو 40% من احتياجات "اسرائيل" للغاز. صعود الاخوان المسلمين للسلطة رافقه قلق من استمرار العمل بتوريد الغاز المصري، سيما وان الانبوب الناقل للغاز المصري تعرض لعدة هجمات اثرت على المحافظة على مستويات الضخ السابقة. الامر الذي ضاعف من خشية "اسرائيل" تعرضها لأزمة في موارد الطاقة، ومصير الثمن المدفوع الذي قد يذهب الى طرف معاد محتمل، كما يتردد. اكتشافات "حوض المشرق" خففت من حدة تلك المخاطر. حقول الغاز المكتشفة في المياه اللبنانية تقع ضمن مياهه الاقليمية وما يعتبره منطقته الاقتصادية حصرا، اذ تشير علامات حدود الابار المكتشفة الى امتدادها ضمن مياهه السيادية؛ الامر الذي صعد حدة التوتر العالية بالاصل مع "اسرائيل،" اذ يعتبر لبنان ان ما اطلق عليه حقل تمار هو امتداد للحقل الاصلي في المياه اللبنانية ويخضع لسيادتها، وفق القوانين الدولية.
وطار وزير الخارجية البريطانية، وليام هيغ، الى بيروت، 20 شباط من العام الجاري، في سعيه للحؤول دون المزيد من تفاقم الاوضاع، واغراء لبنان بوعود ومساعدات تقنية في التنقيب والاستخراج مقابل حصة معينة. اللافت في الأمر، من وجهة النظر الجيو- استراتيجية، قدوم هيغ يلغي الدور الفرنسي التقليدي بلبنان، ويؤشر على طبيعة تقسيم نفوذ القوى الغربية في المنطقة.
سبق زيارة هيغ تصريح واضح وصريح لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي يتهم "اسرائيل بالتغاضي عن حقيقة ما تثبته خرائط المسح الجيولوجي التي تفيد بأن مخزون الثروات الطبيعية يمتد الى المياه اللبنانية." وزير البنية التحتية في الحكومة "الاسرائيلية" عوزي لينداو اطلق تهديداته للبنان بوضوح ايضا قائلا "لن نتردد في استخدام القوة والبأس .." لحماية ادعاءات "اسرائيل" بحقها في الموارد الطبيعية.
قدم لبنان تفسيره الرسمي لنصوص القانون الدولي للملاحة البحرية في مذكرة اودعها لدى الامم المتحدة، آب 2010، يوضح فيها ان حقلي تمار وليفياثان يقعان خارج منطقة السيادة اللبنانية، بينما تقع آباراً اخرى ضمن الحدود الاقليمية اللبنانية؛ ابدت الامم المتحدة تأييدها لوجهة النظر اللبنانية.
إسرائيل تتطلع إلى دور جديد
على الرغم من تعاظم التوترات بين "اسرائيل" وكل من مصر ولبنان بسبب "حوض المشرق،" قد تأتي الاستكشافات الجديدة ببعض العائدات المفيدة "لاسرائيل،" التي تتطلع شرقا نحو الاردن لتعزيز العلاقات الودية اصلا، وضمه تحت غطاء شبكتها لتوزيع الغاز، الأمر الذي سيخفض كلفة انتاجه فضلا عن يسر توفره.
بالنظر الى احتياجات الاردن الذي يستورد نحو 97% من احتياجاته لتوليد الطاقة بتكلفة تستنزف انتاجه القومي السنوي بنحو 20%، يبلغ حجم استيراد الغاز الطبيعي نحو 88% من مجموع الاستيراد من مصدره في مصر الذي يضخ في انابيب تعبر اراضي فلسطين المحتلة.
تعرض خط انابيب الغاز المصري الى هجوم في سيناء مما ادى لايقاف العمل به، وتضاعفت اعباء الاردن لموارد توليد الطاقة الكهربائية لتصل الى نحو 5.6 مليار دولار، مما حدى بحكومته رفع مستوى الدعم الذي تقدمه لقطاع الطاقة الى 1.6 مليار دولار درءا للمخاوف من مضاعفة اسعار الطاقة الكهربائية بسبب انقطاع الغاز المصري.
مزايا استكشافات الغاز الطبيعي قد تمتد لتشمل الاردن، سيما وان البعض بدأ يروج لانشاء محطة تسييل للغاز الطبيعي في مدينة العقبة الاردنية لشحنه الى الاسواق الاسيوية؛ مما يخرج من المعادلة مخاطر عبور الناقلات لقناة السويس بسبب حالة عدم الاستقرار السياسية. كما من شأن عائدات الثروات المكتشفة حديثا، سيما الكلفة المتدنية لاستخراج الغاز، ان تحفز الكيان "الاسرائيلي" اطلاق العنان لصناعة تحلية مياه البحر على نطاق واسع، ورفد احتياجاته المائية لمدن الكثافة السكانية على شاطيء المتوسط، سيما وانه بات يصدر مياه بحيرة طبريا الى الاردن.
تعزز موقع جزيرة قبرص في ظل الاكتشافات الحديثة ليس بالقرب من شواطئها فحسب، بل لمركزية موقعها في بؤرة الآبار المتشاطئة مع كافة الدول المطلة على شرقي البحر المتوسط؛ بل قد يذهب بنا الامر الى القول ان توقيت الازمة المالية حديثة العهد، في قبرص، قد واكب الضغوطات السياسية عليها، وامتدادا على اليونان، لمصلحة الكيان.
كما ينبغي التذكير بأن الشركة الاميركية المختصة بالتنقيب، "نوبل انيرجي،" هي التي اجرت المسح والتنقيب في حقل "افرودايتي" القبرصي وحقل تمار في فلسطين المحتلة ايضا. العلاقات الثنائية بين "اسرائيل" وقبرص اليونانية متأرجحة مقارنة بتلك القائمة بينها وبين تركيا، لكنه جرى تعزيزها وتمتينها منذ التيقن من الاكتشافات في "حوض المشرق" والحجم المتقارب لمخزون حقلي "افرودايتي" و "تمار." فالاول يمتد بمحاذاة بل ويتداخل في مياه فلسطين المحتلة في عدد من المناطق البحرية المعروفة "بمناطق اوقيانوسيا،" او مناطق بحرية مفتوحة، تتخذ اشكال اسطوانات مخروطية تمتد من سطح البحر الى اعماق تتراوح ابعادها من 3.7 كيلومتر الى 11 كيلومترا.
ونظرا لتداخل الحدود البحرية الاقليمية بين الطرفين وقربهما لبعضهما البعض، بامكاننا القول انه باستطاعة مخزون الحقلين تغطية الاحتياجات الاوروبية من الغاز لنحو سنتين من الزمن. اما آبار الغاز الواقعة قبالة شواطي قطاع غزة، المكتشفة عام 2000، فاوضاعها الاقتصادية والجيوسياسية اشد تعقيدا، سيما وان "اسرائيل" تتحكم بكل ما يحتاجه وينتجه قطاع غزة، ولم يتم استغلال "حقل غزة البحري" للآن لدوافع سياسية. اذ اعتبرته مصر منافس لاتفاقياتها المعقودة لتوريد الغاز الى "اسرائيل" التي ينتابها قلق مستدام من فقدان سيطرتها بالتحكم في مصادر الثروات الطبيعية والافاق التي ستوفرها عائدات الغاز على مستوى معيشة القطاع، فضلا عن توظيف بعض العائدات في المجال القتالي ضدها. حقوق التنقيب عن الغاز في مياه غزة تمتلكها شركة "مجموعة الغاز البريطانية،" تتوزع ملكيتها على عدة اطراف: بريطانيا 60%، عائلة الحوري اللبنانية 30%، وصندوق الاستثمار الفلسطيني ما تبقى من الحصص بما يعادل 10%.
كما ان الشركة – المجموعة البريطانية تجري مفاوضات مع "اسرائيل" بغية تطوير انتاج الحقل، اذ تمثل الاولى مطالب السلطة الفلسطينية في توفير الغاز لتوليد الطاقة في المناطق الخاضعة لسيطرتها الاسمية. وفي هذا السياق، لا يجوز اغفال اهمية العامل السوري فيما يتعلق بثروات "حوض المشرق،" بصرف النظر عن الحرب الدائرة هناك التي لا تحفز اي من المستثمرين الدخول في اعمال الحفر والتنقيب. تجميد اعمال التنقيب بالقرب من الشواطيء السورية يفيد "اسرائيل" بالدرجة الاولى، ولبنان الى درجة اقل، للمضي في عملية استخراج الغاز من اعماق البحر المتوسط.
الخاسرون
كما ان معدلات الاستخراج في الآبار المصرية ستستمر في الانخفاض نظرا لتوتر الاوضاع السياسية والاضطرابات العامة، الأمر الذي تجسد في ايقاف العمل في عدد من الآبار الواقعة في دلتا النيل نتيجة اعاقة واعتراض حركة المواصلات على الطرق، فضلا عن اغلاق بعض الآبار استجابة لاحتجاجات السكان. كما ان تضعضع سلطة الدولة المركزية في شبه جزيرة سيناء حفز بعض المسلحين من سكانها البدو على اعتقال مسؤول الشركة الاميركية العملاقة، اكسون موبيل، لدى مصر وعقيلته لفترة قصيرة، وكأنها رسالة وصلت للمستثمرين المحتملين بالابتعاد عن مصر.
كما ان صعود نفوذ تركيا في منطقة المشرق العربي يقوض نفوذ خصمها اللدود، روسيا، بل يأتي على حسابه في المشرق واوروبا معا؛ اذ باستطاعة تركيا جدلا تصدير نصيب اعلى من حصصها في الغاز لاوروبا. اما اليونان فباستطاعتها تبوأ موقع الرابح ان احسنت استثمار الفرص الاقتصادية وطورت علاقاتها مع الدول الاخرى خاصة تركيا، في ضوء الازمة المالية الخانقة التي كادت ان تودي بها الى الانهيار والافلاس التام.
ستعمل "اسرائيل" على استمرار المنافسة بين تركيا واليونان طلبا لودها، والتي من المتوقع ان تقدم على خطوات لتعزيز علاقاتها مع قبرص اليونانية، على حساب تركيا، مما سيتطلب ربط انابيب الغاز من حقل ليفياثان مع قبرص ومن ثم لليونان؛ وتلعب الدور المعاكس تماما ضد اليونان عند الضرورة لتكسب الطرفين.
بعض دول "الربيع العربي" في الشطر الافريقي ستخرج خاسرة في معركة توريد الغاز، سيما وانها لا تستطيع السيطرة على زمام الامن في بلادها. باستطاعة "حوض المشرق" توفير الدور البديل للغاز المستخرج من سواحل المتوسط المقابلة لاوروبا، بل قد تدفع حمأة المنافسة على الاسواق الاستهلاكية في اوروبا الى هبوط سعره.
من الثابت ان الاكتشافات في "حوض المشرق" تدفع باتجاه تحولات استراتيجية عدة في المنطقة، لعل اهمها عودة التحالف الوثيق التقليدي بين تركيا و"اسرائيل" الى سابق عهده؛ وخسارة مصر المتوقعة لدورها ونفوذها في مياه المتوسط والدول العربية الاخرى. عند توفر عائدات الثروة المكتشفة لدى الخزينة اللبنانية، باستطاعة لبنان خفض حدة تدخل ونفوذ تلاعب الاطراف الخارجية بمستقبله وارساء الاسس لبناء مجتمع اوفر عدلا. منطقة الشرق الاوسط، بشكل عام، ستستمر بالتأثر من وطأة التحالفات التاريخية والنزاعات على مقدراتها لصالح الغرب.
* مكتب الميادين في واشنطن بالتعاون مع مركز الدراسات الأميركية والعربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق