لم يعد سرّاً أن الثلاثي ميقاتي ـــ جنبلاط ـــ الرئيس ميشال سليمان نفّذ انقلاباً كبيراً على «حلفاء الأمس»، على من أتى بميقاتي إلى الحكم وعزّز جنبلاط كـ«بيضة قبّان»، وأعطى دوراً لـ «رئيس توافقي» لا يمون إلّا على نفسه.
السؤال عن سبب الإنقلاب يحوز إجابات شبه متقاربة: راهن «المنقلبون» على أن ميقاتي «خط أحمر دولي»، وبالتالي ستُعاد تسميته مدعوماً، هذه المرّة، من حكم آل سعود، وسيضطّر حزب الله، ومعه التيار الوطني الحر، إلى القبول به على قاعدة أن البديل عنه هو الرئيس فؤاد السنيورة، أو الرئيس سعد الحريري بذاته.
«ظروف اليوم مختلفة عن الأمس»، قالها جنبلاط قبل أيام. لا يقول «ملك القفز على الحبال» كلاماً في الهواء: ظروف اليوم لا تسمح لحزب الله بـ«قمصان سود» جديدة.
صباح 18 كانون الثاني 2011، نقل الحزب لجنبلاط رسالة صامتة، على غرار أفلام تشارلي شابلن المضحكة ـــ المبكية بالأسود والأبيض: ممنوع تسمية الحريري. وكعادته، تجاوب جنبلاط مع الأقوى، وانصاع لإرادته.
في حسابات جنبلاط الجديدة، أن شعاع «الثورة السورية» الذي امتد من سوريا إلى لبنان يقيّد حزب الله ويمنعه من فرض رغباته السياسية بالقوّة الأمنية والعسكرية، لعدّة أسباب. في بال البيك، أن الزمن الذي تستطيع فيه المقاومة أن تُنهي أي حالة مسلّحة مناوئة لها بسرعة كبيرة على غرار ما حصل في 7 أيار قد انتهى، وأن زمن فرض الخيارات وتسمية رئيس للحكومة بمجرّد نزول عدد من الشبان بقمصان سوداء، قد ولّى إلى غير رجعة. وبالتالي، يعتقد البيك أن حزب الله، ولو خسر رئيس الحكومة المقبلة، لن يقدم على أي عمل «استفزازي»، خوفاً من ردّات فعل كبيرة في الشارع، وجرّ البلاد إلى اشكالات أمنية تتعدى المطلوب، أي الضغط، إلى اشتباكات واسعة مع قوى «سنية متطرّفة».
قد يكون ما يظنّه جنبلاط صحيحاً، وقد لا يكون. لكنّ السؤال الآن، هل من داعٍ لـ «قمصان سود»؟ حين كان جنبلاط رأس حربة في قوى 14 آذار، كان ذا شأن. وحين نقل بندقيّته في موقفه الشهير «أنا مع المقاومة وسوريا»، ثمّ تسميته ميقاتي رئيساً للحكومة، صار ذا شأنٍ أكبر في السياسة الداخلية، وفي تحديد الكفّة الرابحة. لعب البيك على مدى المرحلة دور «الميزان»، هو «14 آذار» في الموقف من سوريا، و «8 آذار» في الموقف الداخلي والحفاظ على الحكومة.
تغيّر كل شيء أمس. أساء «بيك المختارة» التقدير، على الأقل لناحية الموقف السعودي من تسمية ميقاتي. إذ راهن على قدرته على إقناع السعودية بتسمية رئيس الحكومة المستقيل، لكن الموقف كان مغايراً تماماً: « لن نزعِّل الحريري». عاد جنبلاط لتسديد فاتورة الولاء لزعيم المستقبل. الالتزام بتسمية مرشح الحريري (تمام سلام) والاعتذار من ميقاتي عن عدم تسميته، ليس إلّا استكمالاً للتوبة ـــ الغفران. لم يعد باستطاعته أن يكون ميزاناً، وأن يقبض ثمن «بضاعته» مرّتين. خسر جنبلاط حزب الله ولم يربح السعودية. على أن خسارة الرهان على السعودية ليست الوحيدة. إذ فشلت عملية تحييد حزبي الكتائب والقوات اللبنانية والخروج عن «التوافق المسيحي»، بعد أن التزم الحزبان قرار بكركي عدم الترشّح وفقاً لقانون السّتين. خسارة أخرى: لم يحصل «الشقاق الشيعي» بين الرئيس نبيه برّي وحزب الله. على أن هاجس جنبلاط الآن، هو تخفيف وطأة «الإنقلاب» عبر السّعي إلى استدراج حزب الله إلى الحكومة الجديدة، إن أبصرت النور. في 14 آذار، تحوّل جنبلاط من «ميزان» إلى «مرتدّ». أمّا ميقاتي، الخاسر الأكبر، فانطبق عليه المثل: «لا بدمّر عيّدنا، ولا بالشام لحقّنا العيد». على أن حال سليمان ليست أفضل، تلّقى «رئيس التوافق الذي انتهى» صفعةً من بكركي، وسقط قانون السّتين.
الحكومة على ما تقول مصادر قوى 8 آذار، على أهميتها، «تأتي ثانياً في أولويات حزب الله. فعلى رأس سلم أولوياته، الاستقرار، ثم قانون للانتخابات لا يمنح الأكثرية لخصومه». لن تستيقظ بيروت على قمصانٍ سود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق