المصادر المطّلعة على ما يجري في أروقة الدول الفاعلة في الأزمة السورية، تجزم بأن الاستقالة واقعة لا محالة. ورغم نفي جامعة الدول العربية خبر الاستقالة، تؤكد المصادر نفسها أن الابراهيمي اتخذ خياره بعد يأسه من نفاق الدول العربية، كاشفة عن ضغوط دولية وعربية هائلة تمارس عليه، ولا سيما من روسيا وأميركا لتغيير موقفه والتراجع عنه. وإذ تؤكد المصادر نفسها أن «الاستقالة صارت بحكم الواقعة»، تشير إلى أنه ينتظر جلسة مجلس الأمن لتقديمها رسمياً.
وتُذكّر المصادر الديبلوماسية بموقف الابراهيمي العزوف عن المشاركة في القمّة العربية، مشيرة إلى أن ذلك كان حينها بمثابة إنذار منه بأن الكيل قد طفح من جميع الأطراف الذين لم يُبدوا موقفاً صادقاً واحداً يُعرب عن نيّة لديهم في إنهاء الصراع في سوريا. وتكشف المصادر معلومات مؤكدة عن أن جلسة مجلس الأمن المنتظرة ستكون «جلسة تقال فيها الحقائق كما هي، سواء ما يجري داخل سوريا أو لجهة ما تفعله الدول العربية والأجنبية من عرقلة لأي حل ممكن فيها». وتشير المصادر إلى أن الابراهيمي سيُسمّي في الجلسة السرّية كلاً من قطر وتركيا وبريطانيا وفرنسا بوصفها الدول المعرقلة والمذكية للصراع السوري. وبحسب المصادر الديبلوماسية نفسها، أكثر ما يدفع الابراهيمي إلى التمسّك بالاستقالة، سلوك الدول العربية التي تتكلّم بشيء، لكنها تفعل شيئاً آخر. فعلى سبيل المثال، تدّعي هذه الدول دعم مبادرة الأمم المتحدة وتشجّع المبعوث الدولي على تقديم مقترحات للحل السلمي، لكنها تُعرقل تطبيقها وتُسلّح المعارضة، فيما دم الشعب السوري يستمر في السيلان.
ولعل المضحك المبكي في موقف الدول العربية الذي أدخل اليأس إلى قلب الابراهيمي، بحسب المصادر نفسها، موقف هذه الدول الداعم في القمة العربية لتسليح المعارضة السورية، وفي الوقت عينه «إعلانها بوقاحة دعمها مبادرة الابراهيمي القائمة على وقف القتال في سوريا». ليس هذا فحسب، تكشف المصادر أن احد أهم الأسباب التي حالت دون مشاركة الابراهيمي في القمة العربية، منح قطر كرسي سوريا لمندوبين لا يمثّلون أحداً على أرض الواقع السوري، في ظل سكوت سعودي وغياب عربي. وتذكر المصادر أن هؤلاء الذين حضروا القمة لا يُمثّلون الشعب السوري، إنما يُمثّلون قطر التي صنعتهم في الدوحة بمالها لا بإرادة شعب سوريا.
نقطة ثانية تكشف المصادر الدبلوماسية أنه سيتم التطرّق إليها في جلسة مجلس الأمن يوم الجمعة المقبل، فتتحدّث عن طرح تحويل البعثة في سوريا من أممية عربية إلى أممية فقط، مشيرة إلى أن ذلك سيُلغي أي دور للجامعة العربية فيها.
وفي السياق نفسه، تؤكد المصادر أن «الأمم المتحدة لا يمكن أن تنسحب من سوريا»، متحدثة عن «جرائم مروّعة يرتكبها النظام السوري بحق شعبه جرّاء غارات الطيران والقصف الصاروخي لمناطق آهلة بالسكّان». وتشير المصادر نفسها إلى أنه في موازة ارتكابات النظام تلك، تُسجّل الأمم المتحدة نشاطاً متزايداً للتنظيمات الإرهابية الموالية لتنظيم القاعدة في الميدان السوري.
أما هوية من سيُكمل المهمة، فتشير إلى أنه مختار لماني، ذلك الموظف الكبير في جامعة الدول العربية الذي شغل يوماً مكتبها في بغداد لعدة أشهر قبل أن يقرر الاستقالة، التي ضمّنها رسالة وصفها الراحل سماحة بأنها شهادة للتاريخ، إثر إشارته إلى أن أحد دوافعه للاستقالة «غياب أي رؤية عربية متماسكة وجادة في معالجة الموضوع العراقي». يومها ذُكر أن لماني رفض إدارة عمله من عمان. وأمضى نحو عشرة أشهر في العاصمة العراقية. وقرّر، أخيراً، الاستقالة، التي أرادها استقالة مبرّرة. فكتب رسالة شرح فيها الأسباب الداعية إلى الاستنكاف بعد طول معاناة. قال سماحة: «بدأ الرجل مهمته من دون أوهام، لكنه غادر بعد التجربة». بل ذهب أبعد من ذلك فأضاف: «ساوره شعور قوي بالإحباط والقهر أمام المعاناة» التي كان شاهداً عليها، وانتابته «أحاسيس متناقضة بين ما يمكن المرء أن يتمناه للعراق وما يراه فعلاً على أرض الواقع».
نطق لماني باسم المواطن العربي العادي في مواجهة سياسة الإمعان في التخلّي التي يمارسها النظام العربي الرسمي. تلك الكلمات التي انتقاها سماحة من رسالة لماني، التي أرفقها طلب الاستقالة يوم أنهى مهمّته في العراق، تقول المصادر إنها «تعبّر أصدق تعبير عن حال الإبراهيمي اليوم الذي كفر بالدول العربية منذ زمن، لكنه عاد بحلم وقف حمّام الدم في سوريا». لكن، ذهبت أحلام الابراهيمي مع ريح الدول العربية. سيُعلن الجمعة استقالته ليبدأ السفير مختار لماني محاولة جديدة، فهل تتكرر تجربته العراقية في سوريا مجدداً؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق