فهل كانت الرياض تعدّ الرجل لتسلم منصب الحكومة الانتقالية قبل الوصول الى الانتخابات النيابية، حين كاد ميقاتي يهم بالاستقالة في تشرين الثاني من عام 2012؟ وهل ردت السعودية الى بيوت بيروت السياسية ما فقدته حين جاء الرئيس رفيق الحريري من صيدا الى العاصمة؟
اليوم بدأت رحلة جديدة من مسار رُسم منذ اشهر، في اطار استباقي. كان امام الرياض اسمان، تمام سلام او اللواء اشرف ريفي الذي فوتح بالموضوع قبل شهرين (كما ذكرت «الاخبار» سابقاً)، لكنه ارتأى تسمية النائبة بهية الحريري التي فضّلت خوض الانتخابات النيابية. وخلال الشهرين، سلكت الامور مسارا مختلفا، طرح فيهما التمديد لريفي، لكنه سقط في الكباش بين حزب الله والعماد ميشال عون من جهة وميقاتي من جهة اخرى، ليعود اسم ريفي وينضم الى نادي المرشحين لرئاسة الحكومة من غير اللائحة المعدة للحرق. وفي الايام الاخيرة، ابلغت السعودية مجددا اسم ريفي لزوارها، وآخرهم موفدو النائب وليد جنبلاط، الذي استصعب تمرير الاسم «الصدامي» مع حزب الله. كانت السعودية تريد وضع جنبلاط، كما فعلت مع ميقاتي، في مواجهة نهائية وحاسمة: «إما معنا او ضدنا». لكنها وضعت اسم سلام في لائحة التفاوض.
كان ريفي خيارا سعوديا وحريريا، لاكثر من سبب: قدرته الامنية على ضبط الاوضاع ولا سيما في طرابلس وصيدا، علاقاته الجيدة مع اجهزة عربية (وسعودية) وغربية امنية، في بلد يحتاج الى كل انواع الاتصالات لتأمين الاستقرار فيه، ولا سيما للاشراف على الانتخابات، واخلاصه لـ14 آذار ولعائلة الحريري.
اما سلام، فخيار سعودي صاف، لم يكن الحريري راضياً عنه حتى اللحظات الاخيرة، رغم كل ما قيل وسيقال عن انه هندس عودة الزعامة البيروتية الى عائلة سلام، ولم يكن الحريري ليعيد تزكية ابن بيروت وتعويمه، وهو الذي حافظ على مسافة من المستقبل، وكرر اكثر من مرة موقعه المستقل. لكن السعودية قالت كلمتها، فاستقبل الحريري ابن الراحل صائب سلام بعدما التقى الامير بندر بن سلطان، وأصبح بين لحظة واخرى مرشح قوى المعارضة. وجال السفير السعودي في بيروت يبلغ من يهمه الامر من بكركي الى عين التينة قرار الرياض.
بدوره اختار جنبلاط اهون الاسمين، تمام سلام مرشحا توافقيا... من جانب قوى 14 آذار فحسب، وقبل ان تعلن قوى 8 آذار موقفها.
حين هدد ميقاتي بالاستقالة «للمرة الألف»، لم يجد من يرده هذه المرة. ارتكب خطيئة في الوقت والظرف غير المناسبين، ولم تنجح حساباته السياسية، اذ اعتقد انه الرقم الصعب الذي لا بد ان تدور الكرة دورتها وتصيبه مرة اخرى، وان عواصم الدول الغربية والعربية ستتنادى لدعم عودته. لكن هذه العواصم اظهرت ان دعمها للحكومة كان هشا وغير مبني الا على ورقة استقرار لبنان، وتصرفت من وحي ما سبق لباريس ان قالته لميقاتي عشية استقباله في شباط 2012، بأنها تستقبل رئيس حكومة لبنان أيا يكن اسمه. وهكذا تكرر الامر امس، فميقاتي ضمانة لاستقرار لبنان ما دام رئيس حكومة، والا فان البديل جاهز والحكومات كلها مستعدة للتعامل مع خلفه.
لم يجد الرئيس المستقيل من يدعمه، فهو لم يسلّف عون ولا حزب الله طبعا. وحده جنبلاط بقي معه الى ان بات متهما بأنه ساهم في احراق الرجل سياسيا حين ايده باستقالته وحاول ان يؤدي مجددا دور مؤلّف حكومات لبنان، فأسقط بيده واسقط ميقاتي معه، إذ إن النائب الطرابلسي الذي أتى بالتضامن مع لائحة المستقبل، وانقلب عليها، وضع الحريري الفيتو عليه رئيسا للحكومة مجددا ونائبا عن طرابلس مستقبلا.
مع دخول البلاد مرحلة اختيار الرئيس المكلف، هل يعني ذلك ان الحكومة ستشكل، مع العلم ان الحديث امس عن حقائب وحصص وشروط وشروط مضادة.
بحسب مصادر سياسية مطلعة فإن الخوف ان يكون لبنان امام مرحلة تكليف لا تأليف، وخصوصا ان الخلاف بدأ يظهر امس على شكل الحكومة حتى بين الذين سموا سلام، ففي حين طالب جنبلاط بحكومة سياسية، طالب رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع في حديث الى «الأخبار» (راجع ص 4) بحكومة تكنوقراط، قبل ان نصل الى مواقف وشروط 8 آذار لتشكيل الحكومة. ما يمكن ان يثير مخاوف من ان نشهد مرحلة شد حبال تنتهي في 20 حزيران لمعرفة ما ستؤول اليه اوضاع المؤسسات الدستورية، بين حكومة تصريف اعمال ورئيس مكلف، ومجلس نواب معلق بين التمديد «غير الشرعي والدستوري له» وبين عدم الاتفاق على قانون انتخاب، ما يعني ان المخاوف عادت لتترك ظلها على احتمال تعذر اجراء انتخابات نيابية، لا في موعدها ولا بعد أشهر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق